22 نوفمبر، 2024 1:54 م
Search
Close this search box.

2017

نتبادل التهاني والتبريكات، في كل مناسباتنا الوطنية والدينية، في راس السنة الميلادية يتمنى الجميع للجميع عاما سعيدا مليئا بالافراح والمسرات و( تحقيق الاماني)، وهذه التهنئة هي العبارة التقليدية التي يتداولها الاحبة والاصدقاء فيما بينهم..ولم يخطر ببال احد، سؤال بسيط، هو اننا على مدى سنوات عمرنا، وعلى عدد مناسباتنا السنوية التي مرت بنا، وعلى عدد امنياتنا وتكرارها، لم يتحقق ولو جزءا يسيرا منها، بل اكاد اجزم ان العكس هو الذي تحقق، ففي كل عام تزداد مآسينا وتتفاقم معاناتنا، في اعياد الفطر والاضحى، تكون تهنئتنا على هذا الشكل ( ادعو الله ان يعيده عليكم باليمن والبركة) واذا بالبركة تتناقص سنة بعد اخرى واليمن يختفي ليحل العسر والحاجة بدلا عنه، ابي، الذي امتد عمره بين احتلالين كاملين منذ دخول البريطانيين بغداد حتى دخول الامريكيين اليها، كان يقص علينا من الحكايات ما يشير الى ان الحال من اسوأ الى اسوأ في كل عام، وباختصاراته المعروفة فايام الانكليز افضل من ايام الجمهورية، وايام الزعيم قاسم افضل من ايام الاخوة عارف، وايام البكر افضل من ايام صدام، ولكنه لم يجد الوقت ليخبرني فيما اذا كانت ايام صدام افضل مما نحن فيه الان، ولكن مايجري الان لايختلف فيه مختلفان..
العراقيون، وربما هناك من يماثلهم من العرب، يتناقص سقف امنياتهم عاما بعد عام، الاباء والامهات في العراق ومثل باقي البشر، كانوا يحلمون بمستقبل وردي لابنائهم ، ان يتخرج ابنه او ابنته من الجامعة، وينال شهادته ويمارس حياته ويبني مستقبله، هذه الامنيات كانت قبل ثلاثين عيدا، بمعنى خمسة عشر عاما، اما اليوم فقد تناقص سقفها ليصل، الى ان يحفظ الله ابنه سالما، ليس بالضرورة ان يكون طبيبا او مهندسا او عالما او مبدعا، المهم ان ينام الليل في البيت ، ليس مهما ان ياكل او يشرب او يعيش مرتاحا، بل ان يبقى سالما، بعد سنوات من الان، اذا ما بقي الحال على هذا المنوال مع امنياتنا المتكررة بعام سعيد، فان السلامة ربما تتعرض لتحد جديد، مثلا ان يكون اي فرد من العائلة جريحا، مصابا، ولكن من المهم ان يبقى على قيد الحياة، ان يعيش في خيمة نازحين مهانا جائعا كسيرا دون كسوة ودون فراش افضل كثيرا من يموت في تفجير عبوة او حزام ناسف، ان يعيش مريضا بالسكري، وبفشل كلوي، افضل من تخطفه ميليشيا ، او ان يعتقل لتشابه الاسماء او بسبب تقرير من مخبر سري لسنوات لايعلمها الا الله دون محاكمة وتحقيق، ان يظل عاطلا بلا عمل حائرا محتاجا لايملك كفاف نفسه واولاده، افضل من ان يختفي في معتقلات سرية لا وجود لها، وبشكل جمعي فقد تناقصت احلام العراقيين وايضا بعض العرب خلال السنين الاخيرة، من سقف الحلم بالديمقراطية والسعادة والحقوق والحريات الى مجرد الحصول على الامن و الخدمات (من كهرباء وماء وصحة وتعليم) ، تنازل الجميع عن حقوقهم وحرياتهم مقابل الحصول على أقل ما يمكن، ثم مع تزايد العنف وتردي الاوضاع لم تعد تهمهم الخدمات بقدر ما يهم الامن، ولان الامن مفقود فانهم اكتفوا الان بطلب الستر والعافية، وحيث ان العافية مفقودة فلم يبقى لهم الا الستر، وفي النهاية سيدرك العراقيون وبعض العرب ربما، ان مجرد بقائهم على قيد الحياة هو معجزة ليس الا.. وربما منحة او مكرمة من العصابات والميليشيات والزمر الحاكمة..
احد المثقفين العراقيين كتب في اليوم الاخير من العام 16 رسائل عبر الفيسبوك معنونة الى ( الله) كتب في واحدة منها ( امنية واحدة.. اريد وطنا آمنا.. هل هذا مستحيل؟)… وفي واحدة اخرى كتب ( وطني يمتلأ بالموت .. هل نسيت العراق؟..) هذه الرسائل كانت صدى للتفجير المزدوج الذي قام به انتحاريان من داعش وسط بغداد المزدحمة ليختتما العام بحفل دماء واحزان، مثلما توزعت برك الدم والاحزان في اماكن اخرى من وطننا لعل الموصل وحلب وارض اليمن قد ارتوت بالكثير منها، ولكن العراقيين في الليل تناسوا هذا الدم وتلك الارواح المغدورة، وراحوا يطلقون الالعاب النارية ابتهاجا بحزن جديد والام جديدة..
اخشى اليوم ان اقدم لكم ذات التهاني فتجري الامور كعادتها فتزداد سوءا، واخشى ان اطلب منكم ان نعكس هذه الامنيات الى مثلا (جعلها عاما حزينا مليئا بالمتفجرات والاحزمة الناسفة والارهاب والتهجير والنزوح)، فلربما تستمع الينا الملائكة بالصدفة وتقرر تحقيق امنياتنا فاذا بنا لانجد حتى خيمة للنزوح، لذا فكرت ان افضل الحلول هو التوقف عن طلب وتقديم الامنيات وارسال الادعية والتفكير لحظة بجد وبثقة بالنفس وبيقين تام في ان الحياة لاتسير بالامنيات والدعاء وان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم، وما اراه بانفسنا ليس سوى الخنوع والرضى بالهوان والاتكال وانتظار الفرج من الغيب والتنصل عن المسؤولية، فالانسان دائما يحصد ما زرعت يداه ومازرعناه كان افات ضارة سرت بيننا كسريان النار في الهشيم، لقد رضينا بالاحتلال ومن ثم رضينا بحكم العملاء والمأجورين والحمقى والسذج والمجانين والمرضى رغم علمنا بماضيهم، ولم نسال انفسنا ما الذي يمكن ان يقدمه هؤلاء لنا؟..
هل اقول اذن كل عام وانتم…

لم نريد من الله ان يعمل بدلا عنا، ان يحتج ويتظاهر ويعلن العصيان والثورة بدلا عنا،

أحدث المقالات