تباينت وجهات نظر المتابعين و المحللين بمضامين وتوقيتات زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد بسبب امتداد فترة اللاثقة الى ربع قرن و لأن الشحن الطائفي المشترك تغلب في أحيان كثيرة على لغة الحوار الهاديء و علاقات التاريخ و الجغرافيا على خلفية قراءات ينقصها في أحيان كثيرة النضوج السياسي و المصالح الاستراتيجية المشتركة.
أنهت زيارة الجبير القطعية النفسية بين بغداد و الرياض بتحريكها المياه الراكدة و كسر جليد الخوف و التشكيك، بعد أن أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي في أكثر من مناسبة الحرص على علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار وبما يضع العراق خارج رحمة تناقضات سياسة المحاور الاقليمية و الدولية في المنطقة.. لقد صبر العبادي بما يكفي بعد أن أبحر خارج اجتهادات الأحزاب لتحسين علاقات العراق مع محيطه العربي بشكل خاص، ما يعني أن زيارة الجبير تمثل مشروعا خليجيا متكافئا مع العراق لا تناقضات مذهبية.
لقد تقدمت السعودية بخطوة في الاتجاه الصحيح ينبغي توظيفها عراقيا للخروج من ضغوط سياسة المحاور و ثانيا لتهدئة الأجواء بحيث يكون الحوار الثنائي مباشرا لقطع طريق التوظيف الطائفي للخصومات السياسية المحلية لتحقيق مكاسب حزبية و شخصية على حساب مصلحة الوطن، مع الابتعاد قدر الامكان عن تبويب أية خطوة بضغط أمريكي أو بريطاني، لأن الصحيح حاجة السعودية لتعزيز حائط الصد العراقي بوجه الارهاب و التخلي عن ضغينة التاريخ المتراكم.. أنها رسالة تهدئة و تطمين لانهاء سيناريو افتعال المشاكل.
هناك جهات سياسية تتنفس من خلال تعقيد علاقات العراق مع دول الجوار لمصالح حزبية و شخصية لذلك ينبغي التعامل مع الانفتاح السعودي على العراق خارج التشكيك و الأحكام الجاهزة لتفعيل سيادة القرار الوطني، و أيضا ايصال رسالة مفادها أن العراق لم يقطع جسور التواصل العربي و لا زال يمثل ركيزة الاستقرار في المنطقة، ما يتطلب أيضا طي ملف التأزيم لمصالح غير عراقية.
أعتقد أن الأهمية الاستثنائية لزيارة الجبير تزامنها مع مؤتمر جنيف و بالتالي براءة سعودية من أهدافه المستقبلية و ثانيا أن الجبير لم يلتق غير المؤسسة الحكومية ما يعني دبلوماسيا و استخباريا أن العلاقة الجديدة هي مصالح دولتين لا مجاملات طائفية، بعد أن لعبت الزيارات الشخصية و التقارير السياسية للبعض دور المعول في هدم عناصر الثقة المتبادلة ليبقى البعض
في دائرة الضوء على حطام هيبة الدولة العراقية، كما بعث الجبير رسالة واضحة بحرص الرياض على وحدة العراق أرضا و شعبا ، وذلك باستثناء أربيل من زيارته و التأكيد على التعامل بحيادية مع مختلف أطياف الشعب العراقي.
صحيح أن نجاح العراق بتقطيع أركان دولة داعش الورقية لعب دورا محوريا في قناعة الرياض بأهمية بغداد في استقرار المنطقة، وصحيح أيضا أن الانتصارات في الفلوجة و الموصل مزقت الورقة الطائفية، وصحيح مرة أخرى أن دول الجوار تيقنت من انتصار الأخوة العراقية على باقي التخندقات الطارئة، لكن الأكيد أن المنطقة ذاهبة الى تحالفات جديدة سيكون العراق حجر الزاوية فيها لذلك ستلتحق أنقرة قريبا بالرياض لتدشين مرحلة جديدة من علاقات الثقة المتبادلة مع عراق ما بعد داعش، بينما لن تتردد طهران عن ركوب نفس القارب لأن استقرار العراق يخفف عليها الاعباء الاقليمية و الدولية في وقت تحتاج الى استقرار داخلي بعيدا عن حراب تنافس النفوذ الدولي،لذلك تراهن على وساطة عراقية مع الرياض و ليس العكس، وكل ذلك لم تحققه المصالح الدولية بل صمود العراقيين الاستثنائي بوجه الارهاب و مشاريع الفتن مدفوعة الثمن الطائفي.