رغم المكانة الكبيرة في الشعر الصوفي للشاعرين جلال الدين الرومي والشاعر محمد إقبال ، فلا شك أن هناك شعراء آخرون لم تسلط الأضواء على مكانتهم الشعرية ضمن تاريخ الشعر الصوفي ودورهم الريادي في الإبتكار والخلق والتجديد على مستويات عدة وأهمها السعي شعريا لحل مشاكل الإنسان المادية والروحية والوصول به الى عالم الكمال ،وبين من يجدر الحديث عن تجربته الصوفيه بعد الشاعرين الرومي وإقبال ، الشاعر سنائي الغزنوي عبر مثنوياته الموسومة بــ مثنويات حكيم سنائي والتي نقلها الى العربية يوسف عبد الفتاح ، إذ يقوم هذا المنتج عبر تواصله من ( المثنوي الأول الى المثنوي السابع )على معطيات( العقل – العشق – قصر سنائي – تحريم القلم- طريق التحقيق – كتاب بلخ – سير العباد الى المعاد )وكل من هذه المعطيات الرئيسة تقوم على
عناوين فرعية ينبثق عنها النص تحت إرادة المعطى الرئيس ،
ففي المثنوي الأول (عقل نامه أي كتاب العقل )يقدم نصوصه التي تحت عنوان (في حكم مراتب الإنسان ) يقدمها بأسلوب المخاطب وبلغة الحكمة الوصفية حيث أراد الشاعر سنائي منها إظهار قدرة الإنسان الذي يحوز على الكمال بقدرات شبيه بالقدرات الإلهية :
عندما تزين وجه الرياض،
تخلق مراعي الربيع
أنت الذي تبسط بساط الخضرة
وتزيل صدأ الصحراء ،
أنتَ تُلبس الجبلَ الحًلي
وتشقق صدرَ الأرض لتنبت ،
ومن خلال 242 حكمة شعرية ضمن منحى صوفي في المثنوي الأول ، يمكننا حصر المفردات التي تدل على المكان وكذا المفردات ذات العلاقة الزمانية والمفردات ذات العلاقة الروحية ( الخلق ومجرياته ) إضافة الى ذلك المزيج من الألوان والروائح والفصول والملهمات الجمالية لتكوين طقسه الصوفي المختار ووضع ملامح
أوليه لعمله الملحمي ، ولعل هذا التقديس وهذه الألوهية التي يمنحها شعرا للإنسان حين يبلغ كماله هي قريبة من تلك التي يصف بها الإله بدون الإشارة لمسماه :
فإننا نحبك لأنك راعينا ،
أنت رائحة معشوق العاشق،
لايصل أحد الى حقيقتك ،
ولن يستطع أحد مقاومتك ،
لايراك أحد بعينيه لكنك ترى العيون ، )
ثم تتجد مفرداته لتكون أكثر لصقا بالصوفية وجلها من المفردات التي تدخل ضمن الحيرة وطلب الشفاعة والمؤانسة بحب الخالق (العاجز – الحائر – المُحاصر- الضال- الصراط- الجحيم – الروح- الأسرار – ألإستجارة – الجنة – الحجاب- النور – الزهرة- الشمس- التيجان – الذهب – الجهلاء- الفضلاء – الألباب … ) ،لاشك أن هذا الإستخدام التدريجي في إختيار المفردة الطليقة ثم إختيار المفردة ذات الدلالة الصوفية المباشرة يعكس غرض الشاعر سنائي في نقل المتلقي نقلا مرتبا من حالةٍ لحالة سعيا لإيصاله الى شرك طقسه الصوفي وجعله قرينا له في الإيمان
والكتابة أي تسامي المتلقي في وحدة المضمون وإغراء الكتابة في قصد الشاعر للعمل على رفع مكانة الإنسان وتعظيم مجد الخالق ،
ينتقل سنائي الى أبجديات العشق في (عشق نامه- كتاب العشق ) ويرتب وحداته الشعرية ضمن إيقاعات متقاربة ضمن وحدات إشتغاله الفرعية( في وحدة العشق – في مشاهدة الجمال – في بذر العشق وثمرته – في غنج العشق ودلاله – في لوازم العشق .. ) وكل هذه الفرعيات تتوالد عنها مخرجات صوفية على شكل حكم أو مواعظ أو رؤى تستمد موجوداتها من فيض الذات ومن ماهية الكينونة والتسامي بالمعشوق حد الذوبان فيه والتحليق في فضاء جماله الإلاهي ، وهو يعني إن الوصول الى العشق الصوفي يعني الوصول الى الصمد وفيض الدواء الذي يشفي الداء ،فالتطهير لدى العاشق يتواصل مع الوجود الأزلي ضمن رحاب الرحمة المقدسة والإفتنان بالحرية النورانية :
ذاته غير محدودة الجهات
فهيَ أعلى منها ،
وهذه العوارض
من فيض الذات .
ولو أن لديك عين البصيرة
لرأيت وجه الصانع فيما صنعه .
إذ لم يوجد للمعشوق جاذبية ،
فلن يوجد طالب للعشق
ولأن الشعر الواجهة التي إصطلى بها العاشق لمعشوقه الرباني ،فالشاعر سنائي الغزنوي يرى أن الشعر ليس بالنظم المختصر وهو سحر مطلق ومباح وحلال وهو تطهير للقلب وراية العاشق أمام ذاته فهو روضة من الورد والنسرين وسماء مليئة بالأقمار والنجوم ،والملائكة تستحسن هذا الكلام والنجوم تخرُ للحنه المتوحد بذات الله ،
مثنويات حكيم سنائي/ شعر سنائي الغزنوي / ترجمة / يوسف عبد الفتاح .