كما هو المتوقع، امتدّ الكيان الارهابي المحدود في الموصل الى الممارسة الحرة في كاليفورنيا . لا استثناء ولا إسكات فجرائم داعش ليس لها مكان. يوم 1 – 12 – 2015 امتدت عدوى مرض داعش الارهابي من العراق الى الولايات المتحدة الامريكية. العدوى صارت كارثة فظيعة بقتل 14 مواطنا من ذوي الاحتياجات الخاصة وجرح آخرين في مؤسسة صحية مختصة بالعناية الانسانية. تحوّلت الكارثة إلى صدمة امنية – سياسية بأعلى درجات الروع في البيت الابيض والشارع الامريكي.
اضطراب امني كبير تواجهه الخطط الاستراتيجية الامريكية وكبار المعتنين بها والمهتمين بتفاصيلها فقد كانت ردود فعل ا(لصدمة الثانية) أكبر بكثير من (الصدمة الاولى) في 11 سبتمبر لسببين رئيسيين:
الأول، أن مصدر الصدمة الارهابية الثانية كان من فعل مواطنين من (داخل) امريكا وليس من (خارجها ) وبسلاح امريكي محلي وبعلاقة ثنائية بسيطة ما احتاجت في التنفيذ إلى طائرات، بل الى سيارة واحدة.
السبب الثاني عنى للاستراتيجيين الامريكان أن كل مواطن امريكي مصاب بداء التشدد والغضب والانتقام يمكن أن يتحوّل إلى ارهابي يهدد امن وحياة المواطنين الامريكان جميعاً.
اخطر ما في الصدمة انها خلقت أزمة ثقة بين (المريض) و(المعالج). إنّها صدمة سياسية – سيكولوجية فقد وثق جميع (مرضى) المؤسسة الصحية بـ(المعالج) الباكستاني الاصل ،المسلم في الدين، المبتسم بوجوههم ، المتزوج من امرأة باكستانية ،متدينة، محجبة، قضت 25 عاما في المملكة العربية السعودية ، تحمل شهادة جامعية باكستانية مزورة. هذه الزوجة توحّدت شخصيتها مع أهداف الشرور المختفية في قلب زوجها . في لحظة من اللحظات تحوّل المعالج مع شريكته إلى ذئبين مفترسين حوّلا مرضاهما إلى ضحايا.. انه تحوّل من نوعٍ معاكسٍ غير متوقع، خارج نطاق كل المميزات العدائية لدى الذئاب الفرويدية، الحيوانية والبشرية.
ارتقت تقارير الاجهزة الامنية – الاستخباراتية – العالمية ، شيئاً فشيئاً، لحظة بعد اخرى، بشأن سلوك رضوان فاروق وزوجته بنفس مستوى الخطط الداعشية في الموصل والرقة. اكتشف الخبراء والمخبرون أن الذئبين كانا يستخدمان الخداع ،والزيف ،والتضليل، والكذب، لإخفاء علاقاتهما بتنظيمات (داعش) عبر الانترنت .ربما يكتشفون مستقبلاً وسائل اتصالات اخرى.
بعد انتقال جرائم داعش من (الموصل) إلى (كاليفورنيا) صار العالم، كله، مصدوماً يريد أن يعرف اسم هذه الحالة الذئبية الجديدة. العالم ،كله ، يريد ان يعرف الظروف الصارمة الواجب توفرها لتوفير العافية الانسانية في مجتمعاتها كي لا تتعرض لمثل هذه الصدمة إذ لا يوجد في العالم ،كله، مدينة واحدة ليس فيها (مريض) و(معالج)، ليس فيها ذئاب بشرية تحمل (غريزة الموت) و تتعامل بفعالية فتاكة مع البشرية، كلما ازدادت الغريزة غلواً وتعصبا ًوسلوكاً تدميرياً ليس متوقعاً.
ربما تندمج الاستراتيجية الامنية الامريكية – الاوربية بفعاليات مشتركة لمكافحة الارهاب الدولي بصيغته الجديدة (صيغة داعش العالمي) الذي يقوم بتحرك ذئبي فردي أو ثنائي أو جماعي. إن (غريزة القتل) على وفق تفسيرات فرويد تنفذ الى داخل تنظيمات (داعش) بوصفها تعاملاً فعالاً من اجل (البقاء) مما يفرض على جميع اعداء الإرهاب، في العالم اجمع، مراجعة وادراك حقيقة منابع خطر الارهاب العالمي القائم في كل مكان.
في بلادنا العراق وفي بلدان العالم العربي ،كله، تكون تجارب الصدمة الذئبية الداعشية أكثر احتمالاً بسبب وجود منظومة عسكرية داعشية تحتل ارضاً واسعة في سوريا والعراق وليبيا ،تمتلك منظومة مالية داعشية واسعة تستغلها لتوفير السلاح الحديث من مهربيه، كما أن وجود منظومة نفطية داعشية في سوريا والعراق وليبيا تستطيع بها تكثيف التساند الثلاثي في (1)حركة كوادر التنظيم و(2)حركة السلاح و(3)حركة المال.
لا ادري، لا احد يدري، لا من السياسيين ولا من العسكريين، مدى فعالية الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي وقوات التنسيق الرباعي في انهاء قدرات تنظيم (داعش) وتمزيق جسدها الممتد بأبعاد ثلاثية بـ(الارض و(المال) و(السلاح) .هذا التنظيم لا يميز بين اشباع حاجته الى الدم وحاجته إلى توسيع صدماته. الوجود الذئبوي لداعش تحوّل ،كليا، الى واقع مستقبلي مماثل لممارساته الوحشية في سبايكر، في قطع رؤوس اسراه وفي المواجهة التدميرية الشاملة مع بيوت المواطنين ومع البنى التحتية، وفي تقسيم النفط العراقي إلى (نفط شيعي) و(نفط كردي) و(نفط داعشي) .
لكبح هذا النوع من العنف الداعشي في بلادنا لا بد من وجود كيان اجتماعي واسع جداً، موحد جداً، وقوة عسكرية قوية جداً ضاربة جداً. لا بد من وجود كيان سياسي موحد يرفض بقوة وبصدق كل شكل من اشكال الطائفية .كما يتطلب وجود قوة عسكرية وطنية موحدة على الأرض العراقية ذات مرجعية تثقيفية قادرة على تنظيف بلادنا ومجتمعاتنا من الثقافة الداعشية التطبيقية القائلة: ( إن الانسان هو ذئب تجاه اخيه الانسان