“ريح وريحان وجنات نعيم”.. 89 الواقعة
في مثل هذه الايام، من العام 1977، قرر نظام حزب البعث المتسلط على رقاب العراقيين، بـ “الجماجم والدم” منع إحياء ذكرى أربعينية أبي عبد الله الحسين.. عليه السلام، وحظر السير.. مشيا من النجف الى كربلاء؛ ما دفع المؤمنين الى تعليق منشوات تحدٍ، في شوارع وازقة النجف؛ تدعو الأهالي إلى المشاركة في المسير، ردت عليها السلطات المحلية، في أمن المحافظة، بشن حملة اعتقالات واسعة.
تواصل الحراك والدعوة إلى سير المواكب، محددين الحادية عشرة من صباح الخامس عشر من صفر 1397 هـ الموافق 4 شباط 1977، موعداً للإنطلاق؛ إذ طافت الجموع شوارع النجف، متوجهة إلى ضريح الإمام علي.. عليه السلام، مرددة: “أهل النجف يا امجاد راياتكم رفعوها” و”إسلامنا ماننساه ايسوا يابعثية” جادين على السبيل نحو كربلاء، يخوضون صدامات دامية، ضد قوات الامن المنتشرة، على طول الطريق، حتى خان الربع حيث بات “المشاية الثائرون” ليلتهم، نظير تهديد دوريات الشرطة والامن، تأمر الحشود بالرجوع، ولا تكترث… حتى بلغوا خان النص، عصر اليوم التالي، متوقفين للإستراحة والمبيت.
معركة توجس على أهبة إشتعال الفتيل، …، الشباب تحرس ليلاً؛ خوفَ هجومٍ محتملٍ، وفي صباح السادس من شباط، تحركت المواكب من خان النص باتجاه كربلاء، فهجمت قوات الامن بالرصاص، على مؤخرة المسيرة؛ مسقطة أول شهيد.. محمد الميالي، ومدبرة تلوذ بالفرار، أمام زخم الغيظ الساحق، مندفعا يحطم مراكز الشرطة ومديريات الأمن ومقرات الفرق والشعب الحزبية.
إلتحقت بالثائرين جموع، تضافرت معها من محافظات الفرات الأوسط، وإستشاط الغضب حتى خان النخيلة، حيث تقررت الاستراحة والمبيت إلى صباح اليوم التالي، بكفالة القبائل المحيطة بالمنطقة، وهي تردد: “أسمع العباس نادة ياهلّه بهاي الضيوف.. إشلون أأدي هالتحيه واني مكطوع الجفوف”.
مساءً هطلت الأمطار بغزارة، واشتدّ البرد ليلا؛ يعيق تقدم قوات الحرس الجمهوري التي وصلت المسيب؛ إستعداداً للقتال؛ فأرسل الإمام محمد باقر الصدر.. قدس سره، آية الله محمد باقر الحكيم؛ لتوجيه إرشادات للمنتفضين؛ رفعت المعنويات، وسار معهم إلى كربلاء، التي إقتربوا منها ليلة 8 شباط، التي تصادف الأربعين.
أرسلت رئاسة الجمهورية، اللواء المدرع العاشر إلى طريق كربلاء، يعترض المسيرة، الذي تعاظم إلى درجة جعلت طائرات ميغ23 تحلق فوق المدينة، وإعطاءها أمرا بإطلاق النار ان استدعى الامر.
على مشارف المدينة، إستعدت الدبابات والسيارات المصفحة ومركبات الشرطة ومئات المسلّحين المتاهبين لإطلاق النار، وألقت القبض على شباب ونساء وكبار سن بعد محاصرتهم، في حين تمكن آخرون من الفرار، عبر طرق فرعية، وصولاً إلى العتبتين الحسينية والعباسية، محققين المراد، وسط آلاف الزوار، يكتظ بهم الضريحان.
أشاعت قوات الامن، وجود قنبلة؛ خلقت ذعرا؛ إستغلته بالقاء القبض.. عشوائيا.. على الشباب ونقلهم إلى المعتقلات؛ فأعلن الإمام الصدر إضراباً في الحوزة، ردا على صدور احكام الإعدام بحقهم، وبينهم آية الله الحكيم..
آلاف.. عذبوا وأعدموا، من قبل نظام البعث الجائر، شهداء في حب الحسين.. عليه السلام، يتحدون منع مراسيم الأربعينية، التي أقيمت بالفعل، في موعدها، وظلت دماء الشباب، ثأرا تتضاعف ديته.. لفاطمة الزهراء في أعناق البعثية، الى يوم يبعثون.