إن الزوبعة الإعلامية التي رافقت الغزو الروسي على سورية، لم تكن إلا أحد فصول لعبة الأمم التي تجري أحداثها عاى الأرض السورية لخدمة السيناريو المُعَد سلفاً لتشريح المنطقة جيوبولوتيكياً وإقرار الصيغة النهائية لها.
المواقف الأميركية الإعلامية، مع التأكيد على كلمة الإعلامية، تجاه الغزو الروسي لم تكن إلا بمثابة ذر الرماد في العيون، أين ردة الفعل الأميركية على غزو روسيا لجارتها أُوكرانيا حيث قامت بشن حملة دبلوماسية على المستوى الإممي حتى نجحت بفرض العقوبات الإقتصادية على روسيا وحشد الرأي العام الدولي ضدها، من الحالة السورية؟ فلم يكن هناك أي رد فعل جدي أميركي أو حتى أوربي.
إن مسألة تقسيم سوريا باتت قاب قوسين أو أدنى، لو نظرنا إلى جغرافية سقوط القنابل الروسية ووجهة صواريخها كيف ترسم حدود دولة «الساحل» المرتقبة كون الضربات الروسية تسقط بعيدة عن مواقع تواجد «داعش» لأن التنظيم ليس على تماس مباشر مع حدود الدولة «المفيدة» وما تقوم به روسيا هو تأمين حدود هذه الدولة بقصفها الفصائل المسلحة التابعة للجيش الحر المتواجدة في مناطق التماس.
إن القراءة السياسية للمواقف والسلوكيات التي تتخذها الولايات المتحدة الأميركية يتضح [انها تؤيد قيام «الدولة العلوية» ولكن بعيداً عن دعم إيران ووصايتها، لذلك فضلت الاستعانة بالدب الروسي وجلبه للكرم السوري وتحت غطاء حماية المصالح الروسية، وبهذا تكون الولايات المتحدة الأميركية قد تهربت من الإحراج أمام أصدقائها السعوديين والخليجيين والأتراك بأنها تدعم قيام دولة علوية بحجة أن الغزو الروسي كان مفاجئاً وغير متوقعٍ، وأنه تم خلق أمرٍ واقعٍ يجب التعامل معه، ومن ناحية أخرى يتم تطمين إسرائيل بأن الدولة المنشودة «العلوية» لن تكون خطراً عليها وخاصة أن حدودها المرتقبة تشمل مناطق دمشق وصولا إلى الجولان وهذا ما أكدته روسيا لإسرائيل خلال لقاء نتنياهو مع الرئيس الروسي وليس صدفة ،في السياسة الجدية
لاتوجد صدف، أن يطلب نتنياهو من أوباما، كما تسرب، بأن أي حل في سورية يجب أن يكون بمشاركة النظام السوري فيه، ولو لم تتأكد إسرائيل من أن هذه الدولة ستكون تحت النفوذ الروسي لما قبلت بالتنسيق العسكري مع روسيا بصدد إستخدام الأجواء السورية، ويبدو أن إسرائيل قد حصلت على ضمانات روسية بأن الدويلة المنشودة لن تقدم أي مساعدات عسكرية إلى حزب ألله.
وعندما يتم فرض الأمر الواقع المقصود من قبل الطيران الروسي ومدفعيته، ستقبل تركيا أيضاً بأن تكون على حدودها البرية والبحرية دولة تحت النفوذ الروسي من أن تكون تحت الوصاية الإيرانية وكذلك السعودية التي ستقبل في نهاية الأمر في سبيل إبعاد المؤثرات الإيرانية الخاصة في أحداث الفيلم السوري المنتظر.
إن المكاسب الأميركية عديدة من هذا السيناريو، أهمها تحجيم الدور الإيراني في سوريا من خلال خلق حالة خصومة سياسية بين روسيا وإيران نتيجة الصراع على امتلاك الورقة السورية وقرارها وقد ظهرات بوادر هذه الخصومة أو بالأحرى عدم التوافق في بعض المواقف والمخارج للأزمة السورية، وتأمين الحدود الإسرائيلية التي هي بحد ذاتها إستراتيجية أميركية، كما سيتم تنفيذ مشروع التقسيم دون تقديم َضحايا أميركيين.
من الواضح أن السيناريو الأميركي قابل للتنفيذ وخاصة أن بوادر تغيير الخرائط أصبح مؤكداً والتحضيرات تتم على قدم وساق لإجراء عملية التجميل الجيوبوليتيكة للمنطقة، وما صرح به مدير المخابرات الفرنسية مؤخراً وزميله الأميركي، بأن الخريطة السياسية لم تعود كالسابق وخاصة سوريا والعراق وهم العالمون بكل شيء بالعكس منا نحن.