18 ديسمبر، 2024 11:46 م

يوم السقوط ام يوم التحرير….

يوم السقوط ام يوم التحرير….

لا ادري حقا كيف سأتمكن اليوم من الالتزام بوعودي فقد وعدت صديقا بتلبية دعوته على فنجان قهوة صباحا…ووعدت أخر بأن اوافيه على الغداء…ومازلت اجهل كيف سأتمكن من هذا ولحسن الحظ اليوم هو عطلة في مدينتي…فأليوم هو التاسع من نيسان… استطعت الوصول الى الموعد الأول في الوقت الملائم…وبينما كنت اشرب القهوة واناقش ذلك الصديق في قضايا الأدب والشعر ..والظروف السياسية في بلدي حتى وجدت ان الحوار يجرنا نحو زاوية جديدة لم اتطرق اليها مسبقا…وهي يوم التاسع من نيسان. ترك صديقي فنجانه وحيدا وباردا وطفق يناقشني في حيثيات ومسميات هذا اليوم…الأربعاء…بينما راقبت انا انفعاله الظاهر واحمرار وجنتيه حماسا وأصغيت اليه بهدوء. قال صديقي…..اليوم هو نقطة سوداء في تاريخ العراق والعروبة ففي هذا اليوم سقطت بغداد تماما تحت نير الظلم وبساطيل المعتدين….وانهزم احد اقوى جيوش العالم…بينما نزف الوطن كبريائه بأسى… قبل هذا اليوم…كنا عراقيين….وعراقيين فقط…واليوم نحن نحمل شتى المسميات إلا تسمية العراقي..فنحن اليوم شماليين ..غربيين او جنوبيين فقط…وكل فئة تسعى لخير نفسها وخراب زميلتها…هل تعلمين اشبه حالنا بثلاثة بحارة على متن سفينة واحدة…يقوم الاول بخرق مقدمة السفينة ويقوم الثاني بخرق وسط السفينة بينما يدمر الثالث مؤخرة السفينه..وكل يرغب في إغراق صاحبه دون ان يدرك إنه سيغرق معه..وإن الموجة التي ستلف الأول لن تستثني الثالث… بلدي….مهبط الأديان السماوية….مستقر الحضارات..وأرض العلم والكتابة…اصبح بحرا هائجا من الدماء المختلطة التي تجري مع النهرين الخالدين…مجتاحة كل مايقف في طريقها… لطالما كان العراق رمزا من رموز الوطنية والقومية وكنا نفتخر حينما نسافر ونقول بأننا عراقيين….واليوم نطأطئ الرؤوس خجلا من إنقساماتنا وايدينا الملوثة بدماء بعضنا البعض….. اه…ياوطني ….قد ضعت…وضاعت هيبتك…منذ هذا اليوم…”يوم السقوط”….. راقبت صديقي وهو يتكلم وارتشفت قهوتي وانا مازلت اهتز ألما وحزنا لماقاله…..ثم ودعته لضيق وقتي وإلتزامي بموعد أخر…. قدت سيارتي…وأنا شاردة الذهن…مفتكرة فيما سمعته وخضته من نقاش…حتى وصلت ولا ادري كيف الى موعدي الثاني. كان الصديق الأخر قد وصل قبلي…وقضى وقته وهو يشعل سجارة تلو أخرى بينما يطالع بيأس جرائد اليوم…التاسع من نيسان…. تبادلنا التحايا..وجلست امامه وهو مايزال خائضا في تأملاته غير مدرك لوجودي…اعتذرت عن التأخير بينما اجابني..لا عليك صديقتي..من الجيد ان اليوم هو عطلة ..وإلا لماتمكنت من تلبية دعوتي بالطبع فأليوم هو يوم التحرير….. ابتدأت برشف حسائي بينما راقبت صديقي..وقد خلع نظارتيه..وكانت تلك عادته كلما هم بالدخول في نقاش جاد….وقال متحمسا….. هل تتذكرين هذا اليوم صديقتي….إنه يوم تحرير العراق…يوم عاد الوطن إلى اهله بعد ان استفرد به الغزاة طوال اربعة عقود….ليس من الضرورة ان يكون الغزاة او المحتلين هم من بلد اخر او مجرة اخرى فأن بلدي كان محتلا….من قبل تيار حاكم مستبد…حكم وطني بالحديد والنار….داس على رؤوس المثقفين…وعمد بكل قوة الى تهجير العقول المبدعة الى الخارج بسبب عدم توفر التقدير الملائم لهم في بلدهم…. كانت حتى الأنفاس تحسب وتقاس بأمر من القيادة ..ويكفي ان تقول كلمة مجلس الثورة..كي تفتح امامك كل الابواب المغلقة بينما تكمم كل الافواه الناطقة… هل تذكرين صديقتي…ماحصل في انتفاضة الجنوب…وكيف دفن الشباب بلا قبور ولا شواهد لمجرد انهم تمردوا على الطغيان…ام نسيتي ياصديقتي ماحصل في شمالنا من مجازر يندى لها جبين العالم….فلم اعهد سابقا رئيسا يضرب رعيته بالاسلحة الكيميائية ويبيد قرى بكاملها… ثم ينقل الضحايا بسيارات الحمل الكبيرة كما ينقل المزارع الدجاج المصاب بأنفلونزا الطيور الى المحرقة..دون ان تهتز له شعرة…او يرف له جفن…. كان ماحصل في هذا اليوم ضرورة فلولا تدخل قوى خارجية لأستمر ذلك النظام جاثما على صدورنا وكاتما على انفاسنا الى ان نموت اختناقا… انتحارا او احتراقا…..انه بحق ياصديقتي…”يوم التحربر”….. كانت الساعة قد قاربت على الرابعة…وانتهى الوقت المحدد للموعد الثاني فلم اجد امامي سوى ان استأذن من الصديق…وأعود ادراجي الى مكتبي وأنا افكر……وتتراقص امامي الكلمات…”سقوط…تحرير…سقوط…تحرير.”…. أصابني صداع أليم….وانا اكتب في مفكرتي….    اليوم ليس يوم السقوط…. اليوم ليس يوم التحرير….. اليوم هو يوم التغيير….. التغيير تلك الكلمة التي تعرف حسب قوانين الفيزياء بأنها شئ عشوائي وغير ثابت…”التغيير” …الذي ابتدأ بضرورة وانتهى بفوضى….فمتى تسكن ايها المتغير…ومتى تستقر ياوطني……..