23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

17 تموز 1968 .. انقلاب ال 13 يوم ..

17 تموز 1968 .. انقلاب ال 13 يوم ..

في السابع عشر من تموز العام 1968 تم إسقاط نظام الرئيس عبد الرحمن عارف.. واجبر رئيس الجمهورية على مغادرة البلاد.. ولم يتم فيها إراقة دماء حسب الاتفاق بين طرفي الانقلاب.. وهما: كتلة احمد حسن البكر وكتلة القصر الجمهوري: إبراهيم الداوود (آمر الحرس الجمهوري) وعبد الرزاق النايف (معاون مدير الاستخبارات العسكرية).. وأطلق على ذلك الانقلاب اسم (الثورة البيضاء ).. لكن لم يمض سوى 13 يوما حتى استطاعت كتلة البكر (حزب البعث) السيطرة وإقالة وزارة عبد الرزاق النايف وتسفيره خارج العراق.. وقد برر البكر والبعث ذلك بان إبراهيم الداوود حنث الاتفاق واخبر النايف بالعملية وموعدها ففرض النايف نفسه عليهم قبيل ساعات من تنفيذ الانقلاب.. فكان لابد من طردهما الاثنين في اقرب وقت ممكن ..
الواقع إن ظروف ما بعد نكسة حزيران 1967 فرضت بروز كتلتين : الأولى: كتلة طاهر يحيى رئيس الوزراء.. والثانية: كتلة إبراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف.. وكل كتلة تحاول إزاحة الأخرى.. واستطاعت كتلة (الداوود- النايف) إزاحة كتلة يحيى.. والسيطرة على الرئيس عبد الرحمن عارف مستغلة طيبته وضعف وشخصيته المسالمة.. ورتبا الأوضاع لصالحهما داخل القصر الجمهوري.. فقد استطاعا إقناع عارف من نقل المقدم سعدون غيدان الى القصر الجمهوري.. كذلك نقل فيصل عبد الحليم الى خارج القصر.. وهو قريب زوجة عبد الرحمن عارف.. لأنه رفض التعاون معهما في التآمر على عارف.. وحاولا إقناع مقدم لواء الحرس فاضل مصطفى بالتعاون معهم لكنه رفض.. وقال لهما: (إن من يحاول إسقاط الرئيس عارف فاني أضع رأسه في فوهة مدفع الدبابة).. وذهب الى الرئيس عارف واخبره بالأمر فاستدعاهما الأخير بحضور مصطفى.. لكنهما تمكنا من خداع عارف وإقناعه بان مصطفى يريد الإيقاع بينهما وبينه لإبعادهما عنه كي يتمكن من الانفراد به وإسقاطه.. وقد صدقً عارف قولهما.. بعد أن اقسما بالقرآن الكريم على عدم نيتهما تدبير محاولة انقلابية ضده.. وكان عارف يشك بأحد أفراد عائلته بل حتى بزوجته.. كما قال ولا يشك بالداود النايف.. وأمام ذلك طلب مصطفى نقله ملحقاً عسكرياً الى تركيا فنقل وسهل نقله تحرك الداوود والنايف ..
محاولات التحالف :
بدأ إبراهيم الداوود تحركه للتحالف لإسقاط عارف بمحاولة التعاون مع عارف عبد الرزاق فزاره في السجن.. ويتحدث عن تلك الزيارة صبحي عبد الحميد خلال مقابلة ليً (أنا كاتب هذه الدراسة) معه، حيث يقول: (زار المقدم إبراهيم الداوود السجن.. وقابل عارف عبد الرزاق وعرض عليه فكرة القيام بانقلاب ضد الرئيس عبد الرحمن عارف.. ويصبح عارف عبد الرزاق رئيسا للجمهورية.. على إلا يفكر بموضوع الاشتراكية ولا موضوع الوحدة مع مصر.. فنهره عارف عبد الرزاق وهمً بضربه ب (النعال).. وقال له: (أنا الآن في السجن بسبب الاشتراكية والوحدة العربية.. فكيف أتخلى عنهما”!! وحينما همً الداوود بمغادرة السجن طلب عارف منه حمل سلة البرتقال التي جلبها معه) ..
لذلك تحرك الداوود والنايف على اللواء الركن عبد العزيز العقيلي.. لكن العقيلي اشترط عليهما أن يبقيا ضابطين في الجيش فقط بعد نجاح الحركة.. لذلك لم يكن غريبا أن يعلن (بشير الطالب) الملحق العسكري العراقي في بيروت صبيحة يوم الانقلاب (17تموز): (إن التغيير جاء بقيادة اللواء الركن عبد العزيز العقيلي).. اعتقاداً منه إن النايف والداود قد نفذا فكرة الانقلاب لصالح العقيلي وبالتنسيق معه ..
أما عبد العزيز العقيلي فقد دون في دفتر مذكراته اليومية في هذا الصدد قائلاً: (حال وقوع الانقلاب اتصلت بعبد الرزاق النايف.. الذي سبق أن زارني عدة مرات قبل حوالي سنة ونصف واتفقا أن يخبرني قبل 24 ساعة من موعد العمل العسكري لقلب الوضع على أساس إنني رئيس للحكومة).. ويضيف العقيلي طلبتُ منه في اتصال هاتفي معه أن يرسل لي سيارة عسكرية ثم ارتديت ملابسي العسكرية.. وكررت الطلب مرة ثانية منه أن يعجل بإرسال السيارة.. فاعتذر بعدم وجود سواق فهرعت الى سيارتي وذهبت الى وزارة الدفاع حيث وصلت الساعة 6,45 صباحا.. ويضيف العقيلي: انه اكتشف إن النايف تعاون مع البكر والبعثيين.. وإنهم بدءوا يتجمعون في الساعة الخامسة عصراَ.. فوجدتُ من الخير أن اتركهم وحدهم ..
ويبدو إن النايف اتفق معهم بخلاف الاتفاق الذي جرى بيني وبين النايف.. ولا ادري ماهو الدافع الحقيقي لعملية الغدر بيً.. وكان من المفروض من النايف أن يخبرني سلفا بالأمر.. باعتباري رئيس الحكومة (الانقلابية) ..
كذلك تحركا على رجب عبد المجيد الذي اشترط عليهما مشاركة ناجي طالب (رئيس وزراء سابق).. وان يكون هما (أي الداوود والنايف) ضابطين في الجيش فقط.. لكن ناجي طالب ينفي ذلك ، ويقول انه كلن خارج العراق ولم يحدثني رجب بمثل هذا الأمر.. وهكذا فشلت كل تحركاتهما.. لكن لم يصبهما اليأس..
ويتحدث عبد الكريم فرحان القيادي في التيار الناصري ووزير سابق.. في مذكراته حصاد الثورة) قائلاً: (ركب الغرور مجموعة الداوود ـ النايف وشجعها ضعف رئيس الجمهورية واستجابته لجميع الطلبات المقترحة وثقته المطلقة بهذه الكتلة.. وبدأت هذه الكتلة تعمل على إقصاء عبد الرحمن عارف.. وإزاء قرب التخلص من عبد الرحمن عارف بدا ليً أن ابذل آخر محاولة لإيقاف التدهور وتنبيه الغافلين.. فاتصلتُ هاتفيا بطاهر يحيى (رئيس الوزراء) وإسماعيل خير الله وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية وذهبنا الى غرفة الرئيس عارف وتحدثنا معه ثم أخرجت ورقة تضمنت مسودة ميثاق مجلس امن وطني برئاسة رئيس الجمهورية.. ويضم في عضويته كل من طاهر يحيى وعبد الكريم فرحان وإسماعيل خير الله.. ونبهته على تحركات النايف ـ الداوود، واتفقنا على عقد اجتماع أسبوعي.. لكن عند خروجنا قال النايف ما معناه: (هيهات أن يوثق بحكومة يرأسها حرامي !!).. آي برئاسة طاهر يحيى !! وعلى الفور توجهتُ الى الرئيس عارف وأخبرته بما قاله النايف ورجوته إجراء تحقيق بذلك ووعد بذلك.. ثم عدتُ وأخبرت رئيس الوزراء طاهر يحيى بالموضوع.. لكن كان رد طاهر يحيى غريبا.. إذ قال: (لقد جاء الى مكتبي عبد الرزاق النايف.. واقسم انه لم يقل ما
نسب إليه).. ويضيف فرحان: لذلك اضطررت الى تقديم استقالتي في 18 -3- 1967واردفتها ثانية بتاريخ 5-6-1968 ..
التعاون مع البكر :
لم يجد أحمد حسن البكر بداً من التعاون مع إبراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف لإسقاط عبد الرحمن عارف.. وتسلم البعث السلطة.. لكن لم تكن له علاقات بينهما.. فوجد ضالته بحردان التكريتي الذي كان مقيما آنذاك في لندن. ولم يكن البكر يرتاح لحردان نتيجة لدوره في 18 تشرين الثاني 1963 وإسناده لعبد السلام لكن للضرورة أحكام.. ولابد مما ليس له بد.. فبدأ البكر بمراسلة حردان التكريتي بشكل سري وأقنعه الى العودة الى بغداد فورا للمساهمة بالعملية العسكرية.. والضغط على الداوود وحملهِ على التعاون معنا.. فالمعروف عن حردان انه مرتبط بعلاقات وطيدة مع شركات النفط العاملة في العراق.. لذلك فانه اخذ يضع شروطاً مسبقة سياسية ونفطية للمشاركة.. ورضيَ البكر بها جميعاً وعاد حردان واستطاع بعد جهود إقناع الداوود والنايف.. الذين اشترطا بمشاركة البكر وحردان وصالح مهدي عماش على أساس إنهم ضباط وطنيون ومن ثوار تموز 1958. وليسوا بعثيين واقسم الثلاثة على ذلك!! استمرت المباحثات بينهم وشكلوا مجلس قيادة الثورة مكون من الخمسة (احمد حسن البكر- رئيسا لكبر سنه ورتبته الأعلى.. وعبد الرزاق النايف.. وإبراهيم الداوود.. وصالح مهدي عماش، وحردان التكريتي!! ..
ويتحدث جلال طلباني في هذا الموضوع لمجلة الوسط الصادرة في لندن في 16 -11- 1968 قائلاً: (كانت هناك مجموعة من الضباط تخطط للقيام بمحاولة انقلابية.. ومن هؤلاء عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود وبشير الطالب.. واتصلوا بعبد الستار عبد اللطيف الذي تربطني به علاقة.. والتقينا في بيته.. وكان من بين الحضور إضافة الى عبد الستار أنا والشهيد فؤاد ألركابي.. واقترحوا أن يكون ألركابي رئيساً للوزراء،.. لكنه رفض العرض.. عندئذ عرضوا مشروعهم على مجموعة البعث (البكر- صدام) .. ويضيف الطالباني قائلاً: (في تلك الفترة جرى لقاء بين بشير الطالب الملحق العسكري في بيروت مع الملحقين العسكريين (البريطاني والإيراني).. وقرروا الاتصال بمجموعة عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود من اجل القيام بانقلاب في العراق.. وهو ما أخافنا من التعامل مع هذه المجموعة.. فذهبتُ الى الرئيس عبد الرحمن عارف وأبلغته بما يجري فقال ليَ: (استدعيتُ إبراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف وسعدون غيدان (آمر كتيبة الدبابات في القصر الجمهوري ).. وأقسموا أمامي بالقران الكريم (إنهم لن يتآمروا عليّ ) ..
الدور الدولي في الانقلاب :
إضافة الى ما ذكره جلال طالباني (زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ) عن الدور الدولي في الانقلاب .. كما ذكرنا..
يتحدث احمد الحبوبي (وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة عارف): (انه في أواخر شهر تشرين الأول العام 1967 سافرتُ الى بيروت بعد وعكة صحية ألمت بيً .. وقد زارني ناصر الحاني ـ سفير العراق آنذاك في بيروت ودعاني للغذاء في زحلة للحديث في أمور هامة
ـ حسب تعبيره ـ وبدأ حديثه بإستفزازي قائلاً: لماذا تقاطعون أمريكا …؟ فاندهشتُ.. وقاطعني قبل إتمام ردّي بقوله: مهما يقال بهذا الخصوص.. فالمصلحة تقتضي الاصطفاف مع أمريكا وإعادة العلاقة معها لمصلحة العراق ولا مصلحة في معاداة أمريكا.. ويجب أن تغيّروا سياستكم.. وإنه ينتهز هذه الفرصة ويتكلم مع وزير مسؤول.. ويرجوني أن انقل حديثه الى طاهر يحيى (رئيس الوزراء).. لم اخفِ استغرابي من حديثه الصريح.. وعزوته الى عدم رضاه عن مكانه في بيروت سفيراً بعد أن كان سفير العراق في واشنطن.. فقلتُ له: ألا تعلم انك تعارض سياسة حكومتك ؟!! : ضحك وأجاب: إنني لم اختلف مع سياسة حكومتي بل أعارضها.. وأرجوك يا أستاذ أن تنقل حديثي هذا الى طاهر يحيى لتعديل الموقف من أمريكا قبل فوات الأوان.. أجبته، وقد استفزتني عبارة فوات الأوان.. إنني لا انقل رسائل منك أو من غيرك.. لكنني سأناقش هذا الموضوع الخطير مع طاهر يحيى.. وعند عودتي ناقشتُ الموضوع مع طاهر يحيى.. وكان تعليقه هذا يخروت !!
ويجدر بالذكر انه بعد الانقلاب أصبح ناصر الحاني وزيرا لخارجية الانقلاب.. والتقاه ألحبوبي في حسينية عبد الرسول علي في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد.. لقراءة الفاتحة على روح صديق.. فقال له الحاني ها أستاذ شكتلك.. فردً الحبوبي عليه (العاقبة بالخواتيم يا الدكت. وفي 30 تموز 1968 سيطر البعث وأقيلت الوزارة ولم تمض ثلاثة أشهر حتى وجدت جثة الحاني مرمية قرب قناة الجيش قريباً من بيته ..
خفايا الانقلاب :
المهم يذكر الرئيس عبد الرحمن عارف خلال لقائه حنا بطاطو في شباط 1970 والمنشور في كتاب بطاطو: العراق ـ الكتاب الثالث ـ الشيوعيون ـ البعثيون والضباط الأحرار ص391) حيث كان مقيماً في منفاه في تركيا قائلاً: (إن النايف لم يكن في هذا الأمر أكثر من أداة حكمها إغراء المال).. وهو يعتقد إن شركات النفط الرئيسة في البلاد والقوى التي تقف في خلفها قد سعت منذ منح العقد لشركة (ايراب الفرنسية).. والتوصل الى تفاهم المساعدة التقنية مع الاتحاد السوفيتي لتطوير حقل الرميلة الشمالي.. الى البحث عن عملاء يعملون على تدمير حكمه.. وقال عارف أيضاً: (إن حجبه امتياز الكبريت عن شركة بان اميركان.. سجلوه على حسابه.. وفي النهاية وجدوا إن النايف هو الرجل الذي يحتاجون عليه.. اشتروه من خلال العربية السعودية وبواسطة الوسيطان بشير الطالب وناصر الحاني .. وأكد عارف انه يقول هذا عن معرفة وليس بناءً على مجرد شكوك.. فقد أكد ذلك في لقاء آخر في لندن مع الباحث هيثم غالب الناهي والمنشور في كتابه (خيانة النص) حيث يقول عارف: (استلمتُ خبراً في الثاني من حزيران 1968 من دائرة الأمن العامة مفاده إن السفارة البريطانية في بغداد تتلقى بصورة مستمرة مع بعض الضباط الذين مازالوا في السلك العسكري وبعضهم من المتقاعدين.. وقد شوهد كل من حردان التكريتي واحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وأكرم الياسين يزورون السفارة البريطانية ليلاً على شكل مجموعات لايتجاوز الاثنين وبواقع مرتين في الأسبوع للفترة الماضية التي لا تتجاوز الشهرين.. كما شوهد احمد حسن البكر مرات عدة يزور السفارة البريطانية منفرداً كل ثلاثة أيام مع بزوغ الفجر حتى لا ينكشف أمره) ..
ويؤكد عبد الرزاق النايف: انه قرر القيام بحركة تصحيحية في الحكم.. وذلك في صبيحة يوم السادس عشر من نيسان 1968.. لكنه (أي النايف) طلب تأجيل الموعد.. وأرسل كلاً من نزار الأنصاري وتحسين عبد الحميد السوز لتبليغ قادة حركة الثوريين العرب.. التي كان يتزعمها طالباً عقد اجتماع في بغداد في التاسع من نيسان.. وفي الاجتماع الذي حضره النايف والسوز والأنصاري وتسعة من قيادي الحركة سُئل النايف عن أسباب التأجيل فقال: (اقسم بالله العظيم لقد اتصل بيً السفير البريطاني في بغداد وقال: إن حركتكم لاتتم حسبما تريدون.. وسوف نجهضها ونجهض عارف معكم مالم تشركوا من نريد ؟ وأعطاني موعداً فأتقيته في الموعد وبصحبته احمد حسن البكر.. وقال: هذا ومن معه سوف تتعاونون معه على الثورة) ..
وفي السابع عشر من حزيران سلمت دائرة الأمن العراقية الى الرئيس عبد الرحمن عارف تقريرا مفصلاً عن خيوط الانقلاب العسكري.. وبمساعدة الكويت والأردن من خلال سعد صالح جبر والدكتور ناصر الحاني.. وجاء في التقرير: إن المعلومات التي وردت في التقرير أخذت من شخصيتين أردنيتين تم القبض عليهما.. وهما يرومان دخول السفارة البريطانية في بغداد بالمستمسكات بعد أن روقبا بدءاً من دخولهما الأراضي العراقية ..
كما إن مدير الأمن العام رشيد محسن كان قد اجتمع مع الفريق طاهر يحيى قبل أسبوع من 17 تموز 1968 وقال له: (إن الموضوع مستوي وان مصر قد أخبرتهم إن ثلاثة ملايين دينار سلمت الى السفير العراقي في بيروت الدكتور ناصر الحاني ووصلت الى بغداد ووزعت عليهم ومنهم احد ضباط القصر الجمهوري برتبة ملازم.. الذي كانت حصته 70 ألف دينار لمجرد فتح أبواب القصر للانقلابيين) ..
وكانت أخبار قد ترددت على لسان سليم أللوزي صاحب مجلة الحوادث اللبنانية تناولت كل واحد له دور خطير في الإعداد لانقلاب 17 تموز.. فقد أفادت تلك المعلومات (إن حردان التكريتي إستلم من الدكتور ناصر الحاني في بيروت مبلغ خمسة ملايين دولار قبيل الانقلاب).. وفي 9 – 7- 1968 أجرت جريدة الأخبار القاهرية مقابلة مع الرئيس عبد الرحمن عارف قال فيها: (إن هناك مؤامرة ضد العراق لتغيير وجهه العربي..واتهم عارف جهات أجنبية بالوقوف وراءها).. وكانت حكومة طاهر يحيى قد ذكرت في 1-7-1968 إنها ضبطت قافلة مكونة من 32 جملا محملا بالأسلحة كانت في طريقها الى داخل العراق.. وقالت: (إن التحقيق أثبت إن الأسلحة كانت مرسلة الى جماعة معينة لإثارة فتنة).. حسب ماجاء في روز اليوسف القاهرية التي نشرت الخبر.. وذكرت صحيفة الحياة البيروتية نقلاً عن مصادر بريطانية: (إن حكومة الفريق طاهر يحيى كانت قد مارست في الفترة الأخيرة سلسة من الضغوط على شركات النفط، في الوقت نفسه الذي كانت شركة نفط العراق تعجز عن استغلال جزئي للثورات النفطية) ..
وفعلاً كانت أوضاع العراقية الاقتصادية آنذاك سيئة.. يقول الرئيس عبد الرحمن عارف خلال حديثه مع الدكتور غالب الناهي (نفس المصدر): (زارني السفير البريطاني في التاسع من كانون الثاني 1968 ووعدني بحل كل مشاكل العراق الاقتصادية وتقديم مساعدات مالية للخزينة العراقية وعروض أخرى اقتصادية وثقافية ونفطية لمساعدة العراق شرط أن يتم ترسيم الحدود مع الكويت في موعد أقصاه عيد استقلال الكويت في شباط 1968).. حينها أكد
الرئيس عارف للسفير البريطاني: (إن مسالة الكويتية ـ العراقية معلقة.. ولا أريد أن أثيرها فدع الامور على ما هي .. وسوف ازور الكويت قريباً ليكون ذلك اعترافاً ضمنياً باستقلالية الدولة الكويتية ضمن قناعتي.. أما إذا كانت تلك الحدود مشروطة من قبلكم فإننا لا يمكن تلبيتها على حساب التلاحم العراقي).. عندها إبتأسً السفير البريطاني وإنتفض ليخرج منزعجا ووجهه كله شؤم وغيض.. وقال: (لابد أن تأخذ الكويت حقها الحدودي آجلا أم عاجلا.. وهذه قناعة كل المسؤولين العاملين تحت التاج البريطاني) ..
لكن استمرار العراق في تعزيز علاقاته النفطية خاصة مع فرنسا أجبرت السفير البريطاني في العراق على معاودة اللقاء بعبد الرحمن عارف.. وحذره من إن بريطانيا لا تتورع في استعمال أية طريقة لإيقاف التعاون مع فرنسا أو غيرها من دون بريطانيا.. فكان جواب عارف للسفير: (العراق عراقنا.. والأرض أرضنا والنفط نفطنا فأية اتفاقية لا تنسجم مع شعبنا نحن غير ملزمين بتوقيعها أو تنفيذها أو حتى مناقشتها.. وإننا بصدد تدريب ملاكاتنا بفرنسا لنستثمر نفطنا بأيدي عراقية مستقبلا) ..
إن الامور الاقتصادية.. وخاصة النفطية مع فرنسا أفقدت وزير الخارجية البريطاني صوابه وهدد علنا في السابع من نيسان العام 1968 بإنزال القوات المظلية البريطانية في العراق لحماية الآبار البترولية المنتجة والمنتشرة في أنحاء العراق ..
كيف نفذ انقلاب 17 تموز1968 ؟ :
سارع عبد الرزاق النايف إلى إعداد خطة تنفيذ الانقلاب بالاشتراك مع إبراهيم عبد الرحمن الداوود وسعدون غيدان واحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وحردان عبد الغفار التكريتي وأنور عبد القادر الحديثي.. حيث جرى الاتفاق فيما بينهم على تفاصيل خطة الانقلاب معتمدين على كتيبة الدبابات التي كانت في القصر تحت إمرة سعدون غيدان.. وجرى الاتفاق على أن يأخذ سعدون غيدان كل من: أحمد حسن البكر.. وصالح مهدي عماش.. وحردان التكريتي بسيارته الخاصة إلى داخل القصر الجمهوري ليقوموا جميعاً بالسيطرة على كتيبه الدبابات فجر يوم 17 تموز 1968.. فيما يقوم عبد الرزاق النايف بالسيطرة على وزارة الدفاع.. وأنيطت مهمة السيطرة على دار الإذاعة إلى إبراهيم الداوود ..
وفي فجر ذلك اليوم قام سعدون غيدان بإدخال الضباط المذكورين وهم يمثلون حزب البعث.. بسيارته الخاصة.. وتم لهم على الفور السيطرة على كتيبة الدبابات المذكورة.. وأحاطوا بها القصر.. وقاموا بإطلاق خمس5 إطلاقات من مدافع الدبابات كخطوة تحذيرية لعبد الرحمن عارف.. الذي أستيقظ من نومه.. وحالما وجد القصر مطوقاً بالدبابات أعلن استسلامه.. وطلب تسفيره إلى خارج العراق ..
وفي الوقت نفسه تحرك عبد الرزاق النايف نحو وزارة الدفاع بمساعدة عدد من الضباط الموالين له.. وسيطر على الوزارة دون عناء.. فيما توجه الداوود إلى دار الإذاعة بعدد من الدبابات وسرية من الحرس الجمهوري وسيطر عليها دون قتال.. وقام بإذاعة البيان الأول للانقلاب في الساعة السابعة والنصف من صباح ذلك اليوم 17 تموز1968 ..
حاول الانقلابيون في بيانهم الأول التغطية على الأهداف الحقيقية للانقلاب.. وجرى ذلك تحت شعار حل القضية الكردية وإحلال السلام في كردستان.. وإقامة الديمقراطية في البلاد.. وإتاحة الفرص المتساوية للمواطنين.. وانتصار حكم القانون.. والتأييد الحازم للقضية الفلسطينية.. داعين إلى تحديد مسؤولية الهزيمة في حرب حزيران.. ولم ينس البيان التهجم على الحكم السابق واتهامه بشتى التهم من رجعية وعمالة وغيرها ..
وخلال الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم تم للإنقلابيين السيطرة على البلاد.. وانتهى كل شيء.. وجرى اعتقال رجالات النظام ألعارفي وعلى رأسهم رئيس الوزراء طاهر يحيى.. وجرى على الفور تسفير رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف بطائرة عسكرية إلى لندن.. حيث كانت زوجته تعالج هناك.. ثم انتقل بعد ذلك إلى تركيا واتخذها مقراً لإقامته لسنين عديدة ..
مرً 13 يوماً على الانقلاب على عارف.. لينقلب البعثيون على حلفائهم .. ويستلموا الحكم بمفردهم.. بعد طرد كتلة (الداود ـ النايف) ..