23 ديسمبر، 2024 12:33 ص

علي صالح السعدي.. الرجل الأول في انقلاب 8 شباط 1963

علي صالح السعدي.. الرجل الأول في انقلاب 8 شباط 1963

مزاجي.. حاد الطبع.. متطرف في أحكامه.. الودي منه أو ألخصامي.. سريع الحكم.. كانت تحكم سلوكياته شقاوات الخمسينيات في مناطق سكناه.. وبرغم بساطته وتواضعه وميله الشعبي.. كان يصعب انتقاده أو محاسبته.
تزوج والده بامرأة أخرى.. بعد وفاة أمه.. فعاش الفتى علي حياة التشرد لفترة من الزمن.. إلا انه كان موهوباً وخلق فرص النجاح لنفسه.
كان قاتلاً.. قام بجرائم إبادة جماعية بدم بارد.. تولى بنفسه إدارة جميع الجرائم وحمامات الدم بعد انقلاب 8 شباط 1963.. وأنزل بكل العناصر المعادية للبعثيين من شيوعيين وديمقراطيين وقاسميين وبخصومه الشخصيين.. الموت والخراب والعذاب.. كثيراً ما كان يشرف بنفسه على أعمال القتل والتعذيب التي يمارسها الحرس القومي.. يٌغلًبْ لغة العنف مع رفاقه لتحقيق مصالحه السياسية.. أعطى لنفسه حجماً أكبر من حقيقته.. أسوأ وأكثر إجراماً من ناظم كزار وصدام حسين.

السيرة والتكوين:
ولد علي صالح السعدي في محلة باب الشيخ ببغداد العام 1928.. كان والده فلاحا قدمً الى بغداد من مدينة هبهب التابعة الى محافظة ديالى في عشرينيات القرن الماضي.. وفي بغداد أصبح والده وكيلاً زراعياً لعائلة الحيدري.. المعروفة آنذاك.
أكمل علي دراسته الابتدائية في مدرستي (باب الشيخ والرصافة) على التوالي.. والتحق بالإعدادية المركزية.. ثم التحق بكلية التجارة العام 1955.. تزوج السعدي من الإعلامية هناء العمري ورزق ببنت وولد.. هما (علياء وفارس).
والد علي من أصول كردية.. ويُثبت علي السعدي.. انتساب عائلته الى عشيرة كردية معروفة يقطن معظم أفرادها في محافظة اربيل.. باعترفه بكرديته العام1970.. حينما تهمشً وأصبح مستشارا للبكر.. فعند لقائه في فندق بغداد بالوفد الكردي بمناسبة انبثاق بيان 11 آذار العام 1970.. سأله احد أعضاء الوفد “عبد القادر محمد أمين: هل تعتبر نفسك كرديا يا أستاذ؟ رد عليه علي صالح السعدي: نعم أنا كردي وأبن كردي ومن منطقتك بالتحديد”.

نشاطه السياسي:
كان نشاط السعدي واضحاً في معارضة النظام الملكي منذ الدراسة الإعدادية.. وشارك في التظاهرات والنشاطات الطلابية والجماهيرية.. وخلال لقاءاتي (أنا هادي حسن عليوي) المتعددة لعلي صالح السعدي.. كجزء من تحضيري لأطروحتي للماجستير خلال العامين 1976 و1977عن نشاط حزب البعث حتى 14 تموز 1958.. أذكر الأمور التي أيدها آخرون من أصدقاءه ورفاقه.. قال السعدي: “كنتُ سياسياً بفكر وطني ذو ملامح يسارية.. حتى فاتحني أحد الأصدقاء للانضمام للحزب الشيوعي العراقي وقبلتُ ذلك.. وأعطاني موعداً للحضور الى كازينو ياسين في شارع أبي نؤاس.. وحضرتُ قبل الموعد لألتقي (أنا وصفاء محمد علي) الملقب صفاء عنجور بعدنان الراوي.. الشاعر والقومي المعروف.. وحينما أخبرناه.. شرح لنا موقف القوميين السلبي من الشيوعيين بسبب موقفهم المؤيد لقيام إسرائيل والاعتراف بها.. ومن يومها انقلبنا أنا وصفاء عنجور واتجهنا نحو الفكر القومي.. ثم تقربتُ الى كريم محمود شنتاف لأنضم الى البعث العام 1952.
وخلال زيارة الملك سعود عبد العزيز العراق العام 1957 أصدرت السلطات الأمنية أمراً سرياً باحتجاز النشطاء السياسيين.. ويقول علي صلح السعدي “كنتُ سائراً في منطقة السراي.. وعند مروري من أمام مديرية شرطة بغداد فإذا بأحد الشرطة المدنيين ركض نحوي وتم اعتقالي”.. وبعد عدة أيام أطلق سراحه بعد سفر الملك السعودي.
يقول حنا بطاطو “أن علي صالح السعدي وقع تحت نفوذ فؤاد ألركابي (أمين سر حزب البعث).. وهو “أي السعدي” مازال طالباً.. ونظراً لما له من مؤهلات ملائمة للنضال السلبي.. كالشجاعة.. والثقة بالنفس.. والقسوة.. والقدرة الكبيرة على التنظيم.. فانه ارتقى الى عضوية قيادة الحزب”.. لكنني (أنا هادي حسن عليوي).. كمؤرخ وباحث أعتقد: كان السعدي اقرب الى حياة التشرد والشقاوة.. فقد غدا في سلم الأولوية في هذا الحزب لطبيعة المرحلة التي سادت بها الفوضى والقتل.

شخصيته:
كان علي صالح السعدي في مستهل ثورة 14 تموز العام 1958 ينتمي للفرق الصيدامية للحزب.. التي كانت ترهب المواطنين.. كان يعتقد انه يساري ثوري.. ويغلًب لغة العنف لتحقيق المصالح السياسية.. كما انه كان حاد الطبع.. متطرف في أحكامه حتى مع الودي.. سريع الحكم.. مزاجياً.. غلفت نزعته البرجوازية الصغيرة بثقافة ماركسية متواضعة وانضباط حزبي عال وبعض تشذيب للسلوك.. لكن ثقافة علي السعدي التقدمية شوهتها.. كما يقول هاني الفكيكي قرويته الجامحة !! لكنني أنا (كاتب هذه الدراسة) كباحث ومؤرخ عشتُ تلك المرحلة في خضم الصراع العنيف بين الشيوعيين والقوميين.. أجد أن علي صالح السعدي كانت تحكمه سلوكياته شقاوات الخمسينيات في مناطق سكناه.. ولم تحكمه نزعته البدوية كما يقول الفكيكي.. فالسعدي ولد وعاش في المناطق البغدادية وتطبع بطبعهم.. ولم يعيش في القرية.. ولا في العقلية البدوية.
ويصف القيادي البعثي فخري قدوري شخصية السعدي في كتابه: (هكذا عرفت البكر وصدام.. رحلة 35 عاما في حزب البعث) قائلاً: “بعد إبعاد علي صالح السعدي ورفاقه من العراق في 11/11/1963 فوجئتُ بعلي صالح السعدي.. وحمدي عبد المجيد.. وهما يدخلان شقتي في كولونيا بألمانيا الغربية.. وأخرجً السعدي قنينة ويسكي جديدة من خزانتي.. وتحدث السعدي طويلاً حول تطور الأوضاع في العراق.. وأمله باستعادة الخط الثوري داخل الحزب والدولة نفوذه وعودة الأمور الى نصابها”.
ويضيف قدوري قائلاً: “كان هادئ الأعصاب نسبياً.. يمارس الضحك والدعابة إثناء الحديث.. ويتململ بين الحين والآخر بسبب مضايقة (المسدس) الذي كان يحمله الى جنبه.. وحين سألته كم من الوقت سيمضي في ألمانيا.. أجاب فترة وجيزة.. وحين انتهى السعدي من تناول المشروب الروحي بالكامل وحده.. كان قد أفرغ ما في قلبه من حديث ليودعني بعد منتصف الليل”.
ويضيف قدوري قائلاً: “لم أر مثل عناصر حزب البعث في حبهم للتظاهر بالشجاعة والاعتداد بالنفس الذي يجمع اللعب والتكبر والخيلاء.. وإلا ماذا يفعل علي صالح السعدي بالمسدس الذي يحمله في جنبه في قلب أوربا ؟.. بعد أن عجز عن استخدامه في بغداد.. وبدلاً من القيام بأي فعل ثوري ـ وهو الذي لا تفارق لفظة ثوري لسانه.. أخذ يستعطف خصومه ويتوسل بعبد السلام عارف وأحمد حسن البكر من أجل أن يصطحب زوجته معه في رحلة الإبعاد ألقسري”.. وكان رد عبد السلام قاسياً إذ سمعه علي يقول “يطلع من العراق أو أطلعه بالجلاليق”.. لم يتمالك السعدي نفسه وأجهش بالبكاء.. شأنه.. كما يقول قدوري.. في ذلك لا يختلف عن حال آخر ملوك بني الأحمر (أبو عبد الله الصغير) الذي لم يحافظ على سلطانه وواجه أمه باكياً.. فنهرته قائلة:
ابكِ مثل النساءِ مُلكاً مضاعاً …… لم تحافظ عليه مثل الرجالِ

دور السعدي في انقلاب شباط 1963:
بعد فشل محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم التي قام بها البعثيون في السابع من تشرين الأول العام 1959 في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد ببغداد.. هربً قادة وكوادر البعث الى خارج العراق وفي مقدمتهم: فؤاد ألركابي وعلي صالح السعدي وعبد الكريم الشيخلي وآخرين.. وبمبادرة من السعدي تشكل مكتب البعث الخاص بالعراقيين في دمشق.. وهو ما جذب انتباه القيادة القومية.. التي طلبت منه في نيسان العام 1960 العودة للعراق وقيادة الحزب فيه.
أعاد السعدي نشاط البعث في العراق.. وبدأ من جديد العمل على إسقاط نظام الزعيم عبد الكريم قاسم.. وتسلم السعدي أيضا مسؤولية المكتب العسكري للبعث.. ووضعت الخطة واستكمال كافة مستلزماتها وعلى أساس تنفيذها في عيد الفطر.. ليتم اعتقال علي صالح السعدي وكريم شنتاف وبهاء شبيب وصالح مهدي عماش في (5) شباط 1963.. ليستعجل البعث في تنفيذ خطته قبل أن تنكشف الخطة للسلطة ويقضى على الحزب.. وهكذا نفذ الانقلاب في صبيحة 8 شباط الموافق 14 رمضان (أي بعد ثلاثة أيام من اعتقاله).
أطلق سراح السعدي ورفاقه من قبل الانقلابين وتسلم مهامه كأمين سر لحزب البعث.. ونائباً لرئيس الوزراء.. ووزيراً للداخلية.. إضافة لعضويته في المجلس الوطني لقيادة الثورة.
لينفذ البعث أكبر مجزرة في تاريخ العراق الحديث ليس بتصفية الجواسيس والعملاء والرجعيين.. بل أبيدت مئات الآلاف من الوطنيين والديمقراطيين وأبناء الشعب من الكادحين والفقراء.. وامتلأت السجون والمعتقلات.. حتى استخدمت المدارس والنوادي الرياضية كأماكن لاعتقال المواطنين.. كانت جريمتهم إنهم من محبي عبد الكريم قاسم.

السعدي.. نشال:
يتباهى علي صالح السعدي انه نشال أكثر خفة من نشالي الباب الشرقي.. فالسعدي.. الأمين العام لحزب البعث في العراق.. ونائب رئيس الوزراء ونائب رئيس وزراء بعد انقلاب 8 شباط 1963.. وخلال زيارته في نيسان 1963.. على رأس وفد عراقي رفيع المستوى لمباحثات الوحدة مع مصر.
حيث يسرد قائلاً:
ـ خلال إحدى جلسات محادثات الوحدة بين العراق ومصر في القاهرة في تلك المرحلة جلس الرئيس جمال عبد الناصر ووضع أمامه على الطاولة قلم حبر ذهبي.. وبجانبه ولاعة سجائر رائعة الجمال.
ـ كان عبد الناصر يستعمل هذا القلم ويكتب به بعض الملاحظات خلال النقاش.. “وفي لحظة من اللحظات.. وبينما كان يتحدث مددتُ يدي وأخذتُ القلم من أمامه وكتبتُ به شيئاً ما.. ثم وضعته في جيب قميصي.. لم يبدر من عبد الناصر أي رد فعل.. وتظاهر بأنه لم ير شيئاً أو يلحظ شيئاً.. بل استمر مسترسلاً في حديثه.
ـ يضيف السعدي قائلاً: بعد فترة مددت يدي مرة أخرى وأخذتُ الولاعة.. وهي التي كانت هدفي في الأصل والأساس.. وأشعلتُ بها سيجارة ثم وضعتها أمامي فوق علبة السجائر.
ـ ومرة أخرى تظاهر الرئيس عبد الناصر بأنه لا يرى شيئاً أو يلاحظ شيئاً.. لكنه مدّ يده بهدوء وأخذ الولاعة وأعادها إلى مكانها أمامه.. وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة.. ومضى مسترسلاً في حديثه وكأن شيئاً لم يكن.
ـ يقول علي صالح السعدي: عندئذ فهمتُ أن جمال عبد الناصر موافق على إعطائي القلم فقط.. وعليه إذا قلتُ إن جمال أعطاني القلم فهو صحيح.. وإذا قلتُ إني أخذت منه القلم فذلك صحيح أيضاً.. لكنه لم يقدمه لي هدية…. هكذا رؤوساء وزارتنا من ذلك الزمن!!!

طائفية علي صالح السعدي:
أن أخطر مبادرات علي صالح السعدي الفردية.. كما يقول طالب شبيب (القيادي البعثي.. ووزير خارجية الانقلاب) كان عقده مؤتمراً صحفياً لمتصرفي الألوية (أي المحافظين).. وأبلغهم السعدي بمنع الطقوس الإسلامية التي يمارسها الموطنون في عاشوراء بمناسبة مقتل الإمام الحسين (ع).. أو في أية مناسبات أخرى.. وأجاز استخدام القوة ضد ما أسماه ب(الرجعية) !! لكن المتصرفين لم ينفذوا أوامره الطائفية المقيتة.

إبعاد السعدي عن السلطة والحزب:
جرت عملية إبعاد السعدي من الدولة والحزب بمرحلتين:
ألأولى : إبعاده عن وزارة الداخلية:
كان السعدي يمثل التيار المتشدد.. وفق أدعاء البعثيين من جماعة حازم جواد.. وفي فترة وجيزة أشبع أجهزة الإعلام بعبارات مخيفة لا تخرج إلا عن شخصية مغامرة ومقامرة لا تؤمن بالرأي الآخر.. ولا تعطي أي اعتبار لمفاهيم التعامل السياسي والدبلوماسي حتى في حدوده الدنيا.. وكانت عباراته المخيفة مثل: (سحقاً لهم حتى العظام).. و(الويل لمن يقف بوجهنا) و(سنقبر أية محاولة من جانب العملاء أعداء الجماهير).
لكن السؤال الملح: هل كان المعارضين للسعدي من البعثيين يحترمون الرأي الآخر.. وأين احترموه ومتى؟!
كما كان السعدي يوجه الإهانات المباشرة وغير المباشرة الى بعض المسؤولين.. فعن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف كان يقول: (أنه طموح كبير.. ولا يمكن أن يوجد إنسانٌ أسوأ منه عقلاً وتفكيراً وسياسة وسلوكاً.. وليست لديه أية عقيدة إطلاقا.. شخص يغدر بأخيه وبولده وبكل شيء من أجل أن يبرز).
كما كان السعدي يصف صالح عماش وزير الدفاع بالجبان المثير للإحباط.. ويقول له بوجهه (أن الثورة ما كانت تنجح لولا دخولك للسجن).. وقد حصلت في أحد الأيام مشادة شخصية بين علي صالح السعدي وبين صالح عماش في مكتب حازم جواد كادت أن تصل الى الضرب بالأيدي.. عندما قال السعدي لعماش: (إنت جبان ومتقاعس.. وان الثورة أنعمت عليكً بمنصب وزير الدفاع ورتبة فريق بعد أن كنت برتبة مقدم.. وأنت لا تستحق ذلك).. وهكذا كان تصرف السعدي مع العديد من المسؤولين الآخرين.
وعن تصرفات السعدي تجاه الدول والشخصيات الأجنبية.. يتحدث طالب شبيب باعتباره كان وزير خارجية الانقلاب.. انه تلقى شكاوي من دول عديدة بسبب تصرفاته العدائية غير المسؤولة ضدها.. وذروة السوء ـ كما يقول طالب شبيب : عندما أطلق علي صالح السعدي على الرئيس جمال عبد الناصر في خطابه بمناسبة عيد الوحدة المصرية السوري المصرية أسم (رجل الملذات).

المرحلة الثانية: إقالته من جميع مناصبه الحكومية والحزبية:
في صباح يوم 11 تشرين الثاني 1963 عقد المؤتمر القطري الاستثنائي لحزب البعث في قاعة المجلس الوطني لقيادة الثورة.. لكن مجموعة من الضباط اقتحموا قاعة الاجتماع عندما كان رئيس المؤتمر هاني الفكيكي يسجل أسماء المرشحين للقيادة القطرية الجديدة.. وأحتل المهاجمون القاعة.. واختاروا قيادة قطرية جديدة حسب رغبتهم.. التي لم تدم سوى ثلاثة أيام.. ونفيَ علي صالح السعدي وكتلته الى أسبانيا.. بعد إقالته من جميع مناصبه الحزبية والحكومية.. ليتبعها تسفير حازم جواد وكتلته المعارضة للسعدي أيضا.. ولم تمضي خمسة أيام ليحل عبد السلام عارف الحرس القومي.. ويسيطر القوميون وعبد السلام عارف على السلطة.. في 18 تشرين الثاني 1963.. وتبدأ عملية إزاحة البعث من السلطة بالتدريج.

السعدي يشكل حزباً جديداً:
نشط السعدي خلال العام 1964 لتأسيس حزب بعث مستقل باسم “الحزب الثوري الاشتراكي” واستند السعدي في عمله هذا على أكثرية البعث في العراق الذي تؤيده.. التي تسمى ب “لجنة تنظيم القطر في العراق” ذات الاتجاه اليساري.. واستطاع أنصاره في بيروت من عقد مؤتمر قطري.. ولما كان غير نظامي من الناحية الحزبية لذلك أسموه ب “المؤتمر القطري الاستثنائي”.. فقد حضره 35 عضواً من مجموع 41 عضوا يؤلفون المؤتمر القطري العادي.. وصدر عن المؤتمر تصريح يعلن تمسكه بمقررات المؤتمر القومي السادس.. والتزام الحزب بمصالح الجماهير الكادحة وتخطيط سياسة مرحلية تنبع من هذه المقررات والتمسك بوحدة الحزب.. والدعوة لمؤتمر قومي استثنائي.. وشكل لجنة تحضيرية للمؤتمر المقترح.. لكن لم يحقق حزب السعدي الجديد شيئاً على الأرض.. والسلطات اللبنانية من جانبها أصدرت أمراً بإبعاد السعدي خارج البلاد.

العودة والانكفاء:
في ضوء تحسن الأوضاع السياسية الداخلية.. والحرية النسبية التي منحها الرئيس عبد الرحمن محمد عارف.. يبدو أن علي صالح السعدي اتصل بزوجته (هناء العمري) في بغداد للعودة للعراق.. وانه أبلغها استعداده للمثول أمام أية محكمة.. من جانبها فإن زوجته تحدثت مع ناجي طالب (رئيس الوزراء آنذاك) وأخبرته بنية زوجها العودة الى العراق.. وانه على استعداد لتقديمه الى المحكمة فيما إذا كانت هناك أية تهمة ضده.. وتضيف العمري قائلةً: بأن ناجي طالب (رئيس الوزراء آنذاك) ردً عليها قائلاً: (بأن الوضع محتقن.. ولن نستطيع السماح له بالعودة).. فأجبته: (لكن لا يجوز أن تمنعوا شخصاً هو يطالب تقديمه للمحاكمة.. إذا كانت هناك تهمة ضده.. فكرر رفضه لعودة السعدي).
ظل السعدي ينتظر الفرصة للعودة للعراق.. وفي بداية أيلول العام 1967 أغلقت حكومة طاهر يحيى الدعاوى المقامة ضد تسعة مسؤولين خلال حكم حزب البعث في العراق 1963.. فاستقل السعدي أول طائرة وعندما حطت الطائرة في مطار بغداد.. لم تسمح له والآخرين ممن أبعدوا معه.. رفض السعدي ورفاقه العودة.. وظلت الطائرة جاثمة على أرض المطار.. وجرت الاتصالات الرسمية.. حيث حضر مدير الأمن العام أنور ثامر العاني.. وبعد اتصالات مع رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف انتهت المشكلة.. وعاد السعدي الى بلده وعائلته.

السعدي.. وانقلاب 17 تموز 1968:
تقول السيدة هناء العمري (زوجة السعدي): (أخبرنا السيد صائب الفرحان أحد موظفي وزارة الخارجية.. الذي تربطه بعبد الرزاق النايف علاقة عائلية.. انه علمً من النايف انه سيقوم بانقلاب يطيح بالرئيس عبد الرحمن عارف.. وحذر الفرحان عائلة السعدي من احتمال اعتقال علي.. الذي ذهب الى بيت شقيقه ونام هناك.. إلا انه تم اعتقاله فجر ذلك اليوم.. قبل اعتقال طاهر يحيى رئيس الوزراء.
ظل السعدي في الاعتقال.. وفي 30 تموز 1968 تم إزاحة عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود.. وسيطر البعث على السلطة كاملة.. فطلب البكر من صالح مهدي عماش الذهاب الى المعتقل.. وجلب السعدي الى القصر الجمهوري.. وفي القصر اعتذرت قيادة البعث من علي صالح السعدي باعتبار أن ما حصل له كان خارج عن إرادة البعث.. وعاد السعدي الى بيته.
في أيلول 1968 نشرت الوقائع العراقية خبر تعين علي صالح السعدي مستشاراً في رئاسة الجمهورية.. وعندما علم السعدي بالأمر ذهب في اليوم التالي الى رئيس الجمهورية واعتذر عن قبول المنصب.
وفي 9 /10 / 1968 نشرت جريدة الجريدة البيروتية خبر تعين علي صالح السعدي عضواً في مكتب العلاقات العربية.. الذي يرأسه عبد الكريم الشيخلي وزير الخارجية آنذاك.. ويتألف هذا المكتب من خمسة أعضاء يرأسه وزير الخارجية.. وهو واحد من خمسة.. شكل المكتب لمساعدة مجلس قيادة الثورة في أعماله.. لكن السعدي.. كما يقول عبد الستار الدوري: رفض هذا المنصب.
وفي العام 1969 صدر قرار بتخصيص راتبٍ تقاعديٍ شهريٍ لكل عضو في مجلس قيادة الثورة سابقاً.. الذين أصبحوا خارج المجلس الجديد.. وبهذا شمل السعدي بالراتب التقاعدي.

نهاية المطاف:
في أواخر العام 1969 أصيب السعدي بجلطة قلبية !! وتكررت الحالة أكثر من مرة.. وفي آب 1977 سافر الى لندن للعلاج.
لكنه أصيب بجلطة قلبية مفاجئة في 19 أيلول / سبتمبر / 1977 بلندن فارق الحياة على أثرها.
ففي آخر يوم في حياة السعدي كان في شقته لوحده.. وأكثر من تناول الشرب وبإفراط.. إلى أن توفى.
كان له موعداً في صباح اليوم التالي مع المحامي يحيى الدراجي*.. وعندما حضر الدراجي في الصباح اطرق الباب.. لكن دون جواب مما اضطره لكسر الباب.. وعندها وجد السعدي متوفياً.. وبجانبه ورقه كتبها بخط يده سأموت عن قريب.. لكنني لست بجبانٍ.
جرى نقل جثمان السعدي الى بغداد.. ودفن في مقبرة الكرخ.. وأوعز رئيس الجمهورية تخصيص أرض سكنية لعائلته.. وتحمل الدولة تكاليف البناء كاملاً.. وقد انتقلت عائلته الى البيت بعد انجاز بنائه العام 1980.

ـ بعد وفاته تزوجت هناء العمري السيد صباح المدني.. وهو أحد قياديي الحرس القومي بعد انقلاب 8 شباط 1963.

____________________
*يحيى الدراجي: محامي.. سامرائي الأصل.. يسكن منطقة حي القضاة/الكرخ/ ببغداد.. اعدم هو وزوج ابنته مهج ساجد ألكحله.. من قبل نظام صدام بعد سنين من وفاة علي صالح السعدي.