في عام 2011 عُينت مع قرابة ثلثمائة شخص آخرين في وزارة حقوق الانسان، بعد أن أجريت لنا اختبارات مُكثفة أثبتنا خلالها مدى كفائاتنا لقبولنا في هذه الوزارة، ونجحنا بالفعل من بين الاف المتقدمين اليها.حين دخولي الى دهاليز (وزارة حقوق الانسان) حال قبولي فيها مع نخبة من الكفاءات، كان وزيرها انذاك المهندس محمد شياع السوداني، حيث لم تكن أيام قلائل قد مضت على وجودنا فيها حتى رأينا أنفسنا نعمل كخلية نحل ليل نهار، كل في مجال اختصاصه لهدف سامٍ إسمه خدمة الشعب العراقي للكشف عن منتهكي حقوقه سواء على يد النظام الدكتاتوري او على يد الارهاب الاسود، وكل حسب اختصاصه.أن شخصياً أنتجت خلال تواجدي في تلك الوزارة التي أسست في عام 2004 (24) اصدارا حملت اسمي وكان حصيلة جهد مضنٍ، خصصته للتأليف عن شتى المجالات المتعلقة بحقوق الانسان، طالما أن لي وزيراً يطبع ما أألفه..حين كنت أسير بين الطوابق الثلاث للوزارة، حيث الدوائر المتفرعة عنها، أو حين ذهابي الى صرحها العملاق (المركز الوطني) أو الى دائرة رصد الاداء، أو مكاتب الوزارة في المحافظات، كنت أشاهدها وهي تضج بالعمل الدؤوب، والهدف هو ترسيخ ثقافة حقوق الانسان، وحل قضايا مجتمع مليء بالمشاكل، وكم كانت مساهمتنا بذلك.. اضافة الى نقطة جوهرية تتعلق بالانجاز الكبير الذي حققته كوادر الوزارة ذلك بالكشف عن عشرات المقابر الجماعية، التي خلفها للشعب العراقي النظام السابق، ومجاميع الارهاب الاجرامية، وآخرها عثور كوادرنا على رفات شهداء جريمة سبايكر المغدورين في منطقة القصور الرئاسية في تكريت.. والكشف عن رفات ضحايا الحرب العراقية الايرانية وكانوا بالمئات من كلا الجانبين.تأخذني الذاكرة الى أننا في مثل هذه الأيام في وزارتنا الملغية، كنا نعدَ كعاملين في مركزها الاعلامي التقرير الاسبوعي المرفوع الی المنظمات الدولية، وأولها الامم المتحدة عن انتهاكات عصابة داعش الارهابية بحق ابناء شعبنا.. كنا نبوب الانتهاكات في ذلك التقرير، حسب تصنيفاتها (الانتهاكات بحق الانسانية؛ الانتهاكات بحق الاثار والتراث؛ الانتهاكات بحق البيئة .. الخ) حيث كنا نقضي اسبوعا كاملا بالرصد ليلا ونهارا، لنرفعه بشكله الانيق التوثيقي المصور في مطلع الاسبوع الی جهاتنا العليا، التي بدورها ترفعها مترجمة، الى المنظمات الدولية لتجيبها دوائرنا المختصة، علی تساؤلاتها بل حتی علی اتهاماتها للحكومة ببعض الانتهاكات…كما كنا بالوقت ذاته، ككوادر عاملة في تلك الوزارة، نتلقى دورات تدريبية مكثفة تعنى بحقوق الانسان يلقيها علينا زملاء لنا تلقوا تعليمهم الانساني من دورات متطورة ارسلتهم الدولة العراقية اليها في (استراليا، وبلدان اوربية واقليمية عديدة) وتصرف عليهم الاف الدولارات لتأهيلهم، لنتخرج منها، مشبعين بتلك الثقافة الراقية، ناقلين ما تعلمناه الى ابناء شعبنا عبر برامج تلفزيونية تعدها الوزارة، او افلام وثائقية او اصدارات او حتى في سلوكنا مع اسرنا ومحيطنا الذي تغير نحو الرقي الانساني بفضل ما استقيناه من تلك الدورات.هذا اضافة الى التقارير الدورية التي كانت تصدرها ملاكات الوزارة، وتقارير الرصد والاداء عبر دائرتها، اضافة لتفقد السجون وأحول سجنائها، واستقاء الخبرة الكبيرة منها عبر دائرة السجون وغيرها..كل ذلك تم شطبه بجرة قلم في شهر آب من العام الماضي، من قبل الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء، لاادري بمشورة من اصدر ذلك القرار، القاضي بحل وزارة حقوق الانسان بكل ملاكاتها وكفاءاتها وخبراتها وتشتيتهم الى حيث المجهول في (مفوضية حقوق الانسان) أو (وزارة العدل) الذين باتوا يقضون أيامهم فيها دون نتاج يذكر وبغير اختصاصاتهم مطلقاً.عليكم أن تتصوروا، أن من حصل على شهادة حقوق الانسان العليا الـ(TOT) بات يقضي أيامه الحالية في احدى دوائر التسجيل العقاري في منطقته كموزع بريد أو ككاتب طابعة!.ولكم أن تتصوروا تلك الملاكات الاخرى، المفعمة بروح العطاء لابناء وطنها تتشتت الان في دوائر لاعلاقة لهم بها، بمجرد أن الحكومة قد أوجدت لهم أماكن لانتشالهم من البطالة بعد حل وزارتهم.وأخيراً أقول: ليرثي أبناء الشعب العراقي ومن بعده كتابه وباحثوه ومؤرخوه، وزارة رسخت لأول مرة في تاريخ العراق أسس ثقافة حقوق الانسان، ولو كمحاولة بسيطة تقدمها للاجيال القادمة كإرث عظيم يستفيدون منه، وليرثي أبناء هذا الشعب وأجياله مئات البحوث والدراسات والندوات والمؤتمرات والايفادات والخبرات والدورات والاهم من ذلك كله الارواح التي ازهقت فيها الحماسة جراء حل وزارتهم بداعي الاصلاحات…تمت