23 ديسمبر، 2024 12:37 ص

يونس بحري العراقي الذي ملا الدنيا وشغل الناس قيل حوله الكثير ونسجت حوله مئات الحكايات والقصص!

يونس بحري العراقي الذي ملا الدنيا وشغل الناس قيل حوله الكثير ونسجت حوله مئات الحكايات والقصص!

هذه هي حقيقة السندباد العراقي كما رواها ابنه البكر لؤي بحري!

قبل ان ابدا بسرد احداث لقاء جمعني مع الدكتور لؤي بحري، ودار حول شخصية والده، تلك الشخصية التي قيل عنها الكثير، وكتب عنها الكثير،وأصبحت حديث العامة والخاصة، على مدى قرن من الزمان، لا بد ان اتطرق الى طبيعة علاقتي مع الدكتور لؤي بحري، فقد تعرفت عليه يوم كنت اعمل في المركز الثقافي العراقي في الفترة ما بين ٢٠١٢ و ٢٠١٥ حيث كان يواظب على حضور الفعاليات الثقافية التي ينظمها المركز وتوطدت علاقته به أكثر يوم استمرت لقاءاتنا حتى بعد ان اغلق المركز الثقافي ابوابه في عام ٢٠١٥ ،عندما انتخبناه رئيسا لمنظمة أصوات من اجل العراق التي اسستها في نفس العام إثر وقفة احتجاجية على هجمات داعش الإرهابية التي استهدفت اثار النمرود في الموصل. وبعدها استمرت لقائتنا في العاصمة واشنطن في عطلة نهاية الأسبوع. كنت استمتع باللقاء به حيث كان موسوعة علمية وثقافية كبيرة، وشخصية مخضرمة عاصر جميع مراحل الحكم في العراق، واستمر بالكتابة للموسوعة البريطانية لمدة عشرين عاما متواصلة. حينذاك كانت لدي معلومات كثيرة عن والد الدكتور لؤي، يونس بحري الذي كان يطلق على نفسه السندباد العراقي تشبيها بالسندباد البحري، الشخصية الأسطورية، التي ذاع صيتها في حكايات ألف ليلة وليلة. وعندما كنت اتطرق له بشيء بسيط مما كنت اسمع عن والده فكان رده الوحيد “كلها اشاعات ومبالغات لا أساس لها من الصحة ثم يغير الموضوع”. وحينما لمست منه عدم الرغبة في الخوض في هذا الموضوع أقلعت عنه ولم اعد اتطرق له. وفي أحد الأيام وتحديدا في يوم الاحد الموافق ١٢ مايس من هذه السنة وردني فديو من أحد الأصدقاء عليه صورة والده يونس بحري متأبطا يد سيدة وكُتب عليه “عراقي تزوج من ٢٩٠ امرأة من مختلفانحاء العالم. مصدر الفيديو قناة وان نيوز وفيه تفاصيل كثيرة عن عدد الأولاد والاحفاد والجنسيات التي اكتسبها، لكنها كانت مبالغ فيها بشكل لا يصدق. وقلت دعني احوله للدكتور لؤي ليسمع ما يقوله الاعلام عن والده يونس بحريوعندما شاهده اتصل بي في مساء اليوم التالي حيث قال لي “الان حان الوقت لان أقول كل ما عندي حول الوالد. هل لديك استعداد ان تسمع؟” فقلت نعم ولابد من توثيق الحديث. اتفقنا على ان نلتقي في واشنطن يوم الاحد الموافق ٢ حزيران. وعندما حان الموعد اخذت معي جهاز التسجيل الصغير الذي اشتريته لتسجيل اللقاء وانطلقت الى واشنطن حيث دار الدكتور لؤي بحري وزوجته الدكتورة فيبي مار، الباحثة الكبيرة التي الفت كتاب تاريخ العراق الحديث.

ادرت جهاز التسجيل وبدأت الحديث عما جاء في الفيديو الذي بعثته له، فرد علي الدكتور لؤي قائلا:

لقد زوج، الصحفيون والكتاب الباحثون عن الشهرة والانتشار، والدي أكثر من ٢٩٠ امرأة من مختلف انحاء العالم الا انني، وقد ناهزت الان التسعين من العمر لا اعرف سوى ثلاث نساء في حياة والدي وهن الأولى وهي رسامة هولندية مشهورة واسمها جولي فان ديرفين التي تنحدر من عائلة ارستقراطية، كان قد تزوجها في ١٩٢٧، والثانية والدتي وقد تزوجها في عام ١٩٣٣، والثالثة سيدة لبنانية تزوجها في منتصف الخمسينات الا انها توفيت في حادث سيارة. وكان قد شهد على زواجه منها الصحفي اللبناني عفيف الطيبي، وكامل المروة رئيس تحرير صحيفة الحياة. وكنت قد زرت والدي في لبنان حيث كانت لي صورة معه في مقر صحيفة الحياة في بيروت حيث أشار رئيس التحرير الى مصور الصحيفة لالتقاط صورة لنا.

كما انهم ادعوا ان والدي قد أنجب أكثر من ٣٦٠ ولد لم يعرف معظمهم، والحقيقة التي انا شاهد عليها، ان والدي قد أنجب ثلاثة من الأبناء انا وسعدي واختي منى. وقالوا ان له أكثر من ١٠٠٠ حفيد من مختلف الجنسيات، والحقيقة التي لا جدال فيها ان له اثنين من الاحفاد وهما بنتي نادية وهانئة بنت اختي منى.

كان والدي يُلقب يونس بحري، واسمه يونس صالح الجبوري ولد في الموصل في عام ١٩٠٠، وكان كثير السفر الا انه لم يسافر الى جميع انحاء العالم، ولم يتقن ١٠ لغات كما ادعوا. لقد تكلم الإنكليزية والفرنسية والألمانية وله المام بالإسبانية والإيطالية اما التركية فلم اسمعه يوما يتكلم بها. لديه جنسية واحدة وهي الجنسية العراقية وفيما عدا ذلك كانت تأشيرات إقامة في الدول التي مكث،وعمل فيها وان حصوله على أكثر من ١٧ جنسية مختلفة من دول عربية واجنبية محض هراء لا أساس له من الصحة، لإنه من الصعب الحصول على هذا العدد من الجنسيات. لم اقرا له كتابا من تأليفه ولم يؤسس ١٦ إذاعة حول العالم، الا انه قد يكون ساهم في تأسيس الإذاعة التي كانت تبث من قصر الزهور التي انشاها الملك غازي. اما مسالة ثراءه فان والدي لم يكن موسر الحال.

ومازال الحديث للدكتور لؤي: بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح لدى والدي معجبين من جميع البلدان العربية والإسلامية. كان يقول عنه المحامي محمد صديق شنشل من حزب الاستقلال، ان يونس بحري كان شخصية فكهة، وصاحب حضور متميز، بهي الطلعة، وسيما لذلك كان محط انظار النساء، كان فطنا، سريع البديهة بشكل لا يصدق. يتمتع بذكاء حاد، الا انه يتصف باللامبالاة حيث لم يكترث بهموم الحياة، فكان همه ان يعيش حياته ويستمتع بها. كان شديد الاسراف وخصوصا على شلته المقربة منه في صحيفة العرب بباريس، وكان يساعد الناس الاخرين قدر المستطاع.

ويضيف الدكتور لؤي قائلا: ان والدي ترك الدراسة في مرحلة مبكرة من حياتهحيث كان في المرحلة المتوسطة، لكن لغته العربية كانت رصينة بشكل مدهش،عندما يسأله البعض من أي جامعة تخرجت كان يضحك ويقول لهم تخرجت من الجامعة العربية، وهذا ساعد في نشر الاشاعات والاقاويل حوله بشكل شبه خرافي. لم اشاهده يقرا كتاب ربما كان يقرا في صباه. كان يحفظ القران والأحاديث النبوية الشريفة وهذا هو سر اتقانه للغة العربية. وكان يسافر كثيرا حيث اعتمد على ما ترك له والدي من أموال بسيطة. كان سفر العراقيين آنذاك قليل جدا، حيث كانوا غالبا ما يسافرون الى تركيا للاشتراك بالدورات العسكرية والعودة بعد الانتهاء منها. كانت اغلب سفراته الى اوروبا ومنها المانيا وفرنسا حيث اكسبه السفر معرفة وثقافة واسعة. عمل في إذاعة برلين العربية ومنها اكتسب شهرته، ومن المحتمل ان يكون قد رأى هتلر الا انني لا اعتقد كان قد التقى به شخصيا لان هتلر كان محاطا بأفراد حمايته ومساعديه وليس من السهولة الوصول اليه. أحب والدي النظام السياسي في المانيا والنظام السياسي في إيطاليا، كما هو حال الكثيرين من العرب في فترة الاربعينات الذين كانوا يميلون الى التيار النازي لما يجدون فيه من تنظيم وحب الوطن، والانضباط والإرادة للعمل ويحاولون تطبيقه في العراق وبعض الدول العربية. وفي منتصف الثلاثينيات أسس صحيفة العُقاب في بغداد واستمرت بالصدور حتى بعد مغادرته الى المانيا في عام ١٩٣٩.

لقد اعتاد والدي كتابة المقالات عن الدول التي كان يزورها، ويقوم بإرسالها الى الصحف العراقية العربية ومنها صحيفة المصور المصرية واخر ساعة. كان يوقعها باسم السندباد العراقي يونس بحري. كانت كتابته وصفية انشائية تخلو من التحليل العميق للأحداث والواقع السياسي السائد آنذاك.

في عام ١٩٤٧أسس صحيفة العرب وهي اول صحيفة عربية تصدر في الخارج بعد الحرب العالمية الثانية. كان مقرها في شقة في حي قرب بورصة باريس.كانت تعمل معه مجموعة صغيرة طريفة من المحررين وهم عبد الجبار الجنابي من العراق، والطاهر بلعربي من المغرب، ونور الدين محمود من تونس، ومن لبنان حسين مروة، وعلي سامان. كان يصرف عليهم من الأموال التي تصله من سفارات الدول العربية والإسلامية واشتراكات الصحيفة.

زرته في الفترة التي تقع في نهاية عام ١٩٥٢وبداية عام ١٩٥٣ في فرنسا واقمت في شقة بضواحي باريس حيث مكثت هناك حوالي ثمانية أشهر اتردد عليه في شقته المتواضعة قرب شارع الشانزليزيه، وتارة على مقر صحيفة العرب.

لم يكتف والدي بالسفر الى أوروبا، بل كان يسافر الى الشرق الأقصى ومن الدول التي زارها الفلبين واندونيسيا حيث التقى الرئيس الاندونيسي احمد سكارنو، واحتك بالجاليات العربية في تلك الدول. لم يكن توجهه إسلاميا لكنه كان وطنيا جُلَّ همه التخلص من الاحتلال العثماني. كان الصحفيون يبالغون في الكتابة عنه، وعندما كنت اساله هل هذا الذي يكتبونه عنك واقعي فكان جوابه ” هم يضحكون علينا ونحن نضحك عليهم”.

ومن المواقف التي تثير الضحك وفي نفس الوقت تعكس حالة اللامبالاة وسرعة البديهة لديه، انه أصبح امام جامع باريس الا انه كان يرتاد الملاهي الليلية.وفي أحد الأيام صادفه مجموعة من الشباب اللذين كان يسمعون خطبه ويصلون ورائه في الجامع نهارا، فسألوه: ماذا تعمل هنا يا شيخنا؟”

فبادرهم بالسؤال وأنتم ما الذي اتى بكم الى هنا؟ فتلعثموا وضحكوا وقال لهم:أنتم لا ينفعكم الا امام مثلي”.

كان يدعم الشباب العربي ويدعوا الى تحريره من القيود المفروضة عليه آنذاك.

يقول الدكتور احمد القديدي الناطق الرسمي السابق للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ان الرئيس كان يحدثهم أحيانا عن الماضي قبل الاستقلال حيث قال لهم ذات مرة ان يونس بحري من الأشخاص الذين لهم الفضل في استقلال تونس. لم يذكر الدكتور القديدي كيف كان ذلك، لكنني اعتقد ربما قبل التحرير، في أحد اللقاءات قد قدم الحبيب بورقيبة للقنصل الأمريكي في تونس.

ومن الشخصيات التي كان يلتقي بها والدي في باريس الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي حيث كانا احيانا يتناولان وجبة العشاء سوية، وكان ذلك في نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات. وكان يلتقي بطالب مختار البخشونجيفي مقهى ديبون في شارع بلوفارد سان ميتشيل.

ويضيف الدكتور لؤي بحري انه بين عامي ١٩٤٩ -١٩٥٠ كانت هناك مبادرة باكستانية لان يتولى يونس بحري منصب سكرتير مجلس جامعة الدول الإسلامية على غرار جامعة الدول العربية لكن هذه المبادرة لم تر النور.

هذا ما جادت به ذاكرة الدكتور لؤي بحري، الابن البكر لسندباد العراق يونس بحري، وربما يكون للحديث صلة.

[email protected]

https://www.facebook.com/jabbar.jaafar.1