قبل فترة اصدرت هيئة تحرير صحيفة ( طريق الشعب )، الصحيفة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، بيانا اعلنت فيه تقليص عدد صفحات الصحيفة الى ثمان صفحات بدلا من اثني عشر صفحة، بقدر ما يثير هذا البيان من الم وأسى لكون صحيفة اقدم حزب سياسي في العراق تتراجع وتنحدر في طريقة إدائها ليصل الحال الى تقليص عدد الصفحات، في وقت نرى فيه صحف لأحزاب او منظمات لا يتجاوز عمرها ربع عمر الحزب الشيوعي العراقي ولكنها تصدر وتؤدي بشكل افضل وعدد صفحات اكثر وتستقطب خيرة الكتاب والمحررين والمحللين السياسيين وحتى المصححين اللغويين وتباع بأرخص سعر. حاولت هيئة التحرير في بيانها هذا تبرير هذا التقليص بمبررات واسباب عدة، ولكنها لم تجرأ لاصابة كبد الحقيقة في تبريراتها تلك وضلت تلف وتدور حولها دون المساس بها، رغم انها تعرف الحقيقة جيدا. السبب الاساسي الذي طرحته الهيئة في بيانها هو الوضع المالي للصحيفة وتصاعد كلفة الاصدار مع انخفاض عدد القراء وكذلك قلة او انعدام الاعلانات في الصحيفة. أما الاسباب الحقيقية التي نراها فهي :
مصادر الدعم والتمويل
تدهور الوضع المادي للصحيفة يتبع تدهور مالية الحزب والتي تعتمد اساسا على مصدر التمويل الاساسي من الاحزاب الكردية، سواء كان هذا الدعم بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق استقطاع جزء من رواتب الانصار الذين تم دمجهم بالمؤسسة العسكرية كضباط او مراتب واحالتهم على التقاعد كقوات مقاومة للنظام السابق ( بيشمركة ) وتصرف رواتبهم من حكومة الاقليم كونهم كانوا يقاتلون في الجبل، ومعلوم ان نسبة كبيرة منهم لم يكن كذلك، ولكن تم اعتبارهم من الانصار لغرض الكسب الحزبي او المصالح والعلاقات الشخصية الضيقة ولإكمال العدد الذي كان من حصة الحزب، وكذلك حجب اسماء الكثير من الانصار الحقيقيين بسبب اختلافهم او ابتعادهم عن الحزب لسبب او اخر وغالبيتهم من الانصار والرفاق الاشد باسا في الالتزام الحزبي والقتالي كأنصار ومنهم من رفض هذا الراتب التقاعدي لعدم القناعة ببيع التاريخ والموقف النضالي والحزبي براتب تقاعدي. وبالتالي فان حسم اي نسبة من هذا الراتب التقاعدي كدعم للحزب وخصوصا من الانصار ( الفضائيين ) لا يواجه اي رفض او ممانعة من هؤلاء. وبسب التردي المعلن للوضع الاقتصادي في الاقليم، توقف او تذبذب هذا الدعم ( الرواتب ) وادى الى تدهور مالية الحزب .
الاعلانات
ما يخص الاعلانات فان بيان هيئة التحرير خاض في هذا الموضوع بشكل والواقع بشكل اخر، الصحيفة كانت تعتمد في اعلاناتها على احدى شركات الاتصالات، وباسعار جيدة جدا، ليصل الحال في بعض الاعداد ان تحتل اعلانات تلك الشركة نصف الصفحة الاولى، ولسنا بحاجة للتذكير بانها صحيفة تمثل حزب سياسي وليست صحيفة اعلانات، وتلك الاعلانات من حيث تكرارها وحجمها واسعارها ليست بالبعيدة عن موقف تعاطف من احد اصحاب القرار في شركة الاتصالات، والذي كان يوما ما شيوعيا في احد اجنحة الحركة الشيوعية في العراق وبين ليلة وضحاها اصبح الرجل شبه مليادير وله الصوت الاعلى في شركة الاتصالات المذكورة, وفاءا لالتزامه الحزبي السابق فتح الباب على مصراعيه للدعم والتبرع للصحيفة بصيغة الاعلانات، ولهذا السبب اهملت ادارة الصحيفة مصادر الاعلان الاخرى، ولا يوجد لها معتمدين او مروجين في هذا المجال واكتفت بالاعلانات الثمينة لشركة الاتصالات، مع بعض الاعلانات البسيطة والصغيرة ( اعلانات تغيير اسم أو مفقودات ومحاكم … وغيرها ) . وبعد انحسار اعلانات شركة الاتصالات تلك لسبب او آخر، وهي اسباب ليست بالبعيدة عن اوضاع اقليم كردستان المالية والخلافات بين احزب السلطة، وجدت ادارة الصحيفة انها بلا دعم او اعلانات يعتمد عليها دفعتها الى الاقتراب من اعلان الافلاس .
التفريط بخيرة الكوادر
من الاسباب الاخرى التي أوصلت الصحيفة الى تلك الحال، التفريط بخيرة الكوادر من كتاب ومحللين سياسيين وفنيين وفي كافة المجالات ولأسباب شخصية او مزاجية أو بسبب الاختلاف الفكري حول قضية ما، وهذا التفريط هو امتداد لنهج قيادة الحزب في التفريط والمحاربة بكل السبل لصاحب اي رأي مخالف للقيادة، وتقريب وتقديم اشباه المحللين والكتاب من معطوبي السيرة والمسقطين حزبيا وسياسيا في محطات سابقة من حياة الحزب، ولعل اشهرهم الكادر الحزبي السابق الذي سلم منظمات البصرة والمنطقة الجنوبية مع اول ( سطرة ) من قبل الحرس القومي بعد انقلاب 8 شباط الاسود 1963 حفاظا على حياته ولينتقل بعدها الى جناح القيادة المركزية ومن ثم يساهم في اصدار سلسلة كتب ( اضواء على تاريخ الحركة الشيوعية في العراق ) في بداية الثمانينات، والآخر ساهم في التحقيق وتعذيب احد رفاقه الى حد الموت واخفاء قبره لحد اليوم ( الشهيد الخالد منتصر ) في جبال كردستان وبتوصية واشراف قياديين بعينهم في الحزب، وآخر قيادي سابق في الحزب عرف بجنونه وانتهازيته وغيرهم آخرين وبعلم الجميع في الجريدة او قيادة الحزب، وهذا الموقف الصبياني لم يكن وليد اليوم وانما امتداد لنهج مافيا المنافي وتجار العمل السري بعد هجرة الحزب في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وتوج وعمد هذا النهج في ما يسمى بالمؤتمر الرابع للحزب ( سيء الصيت ) 1985، وايجاد البدائل البائسة وعلى طريقة ( العشرة المبشرين ). الجريدة تفرط بهكذا كوادر في وقت صحف اخرى تستقبلهم بكل ترحاب وباجور مضاعفة، وخصوصا الصحف التي اصحابها كانوا يوما ما محسوبين على الحزب الشيوعي، وخصصت لهم اعمدة ثابتة او مساحات كتابة شبه مفتوحة
عمود النقد الساخر
من مميزات الصحف العلنية او شبه العلنية للحزب هو العمود الناقد بسخرية لاذعة، فبعد ثورة 14 تموز المجيدة 1958 عهدت تلك المهمة للشهيد ابو سعيد ( عبد الجبار وهبي )، وفي مرحلة العمل الجبهوي ( 1973 ـ 1978 ) اضطلع بتلك المهمة الفقيد ابو كاطع ( شمران الياسري ) بعموده الشهير ( بصراحة ابو كاطع )، لقد ساهمت هذه الكتابات في رفع شعبية الصحيفة وزيادة توزيعها حتى قيل ان عدد كبير من قراء ومقتني الصحيفة وخصوصا من غير الحزبيين، وحتى الخصوم ومسؤولي الاجهزة الامنية، يبدأ بقراءة الصحيفة من عمودها الساخر. اما الصحيفة بوضعها الحالي فانها لم تولي هذا الموضوع الاهتمام الكافي والمطلوب، ولم يتم اعداد وتفريغ كادر لهذا النوع من الكتابات المرغوبة، وحصلت محاولات بائسة يائسة لكتابة عمود ناقد ساخر من البعض، فحاول شاعر شعبي معروف كتابة عمود بعنوان ( طك بطك )، وكذلك كتب احد الممنوعين من النشر في الصحيفة في عهد ادارتها السابقة، وسمح له بالكتابة بعد ان هاجم الصحيفة وادارتها بشدة، ومع تغيير الكادر الاداري، فعمل على كتابة عمود ساخر بعنوان ( حكايات … )، وكلا المحاولتين فشلت في ترك اثر يذكر في مسيرة الجريدة ومتابعيها، لكونها جاءت على شكل تقليد اعمى وجامد لكتابات الفقيد ابو كاطع، ودون انتظام وتناولت مواضيع هامشية او شخصية بعيدة عن هموم الناس والشارع السياسي العراقي. المجد للخالدين ابو سعيد وابو كاطع، وقد دفعوا الثمن غاليا على كتاباتهم تلك .
المقال الافتتاحي والمواقف السياسية
من الملامح المميزة والمعروفة للصحف السياسية هو المقال الافتتاحي للصحيفة وفي صفحتها الأولى والذي يتناول احداث الساعة السياسية وموقف الحزب منها، ويكتب من قبل رئيس التحرير او قادة الحزب المتمرسين في الكتابة السياسية، وتحت اشراف قيادة الحزب، وكذلك التحليلات السياسية الرصينة والمسؤولة، ولكن في الطريق غالبا ما يفتقد المقال الافتتاحي رغم سخونة الاحداث في العراق وكثرتها، والسبب هو محاولة عدم طرح موقف سياسي صريح من تلك القضايا او انتظار مواقف الاخرين وخصوصا رفاق الجبل، حتى لا يتعارض موقف الحزب مع موقفهم وكثيرا ما يكون المقال الافتتاحي وسطي يتناغم مع غالبية القوى والاوساط السياسية وعلى طريقة ( نؤيد مع بعض التحفظات ) في محاولة لمسك العصا من المنتصف .
سياسة النشر والتوزيع
هنالك معضلة في طريقة توزيع الصحيفة حيث تتبع الادارة طريقة التوزيع بدون استرجاع، اي انه صاحب المكتبة وكشك الجرائد والبائع المتجول لا يحق له استرجاع النسخ غير المباعة الى مصدرها وبالتالي فهو يتحمل اثمانها كخسارة تدفع من وارده لذلك اليوم، يعمل هؤلاء الباعة على استلام عدد محدود من النسخ وبعدد زبائنهم المضمونين ممن يتداولون الصحيفة. فليس من الغريب ان تجد بعضا منهم لا يعرض نسخا منها او تنفذ لديه بسرعة، وحجته في ذلك انها بدون مسترجع ولذلك لا نتعامل بها او نسحب نسخ بعدد الزبائن الدائمين والمضمونين أو حسب التوصية. وكل ذلك ساهم في تحجيم عدد النسخ المباعة يقابله ازدياد في عدد النسخ غير الموزعة لتكدس في المخزن او توزع مجانا وخصوصا في يوم الجمعة في شارع المتنبي، رغم التخفيض المستمر للعدد لكلي للنسخ المطبوعة بين حين وآخر. يذكر ان الصحيفة تطبع في دار الرواد المزدهرة، وهي دار تعود للحزب الشيوعي العراقي، ذات امكانات لا بأس بها من حيث المطبعة والمعدات والكادر الفني العامل بها، بإمكانها تغطية تكاليف اصدار صحيفة الطريق وحتى تمويل مالية الحزب، لو تم استثمارها وادارتها بشكل جيد وعملي، فعلى سبيل المثال الدار لا يوجد لها منفذ بيع وتوزيع أو وكيل معتمد في شارع المتنبي في بغداد، والشارع هو المركز الرئيس في العراق لانتاج وتسويق وتوزيع الكتاب، ويعتمد التسويق فيها على نسخ معدودة هنا وهناك وفي المكتبة الصغيرة في باب مقر الاندلس، والكثير من نتاجات ومذكرات كوادر ورفاق واصدقاء الحزب وكتب أطاريح الدراسات العليا التي تخص اليسار تطبع خارج الدار بسبب الضوابط الطاردة للزبائن .
الشهداء والمغيبين
عند صدور الصحيفة في بغداد بعد الاحتلال البغيض في نيسان 2013، كانت الصحيفة تخصص صفحة او اعمدة لشهداء الحزب والمغيبين والمفقودين، وتنشر صورهم ونبذ عن سيرتهم او كتاباتهم واشعارهم ووثائق اعتقالهم وتصفيتهم، وساهم ذلك في سعة شعبية الصحيفة وانتشارها من خلال متابعة اخبار الشهداء من قبل ذويهم واصدقائهم ومحبيهم، وبعدها بدأت تلك الحالة بالتقلص رغم وجود المئات من الجنود المجهولين في تاريخ الحزب من الشهداء والمفقودين والمغيبين ولم يحسم وضعهم القانوني او اماكن دفنهم وغيرها من الامور، ومع هذا اهمل هذا الملف الساخن من قبل الحزب ونادرا ما تنشر الصحيفة موضوع عن احدهم الا بين الحين والاخر .
ختاما لا بأس من الاستشهاد بأحد الاصدقاء وهو من رفاق وانصار الحزب فرات جارك ( ابو نهار ) في تغريدة له عن حال الصحيفة وطريقة النشر وهو موضوع ممتع ولا يخلوا من النقد الساخر والهادف :
اللاتخصص المدمر !!!!!
أرتأينا أن نخاطب بطريقة الفيس كون القضايا الأخرى لاتصل بطرقة سلسلة المراجع المتعارف عليها تنظيميا واداريا !!! فلا تزال المحسوبية والبيروقراطية تنخر الأبداع والمبدعين حين يرسلون تحقيقاتهم الصحفية وكتاباتهم التي تصب في معالجة عمق الواقع المتردي لدى الكثير من فئات الشعب بسبب الاهمال من بعض الاداريين والمشرفين عن التحرير في الصحيفة المركزية !!!
أن من اولويات النجاح هو تعدد الكتاب والمبدعين الذين يعاصرون الواقع اليومي للحياة ومن خلال ذلك كان لابد لهم من ترجمة لهذا الواقع نقله بأمانة الى دور النشر وخاصة تلك الصحف التي تعنى بالفقر والفقراء وعلى ضوءه يتم الدراسة الموضوعية لمعالجة هذه القضايا بفضحها المتكرر بالشكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟؟ ولكن بعض الأخوة في إدارة هذه الصحف يهمل الابداعات والتحقيقات ومن خلال هذه الممارسات يصاب المبدعين بالخيبة والفشل وعدم استمرارهم بالأبداع من خلال هذا الاحباط لعدم نقل الحقائق اليومية .. في حادث ذي صلة فترة السبعينيات أرسل أحد المبدعين مقال الى الصحيفة المركزية وكقد كتب بشكل مبدع جدا. وقد جاءه الرد من هيئة التحرير للصحيفة عن طريق المكاتب التنظيمية بأن على الأخ المبدع يرجى منك تحسين كتاباتك مستقبلا ليتسنى لنا نشره في الصحيفة المركزية ونتمنى لك النجاح في المرة القادمة … فكتب مقال عن موضوع أخر وأرسله بنفس الطريقة الاولى وجاءه الرد بعد فترة كذلك بنفس الأسلوب لكي يحسن كتاباته … بعد فترة أرسل مقال الى الصحيفة كذلك جاء الرد بنفس الأسلوب في تحسين كتاباته !!!! فأرسل لهم رسالة وقال المقال الأول في الشهر الفلاني والمقال الثاني في الشهر الفلاني كانت لي واما المقال الثالث كنت قد نقلته نصا عن ( لينين ) فكيف تقول هيئة التحرير حسن كتاباتك في المستقبل القريب !!!!
من خلال توضيحنا لهذا المفهوم بأن ما يحدث من نشر وكتابات بكافة أصنافها فهو يعتمد على المحسوبية والعلاقات الشخصية رغم رداءة الكثير من المشاركات ورتابة التكرار والملل منها !!!