اكثر من طرف سياسي كردي، اكد ان تداعيات ازمة الاجتياح العسكري التركي للاراضي العراقية، وتمركز قطعات من الجيش التركي في قضاء بعشيقة شمال محافظة نينوى في الرابع من شهر كانون الاول-ديسمبر الجاري، انعكست سلبا على المشهد السياسي الكردي، وزادت من حدة التشنجات والتقاطعات القائمة بين الفرقاء الاكراد، واكثر من ذلك، جاءت الازمة الجديدة، وكأنها تمهد الارضيات والاجواء بدرجة اكبر للحديث عن نشوء ادارة اخرى في الاقليم بمحافظة السليمانية، وهو ما يعني الذهاب الى حالة التشضي والتفكك التي سادت خلال عقد التسعينات من القرن الماضي.
ولعل المواقف الكردية المختلفة-المتناقضة-من الاجتياح التركي، مثلت اهم وابرز وأوضح المؤشرات على الانعكاسات السلبية المشار اليها، فالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بدا، ان لم يكن مرحبا ومتحمسا لما قامت به انقرة، فأنه لم يكن معارضا لذلك.
وما قاله قادة الحزب الديمقراطي، ومن بينهم رئيسه البارزاني، ان دخول تركيا العسكري للعراق، ليس الاول من نوعه، وانه تم بعلم وموافقة الحكومة الاتحادية، في الوقت الذي اعلن البارزاني استعداده للتوسط بين بغداد وانقرة لنزع فتيل الازمة، ليطير بعد ذلك مباشرة الى تركيا ويلتقي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ورئيس الوزراء احمد داود اوغلو ومسؤولين اتراك اخرين، حيث ادلى من هناك بتصريحات انطوت على دفاع عما اقدمت عليه انقرة.
في مقابل ذلك فأن خصوم الحزب الديمقراطي، المتمثلين بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير (كوران)، والجماعة الاسلامية والاتحاد الاسلامي الكردستاني(يكرتوو)، اصدروا بيانات وتصريحات منفصلة ادانوا فيها بشدة الاجتياح العسكري التركي للاراضي العراقية وعدوه انتهاكا للسيادة الوطنية، وبعضهم اتهم البارزاني بالتواطوء مع انقرة.
وما يقوله خصوم البارزاني خلف الكواليس، ويسربون جزءا منه الى وسائل الاعلام، بأن الاخير راح يقدم تنازلات للاتراك، ويستجدي السعودية، ويغازل اخرين من اجل ضمان البقاء في منصب رئاسة الاقليم، بعدما اغلقت كل الابواب بوجهه، ليلجأ الى خيار القفز على الشرعية وفرض الامر الواقع.
ولاتبتعد المعطيات على الارض عن هذه الرؤية، لاسيما وان المعركة بين الفرقاء الاكراد وصلت مرحلة “كسر العظم”. بعد ان طرد الحزب الديمقراطي، رئيس برلمان الاقليم المنتمي لحركة التغيير يوسف محمد فرج، وكذلك طرد وزراء وبرلمانيي حركة التغيير من مدينة اربيل، وراح قادة الحركة يتحركون ويبحثون مع قادة حزب الاتحاد الوطني والجماعة الاسلامية تشكيل ادارة كردية في السليمانية لاعلاقة لها بالادارة في اربيل التي استحوذ عليها حزب البارزاني.
وفد الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي زار بغداد مؤخرا والتقى بزعماء سياسيين وممثلي قوى سياسية مختلفة، اسرّ لهم ان الاوضاع في اقليم كردستان تتجه الى الحافات الخطيرة، وان فرص التفاهم بين البارزاني وخصومه باتت معدومة تقريبا، ناهيك عن ان الازمات الاقتصادية والتحديات الامنية اخذت تعمق الهواجس والمخاوف لدى عموم فئات وشرائح المجتمع الكردي.
فالاكراد يرون ان الدخول العسكري التركي، يعني امكانية تحول الاقليم الى ساحة لتصفية الحسابات والصراعات بين تركيا وخصومها، وتحديدا حزب العمال الكردستاني (P.K.K)، وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D)، وكذلك انعدام فرص حل واحتواء الخلافات بين القوى الكردية العراقية في ظل تباين المواقف حيال السياسات والتوجهات التركية تجاه العراق، فضلا عن ذلك فأن تفاقم الازمات بين بغداد واربيل، وبين بغداد وانقرة، سيفضي الى تفاقم الازمات الاقتصادية –وحتى الامنية-في الاقليم.
وقد اشار وفد الاتحاد الوطني الكردستاني، الى انه لايوجد في الافق ما يؤكد على تمكن حكومة الاقليم من معالجة مسألة تأخر رواتب موظفي الاقليم، ولا الى دفع مستحقات الشركات النفطية الاجنبية التي تجاوزت خمسة مليارات دولارات، علما ان اغلب الشركات اوقفت اعمالها، وبعضها غادرت، وبعضها راحت تتحرك قانونيا لاستحصال مستحقاتها المالية.
وتؤكد مصادر كردية خاصة، ان ثلاثة وعشرين شركة بتخصصات مختلفة علقت نشاطاتها بأقليم كردستان بسبب الظروف الاقتصادية والامنية والسياسية السيئة والمرتبكة.
من جانب اخر يتوقع خبراء في مجال الامن، ان يخطط حزب العمال الكردستاني لاستهداف الحزب الديمقراطي في اربيل ودهوك، ردا وانتقاما، جراء سياسة التهادن التي يتبعها الحزب الديمقراطي الكردستاني مع تركيا على حساب مصالح الامة الكردية.
وهذا في حال حصوله، سيدخل الاقليم في المزيد من المتاهات والدهاليز المظلمة، ليتضرر منه اساسا حزب البارزاني، ومن ثم ينعكس سلبا على تركيا، لان اقليم ديار بكر الذي يقع على مرمى حجر من اقليم كردستان، لن يكون بمنأى عن مايحصل من تفاعلات –او قل صراعات كردية، كردية، علما ان حزب العمال يسعى جاهدا لتحويله الى ميدان للمواجهة مع الحكومة التركية.
—————————-
*كاتب وصحافي عراقي مقيم في بغداد