عجبا للزمان في حالتيه
وبلاء ذهبت منه إليه
رب يوم بكيت فيه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
بعد خروج اليابانيين من الحرب العالمية الثانية عام 1945 وقد تكبدوا خسائر جسيمة من جراء قنبلتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين، سخروا كل ما أمكنهم استخدامه للنهوض بحال بلدهم المنكوب، لاسيما وقد طال الخراب الإنسان والحيوان والنبات والجماد وحتى الهواء، فأطلقوا العنان لكل القدرات البشرية التي يتمتعون بها، وفي الوقت ذاته لم يدخلوا في حساباتهم الخلافات الداخلية فيما بينهم، وقد أيقنوا أن العالم المحيط بهم ينقسم الى قسمين؛ الأول سعى الى خرابهم وأوصلهم الى ماوصلوا اليه، والثاني أخذ موقف المتفرج على ماحل بهم من كارثة وماسيمرون به من أزمات، وقطعا استنتجوا أن الجهة الوحيدة القادرة على النهوض بهم هي أنفسهم وحدهم لاغير، فوضعوا نصب أعينهم ثلاث ركائز أساسية للنهوض بقوة، تمكنهم من مواكبة عجلة البناء والتقدم بل والتفوق على أقرانهم من الدول، واتخذوا منها قاعدة مثلثة تستند عليها باقي مرافق الدولة المتحضرة.
أما رؤوس ذاك المثلث فهي: (القضاء والصحة والتعليم). أما الرأس الأول، فمادام عادلا ومنصفا للمذنب والبريء معا في آن واحد، ونائيا عن المحسوبية والمنسوبية والنظر الى المواطن والمسؤول وذوي المناصب الرفيعة نظرة القانون لاغيرها، بلا انحياز الى فئة او ضغوط من جهة او تواطؤ مع جانب، تحققت بذلك المساواة ولم يطمع أحد بأخذ أكثر من حقه او ييأس آخر من فقدان حقوقه، وساد بذلك العدل وعم السلام.
وأما الرأس الثاني، فمن منطلق ان العقل السليم في الجسم السليم، وان الجسد المعافى يرقى بالعقل السوي الى حيث الإبداع والابتكار، فقد أولت السلطات اليابانية اهتماما جديا بجانب توفير الخدمات الصحية في أبعد مناطق البلد، وفتح مراكز طبية تعليمية وتفعيلها بشكل استثنائي وبطاقة قصوى، لإيصال الوعي الصحي الى أفراد المجتمع بشرائحه جميعها، فنشأ مجتمع بجسد سوي صحي أثمر عقولا سليمة، تفتقت عن اختراعات في مجالات العلوم كافة.
وأما رأس المثلث الثالث فهو التعليم، بدءًا من مراحله الأولى حيث ينقش التعلم في ذهن الطالب وهو يافع، ليأتي أكله في المراحل المتقدمة من العمر كمهندس او عالم او باحث، أو المواقع المتقدمة في قيادة مناصب الدولة، كمدير ووزير ورئيس وسفير متعلم، يصلح لقيادة مجتمع قيادة صحيحة.
هنا في عراقنا، ماذا لو سأل ساستنا أنفسهم أين نحن من هذا المثلث؟ وهل ينتظرون ان يصبح مربعا ام مخمسا ام مسدسا! ومتى تدخل قاموس مسؤولينا مصطلحات مثل؛ المهم والأهم، الأولويات والضروريات، البناء والإعمار؟ وينأون عن مصطلحات أثقلت كاهل البلاد، وكبلت قدراته في تخطي أزماته، فضلا عن خلقها أزمات هو في غنى عنها، فهل هم قادرون على نبذ مصطلحات أولها؛ المحاصصة وثانيها المحسوبية وثالثها المنسوبية ورابعها المناطقية وخامسها الطائفية… وعاشرها الحزبية؟.
ويطول العد في مصطلحات لاتغني ولاتسمن من جوع، يرزح تحت وطأتها العراقيون ليصحوا كل يوم في أسوأ من أمسهم، ويوعدون بغد أكثر سوءًا من يومهم.
[email protected]