23 ديسمبر، 2024 11:50 ص

داعش ليس يتيما

داعش ليس يتيما

يحكى أن غرابا أراد ان يعظ ابنه، ويعطيه درسا ينفعه في الدفاع عن نفسه في حال تعرضه الى مخاطر في حياته، فنصحه قائلا:
“عندما ترى شخصا من بني آدم ينحني الى الأرض، فتيقن ياولدي أنه انحنى ليلتقط حجارة، ولن يتوانى عن لقمك بها لامحالة، فاسرع مااستطعت واهرب بعيدا عنه”.
رد عليه ابنه:
“وماذا لو كان هذا الشخص ياأبتِ حاملا حجارته في جيبه؟”.
هنا تنفس الغراب الأب الصعداء، وقال:
“الآن اطمأن قلبي عليك ياولدي، فما دمت تحسب حسابات كهذه، أنت في مأمن عن شرور ابن آدم”.
ماذكرني بحكاية الغراب وابنه، هو التقدم الذي أحرزته وتحرزه القوات العراقية بصنوفها وتشكيلاتها كافة، في مدن ونواحٍ عديدة من الأراضي العراقية، والتي أسهمت الخيانة والتهاون والأحقاد وبيع الضمائر وغيرها من المسببات مجتمعة، في احتلالها من قبل عصابات داعش، والتي ماكان من المفترض ان تحدث. لكن، كما قيل في أمثالنا الشعبية: (ماكو زور يخلى من الواوية). وما كان هذا التقدم الذي تحرزه هذه القوات بجديد على العراقيين -جيشا وحشدا- فجيشنا غني عن التعريف في صولاته طيلة عمره الذي بلغ ما يقرب المئة عام، وتشهد له بهذا أراضٍ عربية فضلا عن الأراضي العراقية. أما الحشد فعناصره هم أفراد الشعب أنفسهم، وهم من المواطنين البسطاء الذين تأخذهم الشهامة والنخوة لما يحدث لبلادهم، لاسيما وانهم يحملون عقيدة راسخة في نفوسهم رسوخ الشجرة في باطن الأرض، ولهم في التعامل مع الظروف العصيبة سجل حافل بالنصر والتغلب على ما يصادفهم من صعاب، على اختلاف أصنافها ومصادرها. فسابقا لم تنل من أفراد الشعب العراقي كل المحاولات الحثيثة من قوى إقليمية أرادت بكل ما أوتيت من قوة، خلال الأعوام التي أعقبت عام 2003، بث التفرقة وتمزيق لحمته ونسيجه الفسيفسائي الذي بقي سالما على مر قرون، رغم تكالب أعداء له أتوه من مشارق الأرض ومغاربها، كان التتر واحدا منهم وليس بأبشعهم، كما أنه لم يكن بآخرهم، فما حدث منذ العاشر من حزيران عام 2014 فاق ماتحدث عنه التاريخ في أحداث اجتياح التتر الأراضي العراقية.
وفي حقيقة الأمر أن العراقيين بقدر ماكانوا -في بداية خرق الموصل الكبير- قلقين حول ماآلت اليه الأوضاع، وتداعيات تقدم عصابات داعش وتوغلها في أراضيهم، هم اليوم يستبشرون خيرا بما يحققه جيشهم وحشدهم، من نصر في استرداد أراضٍ لم يكن سهلا -بحسابات أعداء العراق- استردادها، بل سعى كثير منهم الى إدخال اليأس في قلوب العراقيين، وهذا قطعا لغاية -بل لغايات- في قلوب مريضة، كانت ومازالت تكن للعراق الحقد والكراهية منذ أربعة عشر قرنا، لأسباب أظن الدافع الرئيس فيها طائفيا، ومعلوم أن المعتقد الوهابي النابع من أرض الحجاز، هو الأداة الفاعلة التي يستخدمها المغرضون من إسقاط العراق أرضا وشعبا وحضارة ومكانة بين باقي الأمم. وهؤلاء المغرضون لايتمثلون بداعش فقط، إذ أن تنظيم داعش ليس يتيما، بل له آباء وأمهات، وأخوان وأبناء، وأولاد عم وأولاد خال كثيرون، بل كثيرون جدا، وهم بين ظهرانينا وفي محلات اشتغالنا، عن يميننا وعن شمالنا، كذلك هم في مدننا وشوارعنا ودور عباداتنا يعيثون خرابا، بين مفسد ومنافق، وخداع ومراءٍ، وسارق ومتقاعس، وهؤلاء تقع مهمة الخلاص منهم على عاتق المواطن نفسه في تعاملاته اليومية معهم، إذ عليه فرزهم أولا، وتشخيصهم ثانيا، والسعي الجاد والصادق بنفيهم خارج مراكز التحكم والسيطرة في المجتمع ثالثا، أما رابعا وخامسا وعاشرا؛ فعليه أن يضمن شرهم المضمر لمستقبل الأيام، بالتحسب مما قد يتخذونه سلاحا ضده، كتحسبات صاحبنا الغراب الابن.
[email protected]