خِلافاً لعادتي في الكتابة , أجدني مضطرّاً هنا للإستشهادِ ببيتِ شِعرٍ لأحد الشعراء المغمورين اثناء الحرب الأهلية اللبنانية , إذ يقول ذلك الشاعر : < بيروتُ تمنحُ قاتليها في ظلامِ الليلِ قُبله .! فقبلَ أنْ نصبَّ اللّوم على حكومة انقره على تجاوزها وعدوانها عل الأراضي العراقية , والذي هو ” احتلال ” دونَ أن يُسمّى بأسمه الرسمي , وهو ” احتلالٌ ” سيفوقُ معنى الإحتلال قريبا عند بدءِ عملية تحرير الموصل , والتي سيحتل الجيش التركي جزءاً كبيراً منها حسبما يبدو جليّاً في الآفاق السياسية – العسكرية القريبة , وحسبما ايضا ثُقل وحجم القطعات التركية المدرعة في شمال العراق , وستحتل البيشمركة جزءاً آخراً منها حاملةً رايات التحرير الخفّاقة , ولابدّ انّ ما يتبقى من مساحة الموصل سيكون تحت سيطرة الشرطة الأتحادية والجيش العراقي والعشائر . وبالعودةِ الى جوهرِ عنوان المقال , فَلَم يعد خافياً , ولمْ يكن خافيا اصلاً مَنْ اعطى ” الفيزا ” او الضوء الأخضر الساطع للقوات التركية لتجتاح جزءاً ” اوّلياً ” من الأراضي العراقية , وهو بالطبع ” السيد مسعود البرزاني ” المنتهية ولايته والتي يُرادُ لها ” استعمارياً ” أن تستمر رغم أنوف السادة المحترمين من الأحزاب الكردية الأخرى .!الإجتياح التركي هذا , قد جرى وِفقَ إتفاقٍ سرّي – ستراتيجي بين حكومة اردوغان والسيد مسعود , وهو الثاني من نوعه بعد نحوِ عام منْ الإتفاق معهم على إدخال الجموع الغفيرة من مقاتلي حزب العمال التركي – الكردستاني الى شمال العراق ” وقد ساهمت وحدات قتالية منهم في معركة سنجار , وبعد انتهاء المعركة رفضوا إخلاء المباني والدوائر الحكومية في المدينة !! ” ليس هنالك جزيء من الإستغراب لما يقوم به السيد البرزاني , إنما الأستغراب والإندهاش ” اولاً ” لماذا تدفع الحكومة 17 % من ميزانية الدولة الى الأقليم .!؟ ألمْ تتأثّر مشاعر الحكومة ونواب مجلس النواب منْ أنّ رئيس الأقليم منعَ كافة العراقيين من دخول ايٍّ من مدن الأقليم ” إلاّ عن طريق الجو ” وبأقامة محدودة ومحددة , وحتى < دونما اكتراثٍ لمدى تضرر السياحة في كردستان , وما اصابَ الفنادق والمطاعم والمولات والمتاجر من اضرارٍ ماديّه واقتصادية جرّاء هذا المنع العِرقي العنصري .! واذا لم تتأثّر تلك المشاعر ” إنْ وُجِدتْ ” , فما بالها تكافئ البرزاني بنحوِ ربع ميزانية العراق على إدخالهِ قوات الأحتلال التركي للعراق ! , وطالما أنَّ توجهات رئيس الأقليم آخذة بالتصاعد في التسبّب بالضرر والأذى للعراق والعراقيين , فلماذا الإبقاء على الوزراء الكرد من اتباع السيد مسعود , وجعلهم يتحكمون بمفاصل ستراتيجية من الدولة لصالح الأقليم اكثر بكثيرٍ مما يخدم العراق .!من الواضحِ أنّ المحاصصة السياسية والأقتصادية مع الأقليم ليست منصفة ولا متكافئة وغدت مُضرّة للبلاد , كما أنّ هذه المحاصصة ليست مقدّسة دستورياً ليغدو التمسّك بها من دونِ بصيرة , وقد بات الآن واكثر من ايّ وقتٍ مضى , أن تراجع الحكومة وتعيد النظر بسياستها مع قيادة الأقليم ومن نقطة الصفر, كما من الواضح كذلك أنّ السيد البرزاني وحكّام تركيا يستغلون الضعف والسذاجة السياسية للحكومة العراقية الى ابعد الحدود .O – هنالك نقطةٌ اخرى اكثر من ستراتيجية , وهذه النقطة مفادها أنّ الأدارة الأمريكية تلعب لعبةً مزدوجة مع العراق , فهي تتظاهرُ في الإعلام بأنها مع وحدة العراق , لكنها تضخُّ كمياتٍ هائلة من الأسلحة الى بيشمركة الأقليم < يوم امس جرى الإعلان عن دفعة اخرى من السلاح بقيمة 200 مليون دولار > ليس لغرض او بهدف مقاتلة الدواعش , لكنّ ذلك مؤدّاه التمهيد لتحصين الدولة الكردية الجديدة بعد الأنتهاء من معركة الموصل ! لماذا ترى لم يرسل الأمريكان هذه الصفقة الأخيرة الى وزارة الدفاع العراقية ! والتي من المفترض ان يكون الجيش العراقي هو مركز الثقل في هذه المعركة , واُكررّ هنا كلمة ” من المفترض ” ! إذ يبدو أنّ معركة الموصل والتي سوف تغدو فيها النهاية المرسومة والمخططة لداعش في العراق , هي التي سينبثق منها فصل وعزل الأقليم عن العراق واعلان استقلاله , وكذلك منح تركيا جزءا كبيرا من الموصل وشمال العراق , ولتضحى القوات التركية بمثابة ” الدفاع الستراتيجي والأمني للدولة الكردية الجديدة المتشكّلة من اراضٍ شاسعة من سوريا والعراق .!الأمريكان بسياستهم هذه يدفعون العراق دفعاً ” غير مباشر ” للأنفتاح الستراتيجي على الروس اكثر مما يحظون به في سوريا , وإنّ الشروع بلعبة النار قد باتَ قريباً للغاية .! الأهم منْ كلِّ ما جاءَ في اعلاه ” بالنسبةِ لكاتبِ هذه الكلمات ” على الأقل , هو أنَّ العراقيين بكلّ مكوّناتهم ” رغم امتعاضي من مفردة مكونات ” فأنما يميزون ويفرّقون بين الشعب الكردي الكريم وبين قيادة الأقليم , بالرغم من المحاولات التي يريد حزب البرزاني في مزجها وجعلها تمثّل حقائق وجذور وتطلّعات الأخوة الكرد ..