ها قد انقضت أربعون يوما ونيف على الجريمة الإرهابية التي استهدفت شقيقي د. هشام شفيق مسكوني (61 عاما) وزوجته د. شذى مالك دانو(59 عاما) ووالدتها السيدة خيرية داؤود عبادة (86 عاما)… عائلة مسيحية مسالمة خدمت العراقيين لأكثر من (35) عاما في أشرف وأنبل مهنتين: الطب والتعليم، فكان جزاءها القتل، واي قتل؟
نكبتنا من هول الجريمة الإرهابية أشغلتنا عن ما قيل ونشر عنها في وسائل الإعلام حتى قبل أيام، لنكتشف أن أغلب ما نشرته وسائل الإعلام افتقر إلى الدقة أو كان مجرد أكاذيب وتلفيقات. لكن تصريح يونادم كنا، عضو مجلس النواب، إلى قناة الرافدين الفضائية يوم السبت 10 / 3 / 2018، بعد أقل من (30) ساعة على اكتشاف تلك الجريمة البشعة كان أشدها وقعا وأكثرها إيلاما.
يونادم كنا قال بالحرف الواحد: “هذه جريمة بشعة… معيبة جدا”، “عصابات ومافيات منفلتة تعيث في البلد فسادا…”، “هذه نتائج ضعف سلطة القانون والوضع الاقتصادي المتردي الذي يخلق العوز والحاجة للسرقة والجريمة…”، “الجريمة جناية عادية وليست استهدافا…”، “هذه العصابات ما كانت لترتكب هكذا جرائم إن لم يكن وراءها جماعات مسلحة تحت مسميات مختلفة فضفاضة…”.
يونادم كنا، كيف “أفتيت” أن هذه الجريمة البشعة جناية عادية وليست استهدافا وخبراء الأدلة الجنائية ما انتهوا بعد من فحص مسرح الجريمة وقبل أن تبدأ شرطة مكافحة الإجرام بالتحقيق؟ فوالله لا يعلم كنه هذه الجريمة إلا الذي أقسمت به والمجرمين السفلة الذين شاركوا فيها، تخطيطا وتنفيذا، فكيف عرفت أنت إذا؟ كلامك هذا لا أراه إلا تكهنا أو مداهنة وتضليلا. والتكهن في أمر جلل مثل هذا لا يليق بك، لاسيما وأنت تحتكر التمثيل السياسي لمسيحيي العراق منذ 2003 عندما نصبك بول بريمر عضوا في مجلس الحكم ولحد الآن. أو أنك، بقولك هذا، تحاول تضليل الرأي العام تزلفا لأولياء نعمتك أو استجداءا لدعم، ولك في ذلك سوابق. ألست أنت من لوحت بملف التحقيق في قتل وتهجير مسيحيي الموصل في تشرين الأول 2008 لأكثر من عامين؟ وبعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة يوم الأحد 31 تشرين الأول 2010، ألم تنقلب تصريحاتك رأسا على عقب بين صبيحة الإثنين وعصر الثلاثاء الذين أعقبا الأحد الدامي؟
لو كان دافع هذه الجريمة البشعة السرقة وحسب، لنفذ اللصوص الجريمة في أي وقت بين الصباح وبعد الظهر حيث دار الضحايا المغدورين خالية… لو كان دافع هذه الجريمة البشعة السرقة وحسب، فلماذا القتل؟ وحتى لو كانت هذه الجريمة جناية سطو مسلح وقتل “عادية” (كما أفتيت)، فلماذا القتل بهذه الطريقة البشعة؟ فشقيقي طعن (17) مرة وزوجته خنقت ثم طعنت (6) مرات. أما السيدة خيرية عبادة ذات الـ (86) عاما فقد فارقت الحياة رعبا وهلعا من هول ما رأت، لكن المجرمين السفلة طعنوا الجثة الهامدة (6) مرات. وإذا كانت هذه جريمة “عادية” (كما أفتيت)، فلماذا تلطيخ جدران وأرضية الدار بدماء الضحايا؟ أهذه جريمة “عادية” أم مجزرة مروعة؟
أيضا، أتعلم أن السرقة ما كانت دافع الجريمة؟ فخبراء الأدلة الجنائية وجدوا في محتويات الدار التي قلبت رأسا على عقب ما يزيد عن (11) مليون دينار ومصوغات ذهبية. ما تاكد “سرقته” لحد الآن الهواتف النقالة وأوراق شخصية فقط… فعن أي سرقة وعن أي “دوافع اقتصادية” تتحدث؟ وكيف تفسر، يا يونادم كنا، سرقة الهواتف النقالة وأوراق شخصية فقط؟
أتنكر، يا يونادم كنا، أن مجزرة العائلة المسيحية هذه كانت “الحلقة الأخيرة” في سلسلة استهدافات للأقليات في بغداد الجديدة وأطرافها بدءا بالشاب الكلداني سامر صلاح الدين الذي قتل في شارع عام وفي وضح نهار الأحد 25 شباط مرورا بالصابئي المندائي شاكر محمود دربايةالخدادي الذي اختطفته وسطت على محله في بغداد الجديدة وعذبته وقتلته “عصابة مسلحة”؟
غبطة البطريرك لويس ساكو عد هذه الجرائم المتسلسلة استهدافا للمسيحيين. وكذا أكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بيانه المؤرخ في 13 آذار والنائبين الشريفين جوزيف صليواوعماد يوخنا ومنظمات المجتمع المدني وألوف العراقيين. كل هذا وأنت تقول “جناية عادية”!
أخيرا، أتعلم يا يونادم كنا، أن السيد رئيس مجلس الوزراء وجه، في 20 آذار، بإحالة ملف التحقيق بكامله إلى جهاز الأمن الوطني، ولك أن “تفتي” بسبب هذا القرار.
يونادم كنا، اعتذر عن تصريحاتك تلك وكفر عن ذنبك، كي لا تكون محامي الشيطان وإسخريوطيهذا الزمان، فكفاك متاجرة بدماء المسيحيين وآلامهم…