حماسي انفعالي حمل بصمة كهنوتية غريبة على الدبلوماسية الأمريكية، هكذا بدا خطاب نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قبل أيام في الكنيست الإسرائيلي، حين وعد الحضور بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس نهاية العام القادم، ثم أسهب بالحديث عن فضل اليهودية على العالم، وإسهاماتها في بناء الصرح الإنساني، مشيرا إلى أن قصص التوراة، كانت إحدى أهم العوامل التي ساعدت المهاجرين الأمريكيين الأوائل على تحمل المصاعب والمحن، لتحقيق الحلم الأميركي .. وفي مكان ليس بالبعيد عن مكان هذا الخطاب المثير للجدل، ولأكثر من أربعين عام والقبائل البدوية المصرية في السويس تحط الرحال عند ضريح العبد الصالح ( أبو سريع)، حتى نشب صراع بين قبيلتين حول عائدية هذا الضريح الذي يدر مبلغ مليون جنيه مصري سنويا، كواردات من نذور البدو الفقراء، مما اضطر الحكومة المصرية إلى التدخل لفض هذا النزاع، بحل توافقي وهو نقل الضريح إلى مكان محايد، وعند نبش القبر لغرض نقل جثمان العبد الصالح (أبو سريع) تبين إن المدفون هو رأس عجل.. في أقصى الشرق، حيث تحدث المسيرة المليونية للهندوس إلى نهر الكانج المقدس، لغرض التطهر بمائه الذي ترمى فيه ألاف الجثث سنويا والتي تكون اغلبها محترقة جزئيا لعدم قدرة الفقراء من أهل الموتى شراء حطب يكفي لحرق جثث أقربائهم بالكامل، في هذا الحشد العظيم كان هنالك رجل في نهاية العقد الخامس من العمر، لحيته تصل إلى منتصف بطنه، وشعره منسدل على كتفيه وقد تعرى نصف جسده، الذي غٌمر إلى المنتصف في مياه هذا النهر المقدس، في لحظة صفاء روحي كان يحمل ماء هذا النهر الملوث، ويصبه على رأسه ويستنشقه ويتغرغر به، في هذه اللحظات القدسية، سأله احد الصحفيين الغربيين عن مهنته وما يفعله، ليطلق المفاجئة التي أذهلت الجميع، حين تبين انه أستاذ علم الأحياء المجهرية في إحدى الجامعات الهندية، وبدرجة بروفيسور، والأغرب هو ما قاله عن تلك الطقوس التي كان يؤديها (أنا اعلم جيدا إن اخطر أنواع البكتريا والجراثيم تعيش في هذا الماء، لكن لدي إيمان مطلق باني لن أصاب بأي مكروه ) .. حين نحاول إيجاد مخارج منطقية للحالات الثلاث التي ذكرتها، سنقول إن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس استخدم خطابا ديماغوجيا موجها إلى يهود العالم الذين يشكلون معظم جماعات الضغط السياسي والاقتصادي في أميركا والعالم، لكسب ودهم ودعمهم وذلك لرئيسه المهدد بالسقوط في أي لحظة، نتيجة سياسته الرعناء، وان ما قاله لا يعدو سفسطة سياسية .. وأما ما حدث مع أبو سريع، فكان نتاج جهل تراكمي امتد لقرون عاشته تلك القبائل البدوية البعيدة عن الحضارة، وان الإنسان في مجتمعاتنا العربية المتخلفة كلما ازدادت قسوة الحياة عليه وأعباءها، وسط تخلي الحكومات عن أداء دورها اتجاهه، نراه يلجأ إلى الغيبيات بكل مسمياتها وعناوينها دون تدقيق أو سؤال كنوع من التعويض النفسي له لتحمل تلك الأعباء.. وأما عالم الأحياء الهندي فلا تفسير لتصرفه هذا سوى ما قاله هو، تأثير العقيدة والتنويم الاجتماعي الذي عاش تحت طائلته لعقود.. لكن هل ما ذكر يمكن إن يعد تفسيرا منطقيا للحالات الثلاث ؟ أن يجتمع رجل سياسة وهو نائب رئيس أعظم دولة في العالم مع بدو سيناء وعالم هندي، تحت سقف الخرافة والوهم بتلك القناعة المنقطعة النظير، وتلك الحماسة الدينية، قد يقول قائل هنا أو هناك.. إن من يسير هذا العالم نحو هذه الهوة من الجهل والفقر والتناحر القومي والاثني، هم القادة الحقيقيون له المختبئون في إحدى دهاليز جزر البحر المتوسط، أو الماسونية العالمية التي لا نعرف عنها سوى اسمها .. لكن ما اعتقده إن من يسير هذا العالم هو إرادة شعوبه وقدرتها على تخطي عتبة الجهل والتخلف والحرمان، وان العقيدة جزء حساس، قابع في منطقة مظلمة بين الوعي ولا وعي، تتحكم فيها عدة عوامل أهمها، البيئة والتعليم والمصالح الشخصية في بعض الأحيان.