17 نوفمبر، 2024 8:49 م
Search
Close this search box.

2016 .. عام تحقيق الأمنيات أم التحسر على ما فات ؟؟

2016 .. عام تحقيق الأمنيات أم التحسر على ما فات ؟؟

مرة كنت أتابع برنامجا شبابيا في إحدى القنوات الفضائية وسأل المقدم احد ضيوفه بماذا يشعر الشباب في هذه الأيام ، وبطريقة تدل على التلقائية وعدم التحضير المسبق أجاب الضيف الشاب ، نتمنى أن لا نتحسر على السنوات والعقود السابقة فتقودنا الحاجة لعودتها وعيش تفاصيلها وان كانت تحتوي على رفاهية شحيحة بالفعل والكثير من الآلام ، لقد تذكرت تلك اللحظات ونحن نعيش ألأيام والساعات الأخيرة لانقضاء العام الحالي واستقبال العام الجديد 2016 ، و2015 من السنوات الصعبة على العراقيين الشرفاء لما مرت به من أحداث ، ففيها فقدنا الانبار وسالت لحد اليوم دماءا غزيرة لاسترجاع مركزها بانتظار تضحيات أكثر لتطهيرها بالكامل فعلا ، كما إنها السنة التي شهدت أسوأ انخفاضا لأسعار النفط منذ 11 عام ، فنحن شعب يعتمد على إيرادات النفط في تمويل 95% من الموازنة الاتحادية رغم ما نمتلك من ثروات عديدة أنعم الله بها علينا ، ولكننا تكابرنا عليها واتفقنا أن لا نعتمد سوى على النفط رغم ما يمتاز به من رائحة كريهة تزكم الأنوف وتؤدي للتعود على مبيعاته بطريقة تشبه الإدمان على دخول المراهنات التي تسبب مآسي كبيرة في الخسران ، فهذا النفط يدر الدولارات التي يتم بها توفير أكثر من 90% من احتياجاتنا من الاستيراد بدلا من الإنتاج المحلي .
في 2015 تبخرت آمالا كثيرة في التغيير الذي كان يعول عليه البعض بعد انتخابات نيسان 2014 وخرجت تظاهرات في أسابيع عديدة في ساحة التحرير وغيرها من مدن العراق لتدوير بوصلة الاصلاحات إلى الاتجاه الصحيح ، وأثبتت الأيام إن ليس كل ما يتمناه المرء يناله ما دامت هناك معرقلات في طريق التصحيح ، فالبناء حين يكون فيه اعوجاجا فان التصليح يجب أن يكون من الأساس ، والمشكلة التي مر بها العراقيون إنهم يبنون فوق أساسات هشة ويضطرون بعدها للتفليش والهدم والبناء من جديد لا إلى حيث وصلوا ولكن من تحت الأساس ، والعلة تقع في اثنتين على الأقل وهما الافتقار للقيادة الكفوءة القادرة على تحديد المشكلات وتلبيتها بالشكل المطلوب وولوج الخيارات غير المألوفة التي تثبت صحة الصحيح ، وثانيها أن يكون للشعب صوتا حقيقيا في مختلف القنوات الديمقراطية بشكل يجعله مسموعا ومؤثرا ويخشاه الحكام من دون منحه لمن لا يستحقونه بضوء العواطف التي لا تراعي مصالحه قط ، ولا يزال البعض يعتقد إن الأسماء المكررة ربما تتاح لها الفرصة في بلوغ الأمنيات في يوم من الأيام ، وفي هذا الاعتقاد يضيعون الفرص ويهدرون الوقت وفي ظل ذلك تتناقص الموارد يوما بعد يوم دون أن يتحقق شيئا ملموسا فنذهب باللوم على الفساد متناسين إننا صانعيه .
عند الساعات الأخيرة لتوديع عام 2015 تروج (الإشاعات ) التي تنذر بالشؤم وتتوعد العراقيين بأيام أصعب من حيث تدبير لقمة العيش ، فالبعض يروج إن مخزونات المال لدى الحكومة على وشك النفاذ ولم يبقى منها سوى ما يكفي إلى 6 أشهر كحد أقصى ، والبعض الآخر يشيع لمقترحات تتعلق بتقليص عدد الموظفين أو ساعات وأيام عملهم بمرتبات مخفضة ، وفي ظل الصمت الحكومي إزاء ما يتم تداوله نفيا أو إثبات يزداد ترديد المثل الشعبي القائل ( المفلس في القافلة أمين ) فاغلب أبناء شعبنا لم يشعروا بترف حقيقي طوال السنوات والعقود الماضية ، فكل ما تحقق لهم هو امتلاك تلفزيون وستلايت وموبايل وبعض الحاجيات البسيطة التي لا ترقى لإسعاد النفس البشرية المليئة بالأمنيات والطموحات ، لأنهم لم يصلوا إلى الحد الأدنى من التمتع بحقوقهم الأساسية بشكل يليق بكل إنسان ، إذ لا تزال الكهرباء منالا صعبا في الشتاء والصيف عدا بعض الأسابيع التي تتحول إلى استثناء عن قاعدة القطع العشوائي ولا تنافسها الخدمات الأخرى في هذا الشأن ، فأخوات الكهرباء حلت محل أخوات كان كالخدمات الصحية والسكن والبطالة والفقر والتسرب من الدراسة والجريمة المنظمة وقائمة أخرى يطول ذكرها ، وقد أضيفت لها أوضاع النازحين في الداخل الذين يحتاجون إلى مليارات الدولارات لإعادتهم بعد ( التحرير) وتزايد أعداد المهاجرين الذين نشك في عودتهم بالأمد القريب .
قد تكون هذه الكلمات مؤلمة للمتفائلين بعام 2016 ، وكانت واحدة من أمنياتنا أن نكون من ضمن المتفائلين أيضا ولكن ليس على حساب خداع النفس ، فكل ما نمتلكه هي أمنيات ومن أمنياتنا لقمة حلال نأكلها دون التحسر على إشباع ملايين الجياع ، وان تعود ألينا ضحكات نطلقها بقهقهة تصل إلى سيل الدموع ، ولنا أمنيات تسرح في أفكارنا لتعبر إلى شواطئ التحقق دون أن تعترضها حقول الروتين والبيروقراطية والمحاصصة المقيتة التي جاءت ب(النطيحة والمتردية ) ، ومن أمنياتنا أيضا أن تفتح ممرات أمنة لتطبيق الأفكار الإبداعية المفيدة للشعب دون أن تصطدم بجهل المسؤولين وقصور الإمكانيات أو الدعوة لتطبيقها في الوقت المناسب ولحين انجلاء الموقف ومغادرة الفاسدين ، ومن أمنياتنا أيضا هو التقدير الصحيح للوقت دون هدره في السيطرات والازدحامات المصطنعة فنصل إلى مقصدنا ب20 دقيقة بدلا من ساعتين ، نعم نحن شعب حي لا يموت ولكن البعض يريد قتل الأمل في نفوس أبنائنا وبناتنا من الشباب عندما نقول لهم اجتهدوا في دراستكم وتعلموا ، فيقولون ولماذا نبالغ في جديتنا والتعيينات موقوفة لما بعد 2019 والقطاع الخاص مصاب بالشلل الرباعي ، كما يجيبون لماذا نتعلم احدث التقنيات ولا يطبقون سوى المتقادم منها لكي نبقى في النمط الاستهلاكي لعقود ونستورد من الخارج ابسط الاحتياجات .
ويستطيع أي (عاقل) أن يدحض معظم الأمنيات المتفائلة عندما يحلل وضع البلد اقتصاديا في عام 2016 وما سيترتب بعده من التزامات مالية ، فأسعار النفط أن ارتفعت فسوف لا تزيد عن 45 دولار في أحسن الأحوال ، وإذا كان هذا السعر ( صافيا ) بعد تنزيل الخصومات من النفط العراقي التي تتضمن فرق الكثافة وامتزاج الماء وغرامات تأخير التحميل وفرق التأمين وحوافز الشراء وأجور شركات النفط في جولات التراخيص ، فان العجز في الموازنة سيكون أكثر من 25 مليار دولار وتم التخطيط بقانون الموازنة الاتحادية لتغطيته بالقروض والسندات والحوالات ويعني ذلك إن المشكلة واقعة بالفعل ، وعلى المستوى السياسي فليس من المتوقع إيجاد الحلول الجذرية لنسبة مهمة من الخلافات السياسية نظرا لعمقها وارتباطها المعروف ، وهي خلافات غير خافية ويتم الإفصاح عنها علنا في الإعلام ولها تأثيرها الواضح في المشهد اليومي الذي يؤثر على العديد من جوانب الحياة ، ولا جديد في الخدمات فهي بتراجع في ظل ضعف الموازنة الاستثمارية ، ولعل المسائل الأكثر أهمية هي تحرير وإعمار المدن وكيفية التصدي للبطالة ومعالجة طموحات وفراغات الشباب ، ورغم كل ذلك نتمنى بصدق عاما سعيدا للعراقيين مع الدعاء بان لا تضطرنا الظروف أن تكون ضمن أمنياتنا الحنين للسنوات السابقة لان فيها الكثير من مرارة الطعم ، وفي كل الأحوال فنحن بشر نقول ما نقول ولكن الله يفعل ما يشاء . 

أحدث المقالات