تتعدد قراءات وتفسيرات انخفاض أسعار البترول، في السوق العالمية، ما بين قائل بأن هذا التراجع، مرده إلى قرار دول الخليج، التوقف عن انتهاج سياسة تخفيض الإنتاج، من أجل إبقاء الأسعار مرتفعة، والبدء في حماية حصتها في السوق العالمية، من المنتجين المنافسين، وفي الآن ذاته، نجد آراء تعلل هذا الانخفاض، ببدء الولايات المتحدة الأمريكية، في إنتاج النفط الصخري، مع ما تسبب فيه هذا القرار، من إغراق سوق المحروقات، بفعل الوفرة المفاجئة للمنتوج النفطي، إضافة إلى التنبؤات بعودة قوية لإيران، إلى سوق تصدير النفط، حال رفع العقوبات عنها، وكذا تراجع الاقتصاد الأوروبي، وتباطؤ الاقتصاد الصيني.
ولا تخلو محاولات إيجاد سبب لأزمة الأسعار الأخيرة، من قراءات سياسية للموضوع، فالسعودية، حسب متتبعين، تفضل التضييق على إيران، والمحافظة على حصتها من السوق، على حصد فوائض كبيرة من الأسعار المرتفعة، وتجزم أطراف أخرى بأن هذا الانخفاض، ما هو إلا “تمثيلية”، تسعى للتضييق على موسكو وطهران، والتسبب في اختلال موازناتهما، نتيجة الشح في التمويل.
رابحون وخاسرون
جاءت الولايات المتحدة الأمريكية، على رأس الدول المستفيدة من تراجع أسعار النفط، بتوفيرها لما يقارب 90 مليار دولار، إلى جانب معظم الدول المستوردة للبترول، والتي ستتمكن من خفض نسبة عجزها، وتقليص نفقاتها العمومية، فعلى مستوى العالم العربي، اعتبر صندوق النقد الدولي، أن المغرب والأردن ومصر، من أكبر المستفيدين من انخفاض أسعار النفط. عموما، فإن المستهلكين ومستوردي النفط، سوف يتمكنون من توفير ما يناهز 1.7 تريليون دولار، خلال العام الجاري.
دول الخليج، منتج النفط العملاق، تعتمد على البترول كمصدر أساسي للدخل، بنسب متفاوتة، وتضع تقديرات مختلفة لسعر البرميل، في موازناتها، تختلف درجة التنويع الاقتصادي التي تتمتع بها، وهو ما انعكس بشكل جلي، على نسب العجز التي حققتها، بحيث حققت الإمارات أقل نسبة عجز بين دول الخليج، وصلت إلى 2.9 بالمئة فقط، في حين سُجلت أكبر نسبة عجز بالسعودية، بنسبة تقارب 20 %، قطر بقيت الاستثناء الوحيد بالمنطقة، وحققت فائضا بملياري دولار، بالرغم من أن النفط، يشكل نسبة كبيرة من إيراداتها، إلا أنها، حققت طفرة كبيرة، على مستوى الأنشطة غير النفطية، خلال السنوات القليلة الماضية.
السعودية، تبدو أيضا من أكبر المعرضين، لآثار انخفاض أسعار البترول، فبالرغم من توفرها على أرصدة كبيرة، إلا أنها ستجد صعوبة، في تقليص الميزانية العامة، بفعل اعتمادها مبلغ 90 دولارا للبرميل، في موازناتها السنوية، وضع بدأت ملامحه بالاتضاح، بعد تخفيض وكالة “فيتش” الدولية، للتصنيف الائتماني، لنظرتها المستقبلية لتصنيف ديون المملكة من “مستقرة” إلى “سلبية”.
تنويع الاقتصاد: “فائدة” انخفاض الأسعار
من الواضح، أن شعار “التنويع الاقتصادي”، الذي رفعته الدول الخليجية، منذ ما ينيف عن 20 سنة، لا يزال بعيدا عن التفعيل، بعد التأثيرات الواضحة التي خلفها الانخفاض الأخير، في أسعار النفط، وإن بدرجات متفاوتة، إذ يبدو النموذج الإماراتي واعدا، أكثر من جيرانه الخليجيين، بفضل نجاحه في تقليص اعتماده على عائدات النفط إلى 33% بالمئة فقط، وإصرار المسؤولين الإماراتيين، على زيادة استثمارات البلاد في المجال الطاقي، لتصل لـ3.5 مليون برميل يوميا، في الوقت الذي تضررت فيه بعض المشروعات الترفيهية، من قبيل إبطاء أشغال فرع متحف “اللوفر”، وإلغاء مهرجان أبو ظبي السينمائي، غير أن مشاريع القطاعات الرئيسة، والبنية التحتية، لم تعرف أي اضطراب.
ويعود الفضل، في عدم تضرر الموازنة الإماراتية، بشكل كبير، إبَّان تراجع أسعار البترول، إلى “الاحتياطات المالية الضخمة للبلاد، والمستثمرة في صناديق مالية بالخارج، والتي مكنت من جني عائدات استثمارية، عوضت تقريبا، بالكامل، تقهقر العائدات النفطية”، على حد تعبير سلطان المنصوري، وزير الاقتصاد الإماراتي. الذي اعتبر، أن انخفاض أثمان الذهب الأسود، “يساهم في تنويع اقتصاد البلاد، من خلال التركيز على قطاعات جديدة، مثل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة”.