وفاء عبد الرزاق تفخيم صورة الوطن
– أبرزت عنصر الجمال ومزجته مع بساطة النص لتوصل الفكرة دون عناء
– كرست حياتها للأدب وكانت رائدة في عطاءها وشاعريتها وترجم أدبها للغات عدة
لم تكن وفاء عبد الرزاق بعيدة عن الوسط الفني الأدبي ، سواء بشعرها أو أعمالها الأدبية الأخرى، أو حتى المواضيع النقدية والتحليلية التي رافقت صدور مجموعاتها الشعرية أو قصصها ورواياتها أو شعرها الشعبي ، كما أن شعر وفاء عجن بالنقد والتحليل وخضع لعوامل عدة دفعت منها أن تكون في المقدمة على غيرها من حيث النوع قبل الكم. هي تكتب للعامة ولا يعنيها أن تكون حالة مميزة أو فريدة على الساحة الأدبية ،بقدر ما تعد لتكون رائدة في عطائها وشاعريتها.
وفاء عبد الرزاق قاصة وشاعرة وأديبة من مواليد البصرة جنوب العراق، سيرة طويلة حافلة من الأدب بفروعه هي قامة أدبية أو شجرة معطاء مثمرة وارفة الظلال كثيرة العطاء ، حين تقرأ سيرتها الذاتية يتراى لك أنها كرست حياتها للأدب دون سواه، فكيف استطاعت الجمع بين أجناس متعددة منه وفي سياقات عدة وبحرفية متقنة ربما أجادت فيها ، في قرأتها بأبو ظبي لمجموعة من قصائدها، تناولت العراق بشجن ورسمت صورها الشعرية بطريقة مؤثرة جمعت فيها لوعت الحنين ومعاناة الغربة.
ومن تلك القصائد “ساحلُ الحياةِ عراقُ” ، وكان تناولها بصيغة المباشر ( تخاطب العراق) وليس الآخرين ليوصلوا صوتها إليه ، وهذه ميزة ربما ابتعد عنها الشعراء وبخاصة في الشجن والأدب الوصفي، فقد اعتدنا أن تتم المخاطبة بالبدائل ، كما في قصائد الحب أو الوطنية ،ثم تلج وفاء الى المضاهاة والتشبيه بقصد القدسية فهي بتداخل الديني في أبياتها كإيحاء رمزي يجسد القدسية على ما تريد من الوصف كما التداخل الذي زجت فيه المتناقضات أيضا (النار،الماء) لتفخيم الكلمة وتعظيم الصورة بما يتناسب ومكانة المخاطب ، أي ( الوطن)، صورة التقديس التي صورتها وفاء والتي اعتبرت فيها السير للوطن بمثابة الحج ، وهي مقارنة وصفية أرادتها الشاعرة إن تكون شاملة جمعية ، فعبرت عنها بصورة حرفية ناطقة أجادت فيها حين رسمت حروفها تتحرك لترافقها الى ذلك الحد مع الحدود ، وهي دالة المعنى تكتمل حين يكون التداخل مستوفي شروط الاستخدام ، وجودة الصورة تظهر حين يكون الوصف ينطبق على الموصوف ، وقد كرست وفاء تلك الشروط في البيتين السابقين اللذان جسدت فيهما معان الوصف بتطابق الموصوف. شخصُك النارُ والماءُ حَجَجنا إليكَ ترافقنا شرفةُ الحدودِ
وحين ذهبت وفاء لاستخدام المبني للمجهول في سياق أبياتها جاءت صيغها متحركة بعيداً عن الجمود الذي يلف قصائد المجهول ، وبعيدة عن الحيرة التي تضفيها نصوص المبني للمجهول عند الآخرين حين يوردوها مما يربك القارىء ويشتت فكره ، وبالتالي تكون الفكرة قد ضاعت في سياق أبيات القصيدة.
استخدام مصطلح الاعتذار يوحي بعدم المقدرة أو تحقق الأشياء إذا استثنيا الخطأ لأنه ليس بمدار حديثنا هنا ، والأغنيات حين تعتذر يعني أن الفرح قد أجل أو أوجل الى حين ، آي الاستمرار بالحزن ، وهو ما أوحت به وفاء حين بقدرتها على نسج العبارة ، واختيار الألفاظ القوية كما إنها وفقت الى متانة التركيب وتماسك الأجزاء، ما أعطى المعنى صورته الكاملة بجدارة . والأغنيات اعتذرت
بنفسكَ إخلاصُ وخلاصٌ وبين الضواحي أصابعك لم تعد كافية.
وهو تعبير عن ما تحمله الغربة من ألم كبير في ثنايا النفس التي باعد الزمن بينها والوطن ، التركيبة البينية لما احتوته أبيات وفاء بصورها الشعرية ، دلت على تناغم موسيقى الروح بتوافق التعبير أو التلاعب بالكلمات بحرفية لإخراج صورة العمل على شكل معاناة ، وهو ما جسده البيت الثاني الذي أختصر المعاني وجاء على وصف شامل (إخلاص وخلاص) وهو مبتغى كل شيء ، الإخلاص بكينونته الشاملة للعمل والوصف ، والخلاص من تبعات ما يكرسه الألم في النفوس من تبعات.
وفي قصيدتها “أربكني جذعك” ذهبت الى التأويل والاستعاضة عن الواقع بأشياء أخرى ، أي أنها استخدمت الإيحاء ضمنياً لإيصال ما تريد للقارئ والإيحاء ضرب من التخفي قي الشعر يكرس من شاعرية الكلمة ويعطي المعنى أبعادا في الخيال. جاؤوا يشاركونك خجلَ اللوز أربكتني وجوههم مقاعدهم الفارغة . . والمصيدة .
وظفت وفاء عملية التوافق والاختلاف في تفاصيل السرد معتمدة الافتراضية حيناً ، وذائقة الخيال حيناً أخر ، حتى خرجت بمقاربة شاملة لا تقف عند الشعرية فقط بل تعدت ذلك ربما الى الإبداع. وحين تشكل وفاء عبد الرزاق بؤر القصيدة وصفاتها فهي تنطلق من جمع شتات الكلمات وتفاعلاتها مع عناصر التكوين لتشكل جوهر عملها الأدبي الذي تريد له أن يصل بمضامينه التكوينية للقارئ.
أبرزت وفاء عناصر الجمال ومزجتها مع بساطة النص الذي تستخدمه ، لتوصل فكرة القصيدة دون عناء ، وبكلمات تحمل تناغم الشعر ، وتضافر المعاني نحو تشكيل الأثر الجمالي في القصيدة بعيداً عن التزويق أو الكلام الذي لا يخدم المعنى الضمني الذي تريده وفاء ، كما جاء في قصيدتها (أمْنَحُني نفـْسي والخَارطة).
سقطَ المطرُ
بهدوءٍ
رعشتْ أوراقُ شَعري
ومع عناقِ الفجرِ
لزمنٍ هادئِ لا ينسى الضوءَ
تركتني وحدي.
ما عدتُ أشعرُ لو سقطَ المطرُ ثانيةً
بدفءِ قلب.
بعيداً، لا يهم
فقط أراكَ
وليسقط المطرُ .
وهج الكلمات في أبيات وفاء يدفعك لملامسته لا مجرد إحساسه، وهي في تلك تدفعك دفعاً للوقوف على أعتاب معان عدة لا تترك في النفس إلا التفاعل مع الكلمات وكأنها موسيقى تنساب من بين الأبيات التي تركتها وفاء على نسقها الجميل لتوصل ما تريد دون عناء.
أتقنت وفاء التلاعب بالقواعد بمهارة حتى داخلت بين الإيحاء والحقيقة، بين الفاعل والمفعول ما يخلق مزجاً وظيفياً لا يؤثر على السرد بل يدفع لاكتمال وظائفه بصورة حيوية كما أرادتها وفاء.
اعتمدت حواراً ضمنياً ربما مع نفسها عبر هذه الأبيات يدفع للاعتقاد بأن هناك توظيف للتناقض في ثنايا النص ، وصراع تغلفه أشجان الغربة ومعاناتها لتخلق غرابة في الحبكة التي أرادتها وفاء أن تكون مكتملة الأركان تصور معاناة الحنين والغربة عن الوطن.
اغلب ما كتبته وفاء كان يحمل هذا الحنين ن ويبرز معاناة الغربة، وهو ناتج عن كونها مغتربة تعيش هذا التوافق مابين الشعور والتخيل لتظهر كتاباتها ، وقصائدها بصورة من يحمل في قلبه الشوق والحنين لوطنه البعيد المنتظر.
ذاتَ مساءٍ
حزَمتُ مَتاعَ العاشرةِ
وتجمَّعتُ كخيطِ الضوءِ بشمعةٍ
في يومٍ تباعدتُ عني
صَّفقتُ لحرمانِ الوصلِ
عصرتُ التوتَ لعمري
أسأتُ فهمي وأساءَ لقولي
أشعلتُ رأسَ سنةٍ أخرى
فوجدتُ بأني
متهمة ٌبسرقتي منيِّ
وأن بابلَ تبحثُ عنيّ فيَّ
وفاء شاعرة وقاصة وروائية ، تناول منجزها الأدبي من قبل نقاد كثر عبر دراسات وقراءات نقدية نشرت في مختلف الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، نالت أعمالها الشعرية والقصصية والروائية العديد من الدراسات ، يضاف إلى ذلك إنها تكتب إلى جانب الشعبية القصيدة الفصيحة أيضا والقصة القصيرة، وقد صدرت لها مجموعات عدة ك (هذا المساءُ لا يعرفني، وحين يكون المفتاحُ أعمى، وللمرايا شمسٌ مبلولة الأهداب، ونافذة فلتت من جدران البيت، ومن مذكرات طفل الحرب، وحكاية منغولية، وامنحني نفسي والخارطة، والبيتُ يمشي حافيا). وفي مجال الرواية (بيتٌ في مدينة الانتظار، وتفاصيل لا تُسعف الذاكرة). كما حازت الشاعرة على مجموعة من الجوائز، كالجائزة الذهبية للملتقى الثقافي العربي، في القاهرة عن قصتها “الجثث تشرب العصير” 2009، والجائزة الأولى في مهرجان السلام في باريس عن قصيدتها “جلجامش”، كما ترجمت أعمالها إلى عدة لغات كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية.