يشكل السادس عشر من آب 1946 علامة فارقة في تأريخ الأمة الكوردية ومسيرة النضال القومي،في مثل هذا اليوم قبل (79) عامًا حدثت ولادتان غيرتا مجرى التأريخ الكوردستاني، وفتحتا آفاقًا جديدة ومرحلة مهمة امام القضية الكوردية ،الا وهي ميلاد الحزب الديمقراطي الكوردستاني وميلاد الرئيس مسعود بارزاني ،وكان المخاض العسير للولادتين ،جاءتا لتكمل الواحدة الأخرى، لخوض نضال شاق ومرير،من اجل تحقيق آمال وطموحات شعب كوردستان، والخلاص من الظلم والإضطهاد وتدوين صيغة جديدة للتعايش السلمي و شراكة حقيقية مع إخواننا في الوطن،ومنح المواطن العراقي فرصة جديدة للحياة بغض النظر عن الإنتماءات والولاءات التي كانت وماتزال سائدة في مجتمعنا.
مواجهة وتحديات
واجه الحزب خلال مسيرته النضالية الطويلة تحديات كبيرة ومنعطفات حادة، واجهها بحكمة وعقلانية كل حسب مقتضياته ،فتارة لجأ للكفاح المسلح بوصفه وسيلة للدفاع عن الأرض والشعب، وأخرى باللجوء للحوار والتفاهم مع الأنظمة العراقية التي تعاقبت على حكم العراق،،دون المساومة او التنازل عن الحقوق المشروعة لشعبنا التي تقرها جميع الشرائع السماوية والوضعية ،بوصفها حقوقًا إنسانية عادلة، حالها حال المجتمعات الأخرى، التي ترغب العيش بسلام ووئام مع الآخرين ورفض أي نوع من الهيمنة والخضوع والإملاءات من الآخرين.
ايمان الحزب بالحوار
عندما نطلع على النظام الداخلي للحزب ونهجه ونطالع ادبياته السياسية وتعاطيه مع القضايا القومية والوطنية وسلوكه في التعامل مع الأحزاب والقوى السياسية الكوردستانية و العراقية، على مدى العقود الماضية، نصل الى قناعة تامة بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يؤمن ايمانًا راسخًا بتطبيق النظام الديمقراطي الحر بوصفه وسيلة لتحقيق الأمن والإستقرار،عن طريق ترويج الثقافة الديمقراطية وبناء مجتمع حضاري، يؤمن بشكل جلي، ان الحوار والتفاهم هو الوسيلة الأنجع للوصول مع الطرف الآخر الى حلول جذرية،مهما تكن المشاكل والخلافات معقدة.
على الصعيد الكوردستاني
عمل الحزب منذ نشأته على إيجاد أرضية مرنة لبناء علاقات ودية مع الأحزاب والقوى الكوردستانية،والتعاطي معها وفقًا للمصلحة القومية وليس المصلحة الحزبية الضيقة، لذلك سعى الحزب الى بناء علاقات متوازنة مع سائرالاحزاب والقوى الكوردستانية، وبادر الى إيجاد أرضية للعمل المشترك واحترام مواقف ومبادئ تلك الأحزاب و دعمها من اجل تماسك البيت الكوردي،ولتحقيق هذا الهدف، تنازل في كثير من الأحيان عن استحقاقه الحزبي ،خدمة للقضية القومية التي تعد القضية الجوهرية للأمة الكوردية.
على الصعيد الوطني
بادرالحزب الى بناء علاقات اخوية مع جميع الأحزاب والقوى الوطنية العراقية، وقام بدعم تلك القوى في زمن المعارضة والنضال ضد النظام الدكتاتوري،حيث جعل من جبال ووديان كوردستان أحضانًا دافئة لجميع تلك القوى، ودعمهم بشكل متواصل، لتشكيل قاعدة معارضة كبيرة لتكون بمستوى التحديات التي كانت تواجه الشعب العراقي بجميع مكوناته وتوجهاته السياسية والثقافية، وأصبحت كوردستان معقل المعارضة العراقية ونقطة انطلاق للعمل السياسي والعسكري ضد النظام.
دور فاعل في المعارضة العراقية
اغتنم الحزب كل فرصة سانحة للعمل المشترك والتعاطي الإيجابي مع الوضع العراقي المعقد، اثناء النضال ضد النظام الدكتاتوري، وقام بتنظيم العديد من المؤتمرات للم شمل المعارضة العراقية ومنها مؤتمرات لندن و واشنطن وصلاح الدين، التي قادت الى اسقاط النظام وإيجاد تغيير جذري في بنيته ،لأجل بناء نظام ديمقراطي حر، وتوفير فرصة ومساحة لكل مواطن عراقي للتعبير عن رأية في المجال الإعلامي والمشاركة الحرة في الانتخابات،ايمانًا منه بضرورة التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الأقتراع.
مشاركة فاعلة في قيادة الإنتفاضة الجماهيرية لشعب كوردستان 1991
العلاقة الوثيقة بين الحزب والجماهير والثقة المتبادلة ،جعل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني حجر الزاوية في قيادة أي حركة جماهيرية او انتفاضة شعبية في كوردستان،لذلك كان دور الحزب في قيادة (الجبهة الكوردستانية) التي قادت الإنتفاضة الجماهيرية في عام 1991،دورًا فاعلًا بل حاسمًا،حيث كانت لتوجيهات الرئيس بارزاني وقيادة الحزب في اصدار الأوامر لقوات البيشمركة وتوجيه الجماهير داخل المدن الكوردستانية الى جانب قيادة القوى السياسية المنضوية في اطار(الجبهة الكوردستانية)،للسيطرة على المباني الحكومية وتحرير مقار حزب البعث والمراكز الأمنية، حافزا للجماهير المنتفضة ورفع معنوياتهم، في السيطرة على المدن بشكل كامل وطرد سلطات وقوات النظام من المدن و وضع خطط لحفظ الأمن والإستقرار وعودة الحياة الطبيعية الى تلك المدن، والبدء بتقديم الخدمات الأولية للمواطنين الذين ذاقوا الويل والثبور طوال فترة سلطة البعث وقبلها.
بدأ مرحلة جديدة وانشاء إقليم كوردستان
بذل الحزب الديمقراطي الكوردستاني،الى جانب القوى السياسية الكوردستانية،جهودًا جبارة واستثنائية،بعد انتصار الإنتفاضة الشعبية، وتشكيل اول حكومة في إقليم كوردستان،في اول انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة، اسرع الشعب من خلالها الى صناديق الإقتراع بإرادة حرة وسط التفاؤل ببناء كيان مستقل في المستقبل،ونتيجة لثقة الجماهير بالحزب الديمقراطي الكوردستاني ونضاله الذي دام بحدود اكثر من أربعة عقود والتفافه حول قيادته،تم بناء المؤسسات الرسمية البديلة عن مؤسسات النظام التي انسحبت من كوردستان ،ونال الحزب أكثرية اراء الناخبين ولكن من اجل الحفاظ على التجربة الفتية والحفاظ على المكتسبات،تنازل عن بعض استحقاقاته للأطراف الأخرى، لتعزيز تماسك البيت الكوردي وحفظ كيان إقليم كوردستان.
سقوط النظام الدكتاتوري ودور الحزب في كتابة الدستوروالمشاركة في الحكومة ومجلس النواب
بعد محاولات ومساع كبيرة، تمكنت قيادة الحزب من خلال قيادة المعارضة العراقية،إقناع القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، بضرورة اسقاط النظام الدكتاتوري،بسبب حروبه الكارثية وجرائمه التي طالت معظم أبناء الشعب العراقي،حيث قاد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حربًا شرسة وتمكنت من اسقاط النظام ،حيث شارك الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى جانب الأحزاب الكوردستانية والعراقية بمختلف توجهاتها في كتابة الدستور وكان للرئيس مسعود بارزاني دور متميز في مشروع كتابة الدستور،حيث مكث في بغداد لأشهر متتالية، لمتابعة سير العمل اليومي في صياغة المواد والفقرات بدقة متناهية،لضمان حقوق جميع أبناء الشعب العراقي.
ولكن للأسف عندما ثبتت الحكومة الإتحادية مواقعها وتحقق نوع من الأمن والإستقرار وكجميع الأنظمة السابقة،تنصلت عن تنفيذ الدستور الذي صوت عليه اكثر من 80% من أبناء الشعب العراقي،وبدأت بعض القوى السياسية التي كانت تتخذ من كوردستان وكرم ابنائها ملاذًا آمنًا لهم، تنكروا لكل ذلك الجميل وقاموا بمعاداة إقليم كوردستان وفرض حصار اقتصادي جائر عليه عبرقطع حصته من الموازنة وقطع رواتب موظفي الإقليم، لخلق الفوضى والبلبلة وإعادة عقارب الساعة الى الوراء عبر نسف كيان إقليم كوردستان، وإعادة النظام المركزي الذي قاد العراق الى حروب وكوارث و ويلات.
لكن الحزب الديمقراطي ومن خلال دوره الرئيس في حكومة إقليم كوردستان،تمكن خلال السنوات الأحدى عشرة الماضية من إدارة الأزمة الاقتصادية بشكل مهني مبهر و منقطع النظير،فضلا عن الحفاظ على امن واستقرار الإقليم من الميليشيات الخارجة عن القانون وضغوطات دول الجوار،التي تحاول بين آونة وأخرى زعزعة الأوضاع الأمنية من خلال قصف المدن والمراكز الحيوية الاقتصادية في الإقليم بالصواريخ والمسيّرات.
وفي الختام
ونحن نحتفل بالذكرى ال (79) لميلاد حزبنا الديمقراطي الكوردستاني وقائدنا الرئيس مسعود بارزاني،نعاهد الجماهير الكوردستانية المناضلة والعراقية الحبيبة معًا،ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني،ومن خلال ثقله السياسي والجماهيري، سيبقى المدافع الحقيقي عن النظام الفدرالي الإتحادي في العراق وسيسعى من خلال مظلة القانون والدستور، لبناء دولة عصرية وتوفير حياة حرة كريمة لجميع المواطنين العراقيين، فضلا عن استمرار جهوده ومساعيه للحفاظ على كيان إقليم كوردستان، وتحقيق آمال وتطلعات الجماهير الكوردستانية وتحقيق حلمهم الكبير،وسوف لم ولن يتنازل عن الحقوق الدستورية لشعب إقليم كوردستان، مهما تعقدت الأمور وتزايدت التحديات، واشتدت الضغوطات الداخلية والإقليمية.