19 ديسمبر، 2024 12:49 ص

15 سنة.. تتمّة لخراب صدام

15 سنة.. تتمّة لخراب صدام

يولد الإنسان وينمو ويترعرع ويدخل إلى المدرسة فينهي مرحلة الدراسة الابتدائية كلّها ثم المتوسطة، ويغدو بالغاً مؤهلاً للزواج وإنجاب البنات والبنين. كلّ هذا في خمس عشرة سنة.
وفي خمس عشرة سنة يُنهي الصبي أو الصبيّة المتخرج/ من المرحلة المتوسطة دراسته الثانوية فالجامعية ويغدو معلماً فيخرّج ثماني مراحل دراسية أو مهندساً يشقّ عشرات الطرق ويقيم عشرات المباني والصروح، أو طبيباً يعالج آلاف المرضى وينقذهم من الموت، أو مديراً يقود المؤسسات أو الشركات.. أو، إذا شاء واقتدر، يواصل تعليمه العالي فينال شهادة الماجستير ثم الدكتوراه ويصبح خبيراً رفيع المستوى في اختصاصه وينتمي إلى نخبة المجتمع المرموقة.
في خمس عشرة سنة تطوّرت دولة الإمارات العربية المتحدة من كيانات قبلية متشرذمة تنتمي لمرحلة ما قبل الدولة إلى دولة قوية باقتصاد يحتلّ إحدى المراتب الأولى عالمياً بسرعة نمو فائقة. وكذا الحال بالنسبة لـ “النمور الآسيوية”، سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية، التي انتقلت في خمس عشرة سنة أيضاً من دول شبه منسيّة إلى دول قائدة في مجال الاقتصاد ورائدة في مجالات التكنولوجيا والعلوم.
السرّ في تجارب هذه الدول الأربع التي حقّقت لشعوبها الأمن والسلام والرفاه، يكمن في توافر القيادة العاقلة الحكيمة التي أدركت تحدّيات القرن العشرين العاصفة وعقدت العزم على المواجهة والمجابهة بإرادة قوية وبروح وطنية عالية.
هذا السرّ هو ما ينقصنا هنا في العراق الذي كان مؤهلاً لأن يُصبح في الخمس عشرة سنة المنصرمة أقوى وأغنى وأكثر تقدّماً من هذه الدول جميعاً.. نقص العقل وغياب الحكمة هما ما جعلا صدام حسين ومن ثم خلفاءه الذين تمرّ اليوم خمس عشرة سنة على تولّيهم مقاليد الأمور، يعودون بالعراق إلى حقبة ما قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة، لجهة التخلّف الحضاري والتردّي في مستوى المعيشة (الفقر والبطالة يبلغان مستويات فلكية تتجاوز نسبتها الآن 25 بالمئة !).
تجربة الخمس عشرة سنة هذه سجّلت فشلاً مدوّياً آخر لجماعات الإسلام السياسي التي حكمت البلاد فانغمرت في وحل الفساد الإداري والمالي بدل أن تنخرط في بناء دولة قويّة بشعب مرفّه.
وإذ نحن على أبواب انتخابات برلمانية جديدة، فلا يمكن لأيّ إنسان عاقل إلا أن يقرّر بأقل قدر من التفكير بأنّ الذين كانوا سبباً في كل هذا الخراب المحيق بالوطن وأهله لا ينبغي التعويل عليهم ومنحهم الثقة من جديد .. لقد أخذوا فرصتهم وزيادة، وهم الآن لا تنمّ عنهم أي بادرة بالشعور بالذنب والاعتراف بالخطأ، ما يعتبر دليلاً قوياً على العناد والمكابرة .. صدام حسين كان هو نفسه عنيداً ومكابراً، فكان أن قاد العراق إلى الخراب .. وخراب الخمس عشرة سنة الماضية (الإسلامي) هو نتيجة وتتمة وذروة لذاك الخراب…
باختصار شديد، الإسلام السياسي أتمّ في الخمس عشرة سنة الماضية المهمة التي لم تكتمل في عهد صدام!