23 ديسمبر، 2024 8:38 ص

( 02) أي أفق للمسرح الرقمي في العالم العَـربي ؟

( 02) أي أفق للمسرح الرقمي في العالم العَـربي ؟

عتبة المــنصــة :
من بين المسلمات التي لا يمكن أن نختلف حولها ؛ بأن المجتمع العربي بكل تجلياته تابع تبعية مطلقة للعالم الغربي، بعض منا مكره لأسباب اقتصادية والبعض عن طواعية لأسباب سياسية صرفة والمسألة لا تتعلق بمرحلة ما بعْـد الاستعمار؛ بل الإشكالية لها امتداد تاريخي . مدخلها الغزو الثقافي لثقافتنا العربية. فإذا عُـدنا للفكر التراثي الخلد وني؛ الذي اهتم كثيرا بالعمران والعصبية ؛ نجده يفسر الموضوع بالقول: إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّـه ونِحْـلته وسائر أحواله وعوائده ، والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه إما لنظرة بالكمال بما وَقـَر عندها من تعظيم أولما تغالط به من أن انقيادها ليس لغـَلب طبيعي ، إنما هو لكمال الغالب …ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في مَـلبسه ومَركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله…..(1) وبالتالي فالطرح واضح جدا ؛ ارتباطا بالآن . فكلما وقع وطرأ للعالم الغـَربي تغيير في بنيته الاقتصادية والفكرية والإجتماعية ؛ إلا ويسعى المجتمع العَـربي عبر أنظمته وساساته وأجهزة الدولة؛ التغيير والتغير لمنطوق حضارة الغرب . بدعوة المواكبة الحضارية ؛مما نقفز على عدة محطات أساسية للحاق بالركب الغربي/ الأمريكي ، في نفس اللحظة متغافلين عن الخصوصية كمحدد لوجودنا أولا وثانيا عن الذهنية العربية كيف تفكر؟ وكيف تعيش؟ وبالتالي فالتحولات تفرض نفسها كواقع مادي ملموس؛ ولكن الإشكالية الخطيرة؛ هم يفرضون( الآخر= الغـَرب) علينا أن نتحول مدنيا / اقتصاديا / فكريا / أمنيا / اجتماعيا /…./ ارتباطا ببعض المواثيق الدولية وصناديق النقد الدولي وهـذا ليس جديدا؛ بأن المجتمع العربي تبعي وتابع للغرب في كل مجرياته؛ وممارساته وأهدافه ؛كما أشرنا . لكن بعْـد اجتياح فيروس كورونا المستجد، والذي ساهم عمليا بتعطيل معْـظم المرافق الحيوية والإجتماعية ؛ جَـدليا بشلل في التواصل الجماهيري القائم على الحضور المباشر، سواء في الملاعب الرياضية والمسارح والقاعات السينمائية أو الأندية وغيرها؛ مما تقوى مدخل تقنيات التواصل وتفعيلها وتنشيطها عن بعْـد عبر كافة وسائل الاتصال المتاحة والممكنة ؛ مما لم يعُـد هناك جدل أونقاش؛ ولنؤمن بأننا أمام ثورة معلوماتية كبرى وغـزو تكنولوجي رهيب ، وبالتالي فعوالم الرقمنة أمست تكتسح كل المجالات وأمست مقتضياته وفعاليته وتفاعله النموذج المحتذى ؛ في هيكلة وتنميط الحياة الإجتماعية والثقافية والسياسية ؛ في العالم الغربي والأسيوي والأمريكي ( تحديدا) وهنا فالعالم العربي يسعى قـَسرا ومكرها أن يرقمن عوالمه وبنياته ؛ فعلى سبيل المثال إذا نظرنا للنموذج التنموي المغربي يقول في إحدى صفحاته: العمل على جعل الرقميات والقدرات التكنولوجية عاملا أساسيا في التنافسية وتحديث المقاولات وتطوير مهن وقطاعات جديدة تتماشى والتحولات العالمية. تعُـد البنية التحتية الرقمية وقدرات اعتماد التكنولوجيات الرقمية محددات مهمة لتنافسية أي بلد، بالنظر للمكانة المتنامية للتكنولوجيات الجديدة ضمن جميع قطاعات الاقتصاد، وهو ما يتطلب خدمات رقمية موثوقة وذات جودة. ويمر تعزيز تنافسية الاقتصاد المغربي عبر مقاربة إرادية وحثيثة من أجل تعميم الولوج إلى الأنترنيت ذي الصبيب العالي في جميع جهات المملكة، وإلى الأنترنيت ذي الصبيب العالي جدا في مناطق الأنشطة الاقتصادية المكثفة. وينبغي أن يكون تأهيل البنية التحتية الرقمية مصحوبا بعملية تحسين سريعة للقدرة على استخدام التكنولوجيات الجديدة (2)
يبدو أن الفقرة جلية وترتكز على علاقة جدلية بين الرقمنة والقدرات التكنولوجية ، وذلك لتحقيق المنافسة؛ هاته المنافسة تتشكل عمليا في تحديث المقاولات وتطوير مهن وقطاعات جديدة تتماشى والتحولات العالمية . بما فيها فنون العرض والفرجة ؛ وبالتالي فالمسرح العربي في كليته هل هُـومستعِـد لخوض غمار المنافسة في إطار سوق الشغل رغـم تأسيس المقاولات أو الورشات ؟ هل هنالك شروط تقنية وتكنولوجية ولوجستيكي كافية لتفعيل الرقمية الملائمة تساهم فيها البيئة والمحيط ؟ هل عوالم الرقمنة بشكل عام في العالم العربي يحذوها التأطير القانوني والتطبيق الإجرائي لمواجهة التحديات التي تفرضها روح سائر الاتفاقيات في هذا الخصوص؟ هل المبدع العربي منخرط عمليا ونفسانيا وإراديا في عوالم الشبكة العنكبوتية ؟
هاته أسئلة تفرض نفسها بإلحاح :..وذلك ونحن على قناعة تامة ، أن الانترنت أسبغ على عالمنا صفة الرقمية في كل شيء. وأصبحت هي الوسيلة المُهيمنة على شبكة الاتصالات بين أفراد الكـَون، ممن ارتبطوا بعلاقات خاصة وعامة ( 3)بحيث أمست الشبكة العنكبوتية ؛ هي المتنفس والبوابة الأساس في المعاملات والتواصل بشتى أنواعه؛ مما تحول العالم إلى قرية مصغرة؛ تـَمْتلكه ويَمتـَلكـُك وأنت قابع في فضاء ضيق من غرفتك ؛ بما فيها العروض المسرحية ؛ وهذا تمظهر جليا إبان حمى الوباء الكوفيدي؛ بحيث انتقلت العديد من الأعمال الدرامية والفنية لبيوتات المهتمين وعموم الجماهير؛ مماتحول العرض المسرحي من العالم الحقيقي/ الفيزيقي إلى العالم الافتراضي/ الرقمي. وهاته النقلة المتفردة ليست وليدة اليوم؛ إلا أنها تطورت بتطور التكنولوجيا ووسائل التواصل.
داخــــل الـــمـــنصة :
ففي إطار الوضع الوبائي؛ تم توظيف عملي ولوجستيكي لوسائل التواصل بشتى أنواعها كصفحات [الفايسبوك/ face book ] و[ الهواتف الذكية/ ] و[ اللوحات/ Tablets]و[شاشات الكمبيوتر] و [الإنستغرام / insta gram] و[ اليوتيوب/ You tube ] ومنصّة [ لنا الفعل/Our Action ] و[التليفزيون/ télévision] بحيث كل فرقة ومؤسسة استغلت ما يساهم في تقريب منتوجها الفني والإبداعي للجماهير. ولقد أشرنا للعديد من التجارب المسرحية التي اخترقت الزمان والمكان لتكون قريبة من جمهورها والمتعطشين للفن الرابع (4) ولقد تحقق إلى حـدما شعار ((اقعـد فـي دارك المــسـرح يــجي حتـى لعــنـدك)) الذي رفعه مسرح عز الدين مجوبي بعنابة/ الجزائر؛ إعلانا عن مـيلاد المـسرح الــرقمـي في الجـزائــر؛ بحيث: أثبت المسرح الوطني الجزائري تواجده بقوّة على الساحة الثقافية، حيث لم تكن لجائحة كوفيد-19 أي تأثير على نشاطاته الفنية والثقافية، ليستكمل بعزيمة وثبات تواصله مع جمهوره الذي كان وفيا له في مختلف المناسبات، ويكون بذلك الفضاء الافتراضي… أفضل سبيل ليكون أبي الفنون قريبا من محبيه. عرف الفضاء الأزرق وقنوات «اليوتيوب» انتعاشا كبيرا للعروض المسرحية، بعد أن حرص القائمون على الفن الرابع في الجزائر، أن لا تكون فترة «كورونا» فترة للخمول والكسل والابتعاد عن عشاق أبي الفنون(5) فهذا الاندفاع نحو معانقة الفضاء الافتراضي كان له حضور قوّي من لدن المتتبعين والمبدعين؛ مما دعـم حلقة تواصل أساسية فيما بينهم ؛ وبالتالي: يعدّ مسرح عز الدين مجوبي بعنابة، من بين المسارح التي كان لها حضورا قوّيا خلال الجائحة، حيث تمرد مسيروه على هذا الوباء، وأحيا فيهم روح الإبداع أكثر، ليكثفوا من أعمالهم ويجدّدوا التواصل مع جمهورهم عبر الفضاء الافتراضي، الذي بات حلقة تواصل أساسية فيما بينهم، ويفتح المجال أكثر للتعرف على نشاطاتهم وإبداعاتهم (6) علما أن هاته الحلقة التواصلية لم يقتصر على هذا البلد أو ذاك بل كل حَـسب قـُدراته ؛ وإرادة مبدعيه ورغبتهم. وكيف يفهمون مفهوم التفاعلية ؟ وماهي الشروط والأدوات الوسائطية التي يمكن توظيفها لتحقيق جمالية العرض المسرحي الرقمي ؛ باعتبار أن الرقمنة بكلّ حمولتها الثقافية والتقنية ؛ خلقت منظورا وأساليب جديدة في البناء الإبداعي والفني . وهَـذا ما تشير إليه فرقة شكسبير الملكية في بيانها حول عملها«الحلم» والذي يعتمد على تقنية الواقع الافتراضي بحيث:الآن قررت الفرقة المضي قدماً في تقديم العرض داخل غابة افتراضية، مع الاستعانة بوضع مجسات حركة للممثلين تمكنهم من التفاعل مع ما حولهم والجماهير التي تتابع العرض من منازلها…. وأن العرض الجديد يعتمد على أحدث تقنيات الألعاب والمسارح في إطار تفاعلي يتجاوب مع حركة الممثلين أثناء العرض. ومن خلال الكومبيوتر اللوحي الخاص بهم أو الهاتف المحمول أو الموقع الإلكتروني الخاص بالعرض، سيكون بإمكان الجماهير التأثير على نحو مباشر على الأداء الحي من أي مكان في العالم (7) هنا نلاحظ مدى استجابة الفنان والمبدع الغربي مع التطورات الفارضة نفسها بكل إلحاح ، لكي يستعيد المسرح هيبته ؛ أو بالأحرى قوته المتجددة والمتطورة بتطور العصر. لأن المسرح الرقمي قضية حتمية عمليا ؛ نتيجة التفاعل بين المسرح والتكنولوجيا. وإن كان هنالك بعض معارضيه ؛ وخاصة من المؤلفين المسرحيين. لأن سلطتهم داخل العرض إلى حد ما ستنعَـدم أوستتقلص ؛ في سياق المسرح الرقمي الذي هو عبارة عن : نمط جديد من الكتابة الأدبية، يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، إذ يشترك في تقديمه عدة كتاب، كما قد يدعو المتلقي/ المستخدم أيضا للمشاركة فيه، وهو مثال للعمل الجماعي المنتج، الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة (8)
وبناء عليه ؛ فمكونات التواصل في المسرح الرقمي تكمن أساسا في المشاركة ؛ مشاركة الجمهور في أحداث المسرحية عبر مختلف المراحل ؛ انطلاقا من وضع المتلقي أمام مواقف مشهدية وسيناريوهات تفرض عليه اختيار طرق مواصلة المشاهدة. لتحقيق التفاعل الجدلي الحي مما يتحول المرسل إلى مستقبل والمستقبل إلى مرسل في المسرح الرقمي؛ بناء على مفهوم إرجاع الأثر[ feedback ] مما تسير عملية التواصل بشكل تصاعدي في شكل ومتطور وإن كانت الغلبة للأجواء الجمالية/ الفنتازيا التي يخلقها الكومبيوتر كفاعل أساس في العرض المسرحي؛ إضافة للأضواء. مما يصبح النص الرقمي نهاياته متعددة وغير موحدة ؛ نتيجة: تقنية النص المتفرع تحقيقا لنمط اللاخطية في الكتابة فضلا على إشراك المتلقي في مشاهد يكون بعضها ارتجاليا، بعد الاتفاق على تيمة درامية ينطلق منها النص، ويبقى العمل الإبداعي على هذه الشاكلة محلقا في الفضاء الافتراضي لشبكة الإنترنت، أو يكون على قرص مدمج، أو كتاب إلكتروني، دون أن تلامس أجنحته فضاء الورق(9)وهذا من بين أهداف الرقمنة في جميع المجالات الحيوية ،إلغاء الورق واستبدله بالأيقونات والتدوينات والكودات والإرسالية البرقية ؛ مما يلاحظ ؛ بأن المؤلف سيموت أو بالأحرى سينصهر ضمن الجماعة ؛ وبالتالي فالمطارحة التي أثارها رولان بارت: ((موت المؤلف)) في سياق ما بعْـد البنيوية ؛ ونحن الآن (نظريا / وهميا) ك[ عَـرب ] فيما بعـد الحداثة ؛ هل هي صائبة في سياق [ المسرح الرقمي] ؟ ومن زاوية تحرير النص من سلطة الكاتب كطرف مهيمن عليه؟ بكل بساطة فالكتابة في المسرح الرقمي هي شذرية بالأساس؛ يتحكم فيها الحاسوب ويبلورها بشكل مختلف عن النص التقليدي المرتب أحداثه في الزمان والمكان ؛ باعتبار أن الحاسوب كسلطة تقنية قلص كل الأمكنة جغرافيا أو بالأحرى أمست المسافة معدومة ، وكذا الحقب الزمانية . وهكذا بمجرد نقرة على زر؛ يتم اختلاق أحداث غير متزامنة ولا مرتبة ؛علما أن هناك مجموعة من العناصر الرقمية تتداخل في تحقيق فرجة مسرحية تفاعلية : يعتمدها النص التفاعلي في بنائه بوصفه “تقنية مميزة للنص المتفرع، تبنى على أساس نتائج المداخلات النصية التي يراد فيها استقطاب المتلقي والتفاعل معه (10 ) بحيث يصبح العمل جماعيا يغيب عنه المؤلف الذي يعكس إلى حد بعيد حياته الشخصية وتجاربه النفسية ؛ وبالتالي فالخطاب الرقمي يستهدف ملامسة الواقع الإجتماعي/ اٌلاقتصادي/ الفكري / بلمسات تقنية تغلف الخطاب بجمالية مفرطة وساحرة ، بعيدا عن العاطفة وشخصنة الأحداث. من هنا نتفق مع رأى ”بارت“ بنوع من المقاربة بأن وحدة النص لا تكمن في محطة انطلاقه، بل في محطة وصوله كنص مسرحي تفاعلي غير محدود : يمكن المتلقي أن يبحر في أي فصل من فصولها على الخيار فينتهي بما لا ينتهي به متلق آخر، وهذا ما يمنح النص حيوية ويجعله أكثر تميزا عن النص التقليدي المائل إلى الثبات (11) بحيث تمثل الروابط العنصر الأساس التي يفرضها [الحاسوب/computer ] في تقسم المشاهد و الفصول المسرحية، من تلك الروابط تنطلق حرية القارئ / المشاهد في اختيار أي فصل أو مشهد سينطلق منه عبر عملية الضغط المباشر لكي يحقق تفاعله معه ؛ أو العكس؛ ليختار رابطا آخر. فمثل هاته الطروحات على مستوى الكتابة النصية ( الرقمية) دونما الدخول في المجال التمثيلي/ التشخيصي والشخصية [ الافتراضية] أو [الممثل التخييلي] الذي : تنطبق عليه نفس شروط الممثل الواقعي الموجود أمام المشاهد، يكون بطلا أو أكثر غـير منظور وغـير موجود في عقل المتلقي، ورغم أنه ليس له وجود حقيقي منظور، إلا أن له وجودا منطقيا يفرض واقعيته داخل الحدث الدرامي نفسه. والمتلقي وحده هو الذي يرسم ويحدد ملاحمه ووصفه (12) وهذا موضوع يحتاج لأكثر من وقفة ونقاش ؛ فهل هذا الكائن الافتراضي؛ سيلحق الضرر لحيوية وجسد وروح الممثل وحركاته التشريحية التي تجسد الأحداث الدرامية ؟ إضافة للجانب التقني/ الجمالي. وخاصة السينوغرافيا التي هي القطب الأساس في المسرح الرقمي، والتي تصنع أركاحا / خشبات ( افتراضية ) لها موقعها وفعاليتها في المسرح الأوروبي/الغـربي؛ أما المسرح العربي ، هل استطاع أن يخترق هذا المجال الإبداعي/ التقني مستغلا شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل ؟
بمنطق الواقع الإبداعي؛ فالسؤال يحتاج لجلسات ونقاشات مستفيضة بين المبدعين العرب ؛ ووسائل التواصل هي الوسيط لتقريب القاصي والداني من الفنانين ! باختصار أشرنا لبعض التجارب العربية وإن كانت هي محاولات فرضتها طبيعة انتشار الوباء( الكوفيدي) مقابل هـذا وإن كان الناقد[ السباعي السيد] قـدم عِـدة تجارب مسرحية عربية (13) ولكن بقراءة نقدية من بين ثنايا الكتاب وبعيدا عن الانطباعية و العُـروبية فجُل الأعمال المدرجة في الكتاب ( هي) تطبيقات عشوائية للمسرح الرقمي ؛ هنا يمكن أن نستثني تجربة الفنان العراقي [ محمد حسين حبيب] المتصدر لمشروع نظرية المسرح الرقمي منذ 2005 ولكن تجربته رفقة المخرج [ كمال حازم ] لأن تجربته تمت في فضاء غـربي ( بلجيكا ) الذي يختلف عنا من حيث التحرر الشديد من كل العوائق الدينية والإجتماعية على نحو مدهش؛ إضافة لمستوى الوعي والعشق للفن المسرحي عند عموم الناس ؛هذا على المستوى العام. أما المستوى الخاص؛ فهنالك تقنيين متخصصين وبتقنيات وإمكانيات تكنولوجية بالغة الذكاء في إنتاج أعمال مسرحية رقمية. وبالتالي فما أشرنا إليه (تطبيقات عشوائية) ترتبط من جوانية الكتاب ؛ الذي مارس نفي النفي كإثبات يمكن أن نعتبر تلك الأعمال محاولة ؛ لأن ليس هنالك تراكم في المجال الرقمي وثانيا: إن المسرح العربي يعاني قصوراً كبيراً في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة التقنيين الأكفاء، وإن هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضوء والصوت. ومما لاشك فيه أن القصور يشكل أيضا نقطة مهمة في انحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي…. ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على انحسار الجمهور الذي لا يمكن أن يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات مهترئة وبتقنيات بالية (14) فهذا الطرح معلل عبر الواقع المعاش ؛ وما يعانيه المسرح وفنون الفرجة ؛ مما يبقى عندنا نخبويا ومنغلقا ومحدودا في التأثير واستقطاب الجماهير؛ علما أن المؤسسات القطاعية أوالمسؤولة ؛ لا تساهم عمليا وروحيا في دعم المسرح ومهرجاناته ماليا ولوجستيكيا ؛ إذ لا شأن لها سوى تدمير البنى المعرفية والثقافية وبشتى الوسائل الإغرائية أو البيروقراطية ؛ تسعى مؤسسات الدولة لتهميش وإقصاء الفن والمسرحيين ؛ وتحويلهم إلى قطيع ؛ مما يتفاقم النفاق وتشكيل اللوبيات المزدحمة على بوابة تلك المؤسسات وهو الأمر الذي يجعل حقوق وأعمال الإبداع والثقافة كاسدة ، وبالتالي: يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لايمكن أن تستجيب لمتطلباته ، وإن كان مجهزاً بالتقنيات فهناك غياب أوشح في التقنيين الأكفاء الذين بإمكانهم أن يقدموا للمخرج وللعرض أبعاداً ً وحلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف (15) هنا فالمسرح الرقمي يحتاج لمنتجين عبر وكالات فنية. باعتبار أن الفن بشكل عام مرتبط بسوق الشغل حاليا؛ وبدفتر التحملات بخلاف ما كان سابقا أن العرض المسرحي؛ يرتبط بالأهواء والظرفية الإنتاجية ؛ وبالتالي فأغلب دول العالم العربي هناك منتجين منفذين فقط ولا وجود للمنتجين الحقيقيين، وبالأحرى فهناك في أغلب الأحوال تنفيذ للإنتاج، يدخله أي شخص حتى ولو لم يكن مؤهلا لذلك، يكفي أن يملك شركة إنتاج وبعض المعارف ؛ هذه الشركات التي تعرف دينامية مالية مهمة بسبب حصولها على مشاريع إنتاج فنية ؛ مما يصبح الفنان معزول عن موضوعه وعن طموحاته؛ مما نجد بأن: المخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الإبداعية وفي إنتاج العرض، بينما نجد أن هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية ً في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث إن فناني السينوغرافيا والضوء والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية بل هم يعملون معا في إنتاج العرض، إن الكلية في العمل الإبداعي ، هي سمة المسرح المعاصر هذه السمة مازالت ضعيفة إن لم تكن معدومة في المسرح العربي (16) وفي ظل الإكراهات المادية والتخلف التقني والتواصلي؛ فأي أفق للمسرح الرقمي في العالم العَـربي ؟ وهل سنبقى نجترتاريخ المسرح من الإله الطرقي( ديونيزوس ) وعهد يوربيدس وإسيخلوس ….؛ ونعيد في نفس الوقت الأسطوانة المشروخة هل عرف العرب فن التمثيل ؟
إحـــــالات :
1 ) تاريخ ابن خلدون الفصل 23 اعتنى به أبو صهيب الكرمي ص 77 بيت الأفكار الدولية
2) الرقمية ومواكبة الرقمنة الداخلية للمقاولات بالإضافة إلى ضرورة مواكبة المقاولات الناشئة. التقرير العام – أبريل 2021النموذج التنموي الجديد
3 ) النشر الالكتروني والإبداع الرقمي للسيد نجـم، ص 40 سلسلة الثقافة الرقمية – عن هيئة قصور الثقافة / 2010
4) انــظر لصحيفة المثقف بتاريخ
5) الجائحة «تُـســرّع» مـيلاد المــسرح الــرقمــي في الجــزائـــر مجلة إعلام الهيئة العربية للمسرح بتاريخ11/04/2021
6) نفســـهــا
7) فرقة شكسبير الملكية تقدم فنها افتراضياً صحيفة الشرق الأوسط ع/15414 بتاريخ 09/02/2021
8) مدخل إلى الأدب التفاعلي – لفاطمة البريكي ص.99. ط1/2006 المركز الثقافي العربي/ الدارالبيضاء
9 ) عصر الوسيط أبجدية الأيقونة (دراسة في الأدب التفاعلي-الرقمي) لنذير عادل ص.76. الناشر: دار الكتب العلمية- ط/1-2010 لبنان
10) نــفـــســـهــا – ص: 63
11) مدخل إلى الأدب التفاعلي – لفاطمة البريكي ص.109. ط1/2006 المركز الثقافي العربي/ الدارالبيضاء
12) المسرح الرقمي وحتمية الانطلاق – لمحيي الدين إبراهيم – مجلة : ديوان العرب في مارس 2009
13) انظر لصفحات ( 133 – 155 ) لكتاب الدراما الرقمية والعرض الرقمي – تجارب غربية وعربية – للسيد سباعي، رسالة ماجستير- المعهد العالي للفنون المسرحية، القاهرة / 2018 منشورات الهيئة العربية للمسرح
14) نــفســــهــا – ص 154
15) نفــسها – ص 154
16) نــفــســـها – ص 155