23 أبريل، 2024 1:54 ص
Search
Close this search box.

تنزيه أبي بكر (رض) عن أن يكون هو الصاحب (في الغــار)

Facebook
Twitter
LinkedIn
منذ قرون طويلة وعلماء الشريعة المحمدية من المسلمين يلوكون – دون وعي أو مراجعة – آية في كتاب الله العظيم ، ويعتبرونها (الفضيلة) الأكبر – التي لا تدانيها فضيلة – لخليفة المسلمين أبي بكر (رض) ، وهي الآية (40) من سورة التوبة المباركة ، حيث يقول سبحانه :- (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . 

ولقد هالني ما أراه من بعض جحاجيح المنابر وهم (يتشدقون) بهذه الآية ، وقد يبكي أحدهم حين يصل لكلمة (صاحبه) ، فيمد حرف (الألف) بالرسم التالي (صاااااااااحبه) ، ليؤكد على قيمة هذه المفردة ، وكأنها مزية لأبي بكر (رض) ما بعدها مزية ، وهكذا درج الببغاوات على الاستشهاد بهذه الآية ، وبهذه المفردة بالذات ، حتى أن بعضهم حين يذكر أبا بكر (رض) فإنه يقول (صاحبه في الغار) .

وقبل أن نشرع في تناول هذه المفردة بمعناها (اللغوي) والقرآني ، سنأتي بما سيستهجنه أباطرة وأساطين الدين والتدين فنقول الجملة الخبرية التالية :- (أبو بكر لم يكن في الغار مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله) ، وسنثبت ذلك (بالعقل والنقل) ضمن هذه المقالة (المقتضبة) ، ولكن سنبدأ بمفردة (صاحبه) ، لنعرف هل لها (أفضلية) من حيث ورودها في القرآن ؟ أم إنها مفردة قرآنية تسيئ عند ورودها لأحد الصاحبين ؟

وباختصار ، فلغوياً ، تأتي مفردة (الصاحب) بمعنى : (المرافق) أو (مالك الشيء) أو (القائم على الشيء) ، وأما (قرآنياً) فقد وردت في (أغلب) أحوالها لــ (ذم) أحد طرفي الصحبة ، فهذا يوسف الصديق (عليه السلام) يخاطب من كان معه في السجن من (المشركين) قائلاً :- (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا) كما ورد في الآية ﴿٤١) نت سورة يوسف) ، والأشد دلالة على أن (صاحبي) يوسف (عليه السلام) كانا من المشركين هو ما ورد في الآية (39) من نفس السورة ، حين يخاطب يوسف النبي (عليه السلام) صاحبيه قائلاً :0 (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) . 

وكذلك وردت مفردة (صاحبه) للدلالة على (الصحبة) بين (المؤمن والكافر) قرآنياً ، كما في الحوار بين (صاحبين) في سورة (الكهف) ، حين نجد (الكافر) يخاطب صاحبه (المؤمن) في الآية (34) من سورة الكهف المباركة التي نصها:- (قَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا)  ، بيد أننا نجد – في نفس السورة المباركة – أن (المؤمن) يخاطب (صاحبه الكافر) في الآية (37) كما ورد :- (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ) .

مرة أخرى نجد أن القرآن يستخدم مفردة (صاحب) للدلالة على (العلاقة المكانية والزمانية) بين (المتناقضين) ، حيث وردت بعض آيات القرآن العظيم لتثبت (صحبة) الرسول (صلى الله عليه وآله) مع (المشركين) ، كما ورد في الآيات المباركات (مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) – ٤٦ سبإ ، (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ) – ٢ النجم ، (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) – ٢٢ التكوير ، (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ) ﴿١٨-  الأعراف . 

وهذه الآيات والتي سبقتها (تنفي) أن تكون للصحبة من أفضلية أو منزلة أو تميز ، بل بالعكس ، إن أغلب استخداماتها في القرآن تشير عناية الممحص الحريص أن ينزه أبا بكر (رض) أن يكون هو المقصود بــ (صاحبه) التي وردت في قوله تعالى (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، مضافاً إليها إشارات (خطيرة) وردت في نفس الآية ، وهي كما يلي :-

1/ ثمة إشارة (أولى) في هذه الآية المباركة تقول (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) ، وهنا يأتي السؤال :- لماذا أنزل الله سكينته على الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولم ينزلها على من كان بصحبته في الغار ؟ وعلى مَن تنزل السكينة ؟ وإذا كان المصاحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين فلماذا لم تنزل السكينة عليه فتكون (عليهما) بدلاً من (عليه) ؟ بيد أننا نجد أن الله سبحانه وتعالى لم يكن (بخيلاً) حين أنزل (سكينته) – من قبل – على النبي وأصحابه كما ورد في الآية (26) من سورة (التوبة) ، وكما يلي :- (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) ، وكذلك في الآية (4) من سورة (الفتح) المباركة :- (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا) .

وأخطرها وأكثرها مدعاة للتأمل هي الآية (18) من سورة (الفتح) ، والتي تدلنا على أن السكينة لا تنزل إلاّ على المؤمنين حين يعلم الله صدق ما في قلوبهم ، وهذا نص الآية (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ، ولذا ، فمن العقلاني أن ننزه أبا بكر عن أن يكون ممن (لا تنزل) عليه السكينة .

2/ هناك كلمتان (عليا) و (سفلى) في الآية ، فعندما قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لصاحبه (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ، فمن المؤكد أن (صاحبه) قد سبقه بالقول ، فكانت مقولة الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أتت بمعنى (الرد) ، وهنا نجد (كلمتين) ، كلمة الرسول (صلى الله عليه وآله) والتي هي كلمة (الله) سبحانه وتعالى ، وهي (العليا) وكلمة (صاحبه) ، وهي (السفلى) ، فنجد أن القرآن يشير إلى هذا المعنى في الآية حين يقول :- (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) ، وهذه إشارة نستطيع أن نفهم منها أن المصاحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن مؤمناً ، بل كان (كافراً) ، وكلمته هي (السفلى) .

3/ واضح جداً أن (الموقف) حينذاك كان موقفاً محفوفاً بالأخطار ، والمفترض أن المسيطر على الموقف هو (الخوف) وليس (الحزن) ، لأن المشركين لو ثقفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقتلوه ، فلماذا قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لصاحبه (لا تحزن) ، ولم يقل له (لا تخف) ؟ هل كان المصاحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على درجة من اليقين بحيث أن (الخوف) لم يخالط نفسه ؟ أم أنه كان آمناً على نفسه بحيث أنه لم يدخل (الخوف) لقلبه ؟ وما هو سر (حزنه) ؟ هل هو حزين لأن المشركين لم يتمكنوا من الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ أم لأنه سيخسر صفقة (الدلالة) حين يلقى القبض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟

وفي معرض هذه الآية المباركة ، قد يتذرع البعض بوجود عبارة (إن الله معنا) ليتخذ منها دليلاً على (معية الله للمؤمنين) وبالتالي فهي تثبت (إيمان) الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن كان معه ، وهذا ليس صحيحاً ، بدلالة الآية (7) من سورة (المجادلة) التي تثبت وجود الله مع (كل عباده) مؤمنهم وكافرهم ، والتي تنص على :- (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، وإن (إنكار) وجود الله بــ (معية) الجميع ، أو (حصر) معيته مع المؤمنين فقط ، إنما هو اتهام لله سبحانه وتعالى .

وبسبب تواتر الروايات ، واتخاذ البعض لأحداث (فلم الرسالة) مرجعاً تأريخياً دون كتاب الله العظيم ، فلو ضربنا بالآية الكريمة عرض الجدار ، واتخذنا من الموروث الروائي (حجة) ، ولو سلمنا بما سلم به الأقدمون والمتأخرون ، فقد تواتر أن المسافرين أو (المهاجرين) كانوا (ثلاثة) وليس اثنان كما ورد في الآية ، وهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر (رض) و دليلهم في الرحلة (عبد الله بن أريقط الليثي) وهو من مشركي قريش ، وهنا ثمة أسئلة تفرض نفسها على (ذوي الوعي) ، فهل غادر (ابن اريقط) هذا ، وترك النبي (صلى الله عليه وآله) وصاحبه في الغار ؟ وأين ذهب ؟ أين أختفى ؟ أين اختبأ ؟ ومتى عاد إليهم ؟ وكيف ومتى تركهم ؟ ولماذا تركهم ؟ وكيف وصل الرسول (صلى الله عليه وآله) مع صاحبه إلى (المدينة) دون دليل ؟ أسئلة تبحث عن أجوبة مقنعة ، كما أقنعونا بأن (حمامة) و (عنكبوت) قد كانا على (باب الغار) ، بيد أن الله سبحانه وتعالى يقول :- (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) ، ولا أعرف بالضبط كيف تسنّى لمشركي قريش أن يروا الحمامة وبيت العنكبوت رغم أن الله سبحانه يقول :- (لم تروها) .

وأما من جهة النقل والروايات والموروث ، فإننا نجد في صحيح (البخاري) روايتين ملفتتين للنظر ، يرويهما (عبد الله بن عمر) تثبت أن أبا بكر (رض) كان ينتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة ، وهذا نص الروايتين :-

(عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله كان يؤمهم سالم مولى أبى حذيفة وكان أكثرهم قرآنا ) – ( كتاب صحيح البخاري ج 1 ص 170 – كتاب الاذان – باب اهل العلم والفضل أحق بالإمامة) ، وهنا تأتي الرواية الثانية التي تدل على ما ذهبنا إليه …..

حدثنا عثمان بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني ابن جريج ان نافعا أخبره ان ابن عمر رضي الله عنهما أخبره قال : كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة ) – (صحيح البخاري ج 8 ص 115 كتاب الأحكام – باب استقضاء الموالي واستعمالهم) ، ومن البديهي أن (سالم مولى أبي حذيفة) لم يكن ليصلي بالناس مع وجود الرسول (صلى الله عليه وآله) .

خلاصة القول ، إننا ننزه أبا بكر عن أن يكون هو المعني بالآية الكريمة ، وسنكتفي بهذا القدر ، وندع لمن يريد الاستزادة من الأدلة على عدم وجود أبي بكر (رض) في الغار عشرات الروايات والآثار في الكتب (المعتبرة) .

 العراق – عاصمة العالم المحتلة 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب