مصر والسودان .. قنبلة ذاتية الإلتهاب تبحث عن من ينزع فتيلها !

مصر والسودان .. قنبلة ذاتية الإلتهاب تبحث عن من ينزع فتيلها !

كتبت – نشوى يوسف :

في غضون الأيام القليلة الماضية، ظهرت في الأفق بوادر أزمة سياسية بين الخرطوم والقاهرة، بدأت بفرض السودان تأشيرة  دخول إلي أراضيها علي المصريين، وانتهت بخروج السودان بتصريحات تتهم فيها مصر بالتصويت ضدها في مجلس الأمن لإبقاء العقوبات المفروضة عليها علي خلفية “قضية دارفور”، بالإضافة إلي إعلانها رصد تحركات عسكرية مصرية إستفزازية علي الحدود.

وسبق للسودان وأن بدأت بالفعل عقاب مصر اقتصاديًا منذ عام سابق من خلال منع استيراد عدد كبير من المنتجات المصرية واستبدالها بالإستيراد من دول “المغرب وسوريا ولبنان وإسبانيا وجنوب إفريقيا”، كما قل التبادل التجاري بين البلدين لأقل من مليار دولار في العام الماضي، في نفس الوقت الذي أصبحت فيه “تركيا والسعودية” أكبر الشركاء التجاريين في الخرطوم وربما أهم المختلفين مع النظام المصري في الوقت الحالي.

إبراهيم غندور

كما قام الرئيس السوداني “عمر البشير” مؤخرًا بزيارة للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أكد خلالها على أن الأمن القومي الإثيوبي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي السوداني، مشددًا على أن أي تهديد لأمن إثيوبيا هو تهديد مباشر لأمن السودان، ما فهم منه البعض أن المقصود من وراء ذلك مصر.

كما قامت القوات الجوية السودانية والسعودية بإجراء تدريبات مشتركة، بالقرب من الحدود الجنوبية لمصر، قال عنها نائب رئيس أركان القوات الجوية السودانية، اللواء “صلاح الدين عبد الخالق”، إنها تدريبات تهدف إلى رفع القدرات القتالية للقوات الجوية في البلدين، وإعدادها لمواجهة أي عمليات مشتركة مستقبلًا.

تأشيرة دخول السودان لمنع الإرهاب وتطبيق المعاملة بالمثل..

في يوم الجمعة 7 نيسان/ابريل، فرضت السلطات السودانية، تأشيرة دخول على المصريين القادمين إلى أراضيها، في حال كانت أعمارهم متراوحة بين 16 و50 عاماً، لكنها أعفت النساء والأطفال من الحصول عليها.

وقال وزير الخارجية “إبراهيم غندور” بالبرلمان السوداني الإثنين 10 نيسان/ابريل، إن “فرض تأشيرة على المصريين لمنع دخول الإرهاب بين البلدين، وهذه الخطوة جاءت بعد تشاور مع مصر لتنظيم دخول وخروج المواطنيين وتطبيقه بين الطرفين”.

وشدد الوزير على أن القرار لا ينسف اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين البلدين، لأنها جزء من النقاش المشترك في كافة الإجتماعات.

ورغم تأكيد وزارة الخارجية السودانية في بيان سابق لها إفادتها للسلطات المصرية المختصة باتخاذ القرار، وإعلان وزير الخارجية السوداني “إبراهيم غندور” أن القرار اتُخذ بالتشاور بين البلدين، أكدت وسائل إعلام مصرية أن القرار كان مفاجئاً.

واعتبر المتحدث باسم الخارجية السودانية “قريب الله الخضر” أن هذا الإجراء “معاملة بالمثل”، وأن القرار كان يطبق فعلياً على السودانيين عند دخول مصر منذ فترة، في حين لم يكن المصريون بحاجة إلى تأشيرة لدخول السودان منذ 2004، وإلى حين اتخاذ هذا القرار.

وهو ما أكده المستشار الإعلامي السابق للسفارة السودانية بالقاهرة “محمد جبارة”، عبر اتصال هاتفي للخرطوم مع (كتابات)، قائلاً إن “هذا الإجراء يعد إجراءاً عادياً ومن حق السودان أن يتعامل مع كل جيرانه من الدول الصديقة والشقيقة بالمثل، في إطار التعاون والتنسيق المشترك، وأن السلطات المصرية سبقت وأن فرضت تلك التأشيرات، وقامت مؤخراً بفرض غرامات علي المقيمين بطريقة غير شرعية، وهذا يعتبر مخالفاً لأنه ضمن الحريات الأربع”. متسائلاً: “كيف تفرض غرامات ؟”. موضحاً أن توقيت الإجراء جاء فقط من منطلق تطبيق السودان للقانون، وعدم إلتزام الجانب المصري بالإتفاق .

وهو ما جعل  نواب مصريون يبدون استنكارهم للقرار، حيث اتهم عضو اللجنة الإفريقية “محمود يحيى” الحكومة السودانية بالانصياع لرغبات خارجية دفعتها لاتخاذ القرار، وطالبها بالعدول عنه.

كما وصفت العضو في ذات اللجنة “منى منير” القرار بأنه غريب، وقالت إنه: “لا يراعي العلاقات التاريخية بين البلدين”. مطالبة كذلك بالتراجع عنه.

وكان السودان ومصر في 2004، قد وقعتا على اتفاق للحريات الأربع يخول مواطني البلدين الحق في التملك والتنقل والحركة والإقامة.

وطبقت الخرطوم الاتفاقية بشكل كامل، حيث سمحت للمصريين بعد ذلك الدخول إلي أراضيها دون تأشيرة، بينما فرضت مصر التأشيرة على الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة.

ويأتي فرض السودان تأشيرة على المصريين، بعد قرار مصري برفع رسوم الإقامات للأجانب، ومن بينهم السودانيون، وهي خطوة أثارت حفيظة الخرطوم.

السودان يطالب مصر بتفسير موقفها لأبقاء العقوبات..

موقف أخر وليس أخير بين السودان ومصر، في يوم الجمعة 14 نيسان/ابريل، طالب السودان مصر رسمياً بتفسير موقف نائب مندوبها في مجلس الأمن الداعي لإبقاء العقوبات المفروضة على السودان بموجب القرار 1591، ونعت وزير الخارجية “إبراهيم غندور” الموقف المصري بالإبقاء على العقوبات المفروضة على السودان، في العام 2005 بموجب القرار (1591)، بانه: “موقف شاذ وغريب عن كل المواقف المصرية السابقة طوال السنوات الماضية حيث كان الموقف المصري الأكثر دعماً للسودان في مجلس الأمن”. مضيفاً: “بالنسبة لنا هذا موقف غريب ونتمنى أن لا يكون انعكاساً لبعض الخلافات الطفيفة بين البلدين لأنه في حينها سيكون موقفاً شاذاً عن الموقف الإفريقي والعربي والمصري الثابت والداعم للسودان”.

مصر: لجنة العقوبات لم تناقش المسألة من قريب أو بعيد..

الأمر الذي جعل  مصر ترد سياسيًّا عبر وزارة الخارجية المصرية على اتهامات السودان، مؤكدة على أن: “مصر تتخذ مواقفها بشأن السودان في مجلس الأمن بالشكل الذي يحافظ على مصالح الشعب السوداني”. وقالت الخارجية المصرية في بيان، الخميس 13 نيسان/ابريل، أن “لجنة العقوبات الخاصة بالأوضاع في دارفور لم تناقش من قريب أو بعيد في اجتماعاتها الأخيرة مسألة تمديد العقوبات على السودان، حيث إن مجلس الأمن قد أصدر بالفعل القرار ٢٣٤٠ في ٨ شباط/فبراير الماضي، بتمديد تلك العقوبات لمدة عام قادم، وإن مصر كانت من أكثر الدول التي قامت بدور فعال في اعتماد قرار متوازن يحافظ على المصالح العليا للشعب السوداني”.

السودان يشتكى من استفزازات مصرية..

كما وقد اشتكى وزير الدفاع السوداني الفريق أول “عوض عوف”، الأربعاء 12 نيسان/ابريل، خلال جلسة مغلقة بالبرلمان السوداني بشأن الأوضاع الأمنية بالبلاد من تعرض الجيش السوداني إلى “استفزازات ومضايقات” في منطقة “حلايب” المتنازع عليها مع مصر، قائلاً أن “الجيش المصري يمارس المضايقات والاستفزازت للقوات السودانية بمنطقة حلايب، ونحن نمارس ضبط النفس في انتظار حل المشكلة سياسياً بين الرئيسين البشير والسيسي”.

الخميس المقبل.. شكري يزور السودان لحل الخلافات..

يأتي ذلك في الوقت الذي يعتزم وزير الخارجية المصري، “سامح شكري”، زيارة السودان الخميس المقبل 20 نيسان/ابريل  لبحث عدد من القضايا المشتركة، وإزالة سوء الفهم الحاصل بين الطرفين منذ شهور، حسبما أكد خلال اجتماع لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري، الأربعاء 12 نيسان/ابريل، مشدداً علي أن السودان هو الامتداد الطبيعي للأمن المصري، لافتاً إلى أن العلاقات بين الدولتين ممتدة عبر التاريخ، وأن بينهما مصلحة مشتركة، موضحاً أن أبرز الملفات التي سيتم مناقشتها خلال الاجتماع هى: “النزاع على مثلث حلايب وشلاتين، و التنسيق في ملف مياه النيل والموقف من سدّ النهضة الإثيوبي، واستقبال السودان قيادات جماعة “الإخوان المسلمين” الإرهابية الذين فروا من مصر عقب ثورة 30 يوليو، وفتح الحدود وتطبيق اتفاقية “الحريات الأربعة” الموقعة بين الجانبين، وهي منح السودانيّين حريّة التنقّل والحركة والتملّك والدخول إلى مصر من دون تأشيرة كما فعلت السودان، وضبط المعابر وفتح الطرقات البريّة بين البلدَين”.

يذكر أن السودان ومصر يتنازعان السيادة على “مثلث حلايب”، الذي يوجد تحت السيطرة المصرية منذ عام 1995، وهو يضم “حلايب وأبو رماد وشلاتين”، ويقع في أقصى المنطقة الشمالية الشرقية للسودان على ساحل البحر الأحمر، وتقطنه قبائل “البجا” السودانية المعروفة.

وجددت وزارة الخارجية السودانية في تشرين أول/أكتوبر الماضي شكواها إلى مجلس الأمن بشأن تبعية مثلث حلايب للسودان، ودعمتها بشكوى إضافية حول الخطوات التي تقوم بها القاهرة بشأن ما وصفته بتمصير منطقة حلايب.

السودان تتبع سياسة الهروب للأمام وتجعل نفسها أداة خليجية..

أستاذ العلوم السياسية بمركز الدراسات الإفريقية “د. أيمن شبانة”، قال لـ(كتابات)، أنه عندما زار الرئيس السوداني “عمر البشير” مصر في تشرين أول/أكتوبر الماضي، قام الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” بمنحه وسام “نجمة سيناء”، وكانت العلاقات في افضل حالاتها وعاد الحوار أدراجه بين البلدين، ومتابعة المشاريع المشتركة بين مصر والسودان وعلي رأسها “طريق قسطل وأشكيت وأرقين”، إلا أن ما يحدث الآن عبارة عن مسألة تصعيد سياسية مخططة والسودانيون يتلقفون أي أخبار مصرية ويفسرونها خطأ حتي لو كانت على وسائل التواصل الإجتماعي، لافتاً إلي أنه يجب علي الجانب السوداني التفريق بين ما يقال أو يكتب علي وسائل التواصل الإجتماعي وبين ما يصدر من جانب الحكومة المصرية والمسؤولين الرسميين في مصر.

موضحاً أن ما يحدث الآن يرجع سببه إلي خروج السودان من “الحلف الإيراني”، والذي كان في اعتقاده أنه سيدعمه ويخرجه من العزلة الإقتصادية، ووجد عكس ذلك وازداد عزلة، فقام بإغلاق المراكز الإيرانية بالسودان، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران في كانون ثان/يناير 2016.

مضيفاً أنه عندما وجدت السودان نفسها مستفيدة مادياً بعد مناوراتها المشتركة مع السعودية، وأنها ستكون طريقها للخروج من العزلة، قررت الانتماء للدول الخليجية الراغبة في الضغط علي مصر وعلي رأسها قطر، بالإضافة إلي  أنها ستظهر مدافعة عن التراب الوطني خاصة وأن هناك قطاع كبير من الرأي العام السوداني يهاجم مصر بشدة ، وبهذا ستجد سبيلاً لمواجهة المعارضة الداخلية لنظام الحكم، لذلك قامت بالتصعيد ضد مصر.

شبانة يصف تلك المناوآت السودانية لمصر بأنها “سياسة الهروب للأمام”، وأن النظام السوانى سيأتي بعد فترة متصالحاً مع مصر وكأن شيئاً لم يحدث، معتبراً ما يفعله استغلال واضح جاعلاً من نفسه أداة في أيدي الخليجيين .

وحول انضمام السودان لـ”مجلس التعاون الخليجي” أوضح شبانة، انها لن تكون عضواً يمارس كل الحقوق بالتصويت وغيره، وأنها في الغالب ستكون عضو مراقب من الخارج.

سامح شكري

التقارب الخليجي سبب التوجيهات السياسية العدائية..

“د.هانئ رسلان” رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات، يقول لـ(كتابات)، إن حملة التصعيد علي مصر بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة، وتم التوظيف السياسي لها منذ أن بدأت السودان تمنع استيراد المنتجات المصرية خاصة الخضر والفواكه والتي قالت عنها أنها غير صالحة للإستخدام وقامت بإرسالها لمعامل التحاليل ولم تخرج النتيجة حتي الآن، علي الرغم من أن دول أخري قامت بتحليل تلك المنتجات وأعلنت أنها سليمة، وأطلقوا حينها مجموعة من الحملات تحت مسمي “حملة لا تسافروا إلي مصر” و”حملة قاطعوا المنتجات المصرية”، وقام البشير نفسه بالمشاركة في تلك الحملة وأطلق مجموعة من التصريحات وشكل لجنة للشكوي ضد مصر بخصوص ملف حلايب وشلاتين، مضيفا أن ما يحدث عبارة عن توجيهات سياسية عدائية نتيجة لما يتلقاه السودان من دعم الخليج وهذا ظهر جلياً في الفترة الأخيرة من تدريبات سودانية سعودية مشتركة وزيارة “الشيخة موزة”، مشيراً إلي أن نظام السودان نظام انتهازي متقلب مثلما فعل مع إيران.

تغيير الخطاب الإعلامي المصري هو الحل..

الصحفي السوداني “سليمان سري” موضحاً، لـ(كتابات)، عمق العلاقات المصرية السودانية واصفاً إياها بالتاريخية الجغرافية لوجود عوامل مشتركة عرقياً ودينياً وقبلياً. محملاً الإعلام المصري نتيجة ما حدث بين الشعبين لما يرسله من رسائل استفزازية تغضب الشعب السوداني. مضيفاً أن الشعب المصري لا يعرف شيئاً عن السودان وشعبه مع أن الشعب السوداني يعرف كل شئ عن مصر وشعبها. لافتاً إلي أن الحل يكمن في تغيير الخطاب الإعلامي المصري تجاه السودان وبث رسائل توعوية ومعرفية للشعب المصري حتي يهدأ الجميع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة