18 ديسمبر، 2024 6:42 م

22-9-1980؛ القرار الاستراتيجي الخطير(2-3)

22-9-1980؛ القرار الاستراتيجي الخطير(2-3)

إن قرار الرد على العدوان الايراني في 22-9-1980,(وهو بالمناسبة, نفس تاريخ معركة القادسية الأولى سنة 636 م , فما أجمل تدابير القدر هذه)!!, هو واحد من أصعب القرارات التي لجأت إليها القيادة العراقية مضطرّة, وكان فيه قدراً عالياً من المخاطرة, بسبب التفوق الإيراني على العراق, من الناحية العسكرية والجغرافية والسكانية وحتى الاقتصادية الى حدٍ ما, وهذا القرار يشبه قرار تأميم النفط في 1 حزيران 1972, وقرار معركة تحرير الفاو في 17 نيسان 1988, فهذه القرارات الثلاثة التاريخية والاستراتيجية, والتي غيّرت مجرى الصراع في المنطقة لصالح العراق في ظروف صعبة ومفصلية, تحسب للرئيس صدام حسين. فتلك القرارات, لايقدم عليها الاّ القادة الأفذاذ الذين يمتلكون؛الشجاعة, والإرادة, ونفاذ البصيرة.
في 16 أيلول 1980, أدار الرئيس صدام حسين, اجتماعاً مشتركاً لمجلس قيادة الثورة والقيادتين القومية والقطرية, وقد نشر الامريكان, بعد الغزو بسنوات, تسجيلاً صوتياً له, وفيه وافق جميع الحاضرين على قرار الرد على العدوان الايراني, بعد سماعهم عرضاً قدّمه الرئيس, للموقف السياسي والعسكري, باستثناء تايه عبد الكريم, والذي أبدى عدد من التحفظات والملاحظات, وكذلك الفريق عدنان خيرالله, بدرجة أقل.
كثيراً ما يُلام الرئيس المصري الأسبق عبد الناصر, بتردده في عدم بدء الضربة الجوية قبل قيام اسرائيل بالعدوان في 5 حزيران 1967, والذي كان كارثة على مصر والأمة العربية. ولذلك كان ذلك الحدث, حاضراً في ذهن الرئيس صدام وهو يتخذ قراره ذاك, مع الفارق الكبير بين مصر واسرائيل, لصالح الجانب المصري, وبين العراق وإيران لصالح الأخيرة. فقاعدة ؛(تغدّى بخصمك الذي يريد بك شرّاً, قبل أن يتعشّى بك), هي قاعدة صائبة في كل الظروف والأحوال. وهي مثل تسجيل فريق في كرة القدم لهدفه الأول في مرمى خصمه, فذلك يمنحه دفقة معنوية قوية, يقابلها احباط نفسي لدى الخصم, يستمر لزمن ما.
وليس صحيحاً على الإطلاق مايروّجه الآن وسابقا, بعض المغرضين أو الجهلة, بأن العراق هو من بدأ الهجوم على إيران, وإنَّ الأخيرة أُخذت على حين غرّة!!.. فهذا قول كاذب تماماً, ولا يستند الى أيِّ أساس, فرغم إن الضربة الجوية العراقية, قد أحيطت بأعلى درجات التكتم والسرّية, ولكن في معظم الأهداف التي هوجمت يوم 22 أيلول, كان هناك رد إيراني فعّال على الطائرات العراقية المغيرة, كما ان إيران شنّت في صبيحة اليوم التالي مباشرة, حملة جوية واسعة جداً, طالت كل العراق تقريباً, الأمر الذي يدحض تلك الإكذوبة, وينسفها نسفا.
كما إن العراق غير مهيّأ لقبول المخاطرة الشديدة, بانتظار وقوع العدوان عليه, بسبب عوامل ذكرتُ بعضها آنفاً, وسأذكر بعضها الآن.. فما سُمّي ب(الثورة الايرانية), كانت في ذروتها, وشعار(تصدير الثورة),بدءً من العراق, ومعها تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين التي تفيض بالغطرسة والعنجهية الفارسية المعهودة, كانت تصمّ الآذان, وكثيرون من العرب والمسلمين,(وليس الشيعة فقط), منبهرون بها وبشعاراتها التي اتضح لاحقاً زيفها وخداعها. والعراق في وضع خاص ومختلف عن أي قطر عربي آخر, من ناحية تنوّع نسيجه الديني والقومي, وأي ضعف أو تردد أو بطء في اتخاذ قرار التصدي للعدوان الإيراني المبيّت, سيؤدي الى أعمال تمرّد واسعة في مناطق الجنوب الشيعية, نتيجة وجود تعاطف واسع مع (ثورة خميني), ومرجعيات دينية؛ فارسية القلب والهوى واللسان, وبوجود مايسمّى ب(التقليد), الذي يجعل كلمة أولئك المراجع؛ وهم طابور خامس ايراني,هي العليا, عند غالبية الشيعة, وسيمتد ذلك إلى المناطق الكردية, وينتهي بحروب أهلية وتفتّت الدولة العراقية بما يشبه الذي حصل سنة 1991, بشكل محدود, وبما وقع بعد الاحتلال الامريكي في 2003, وتسليم مقدرات العراق بشكل كامل الى إيران, وأصبح العراق كأنه (سنجق) إيراني, وليس (ولاية) حتى !!!. لقد كان ذلك متوقعاً أن يحدث سنة 1979-1980. ولكن قرار التصدي الشجاع والجريء والسريع, أقبر الأطماع الايرانية لربع قرن, وجعل الدجال الأكبر خميني يموت كمداً بكأس السمّ العراقي, بعد فشل عدوانه, بزمن قصير.
في ضوء كل ذلك, ندرك بشاعة الانتقام الإيراني بعد 2003, من كل عراقي أسهم في تلك الملحمة التاريخية الخالدة, وندرك مقدار حقدهم على طياري العراق النشامى الذين كسروا ظهر إيران. فقد تم اغتيال أكثر من مئتي طيار عراقي بعد الاحتلال الغاشم. وصارت (القادسية), عقدة لدى الفرس وحثالاتهم, فتم تغيير كل موقع أو معلم حضاري يحمل هذا الاسم الخالد؛(محافظة القادسية مثلا), والذي يذكّرهم بهزائمهم وانكساراتهم وخيباتهم على يد العراقيين, والتي لن تكون الأخيرة بإذن الله, فالأيام دول, والدول أيام, وما ذلك على الله بعزيز.
في المقال القادم والأخير من هذه السلسلة,إن شاء الله, سأحاول الإجابة على التساؤل المطروح بإلحاح منذ مدة طويلة؛ هل كان باستطاعة العراق تجنّب تلك الحرب الضروس؟