شخص ميسور الحال مرَّ بحالة من الفاقة والعوز الإستثنائي نتيجة لظروف قاهرة ألمت به فجأة شأنه في ذلك شأن ملايين العراقيين في بلاد ما بين – النارين – حيث الساسة يتنعمون بالقصور والخيرات ، والجماهير تكتوي بالحروب والويلات ، وﻷن صاحبي كريم الخصال ، عزيز النفس فقد كان يذهب كل يوم سيراً على اﻷقدام الى مكان عمله بما يعادل 50 دقيقة ذهابا ومثلها إيابا من دون أن يخبر أحدا بما يعانيه من شدة ، ومن دون أن يكلف أحداَ ليقله بسيارته إطلاقا ﻷنه لايريد أن يفضح نفسه من جهة ، وﻻ أن يمنَّ عليه أحد من جهة أخرى ريثما تتحسن ظروفه ويتجاوز محنته ، نعم لقد أسرني هذا الرجل قبل أسبوعين بذلك اﻻ أنه رجاني بأن لا أخبر أحدا بما قاله لي وقد التزمت بالوعد الذي قطعته له بناء على طلبه ، متعهدا بالإشارة اليه من دون تسميته ولكن بعد الفرج !
اليوم كنت بصحبته لبعض شأننا وإذا به يضع 1000 دينار في سياج خارجي مطل على الشارع العام لمنزل ﻻيعرفه ، ومن ثم وبعد 200 متر الى أمام وضع 1000 دينار أخرى في كابينة كهرباء خارجية مطلة على الشارع ، وبعد 200 متر ثالثة توقف هنيهة ليضع 1000 دينار وسط شجرة مزروعة على الرصيف ومضى ، ومن ثم في سياج مدرسة وهكذا دواليك حتى وضع 10 اﻵف دينار هنا وهناك موزعة في أماكن متفرقة نظيفة ومُشاهدة، فقلت له “ما الذي تصنعه يارجل ..لقد أثرت عجبي وفضولي بصنيعك العجيب يا هذا ؟ !!
قال : خلال النكبة المادية العصيبة التي عصفت بي والظروف القاسية التي مررت بها كنت أخرج من المنزل بجيوب – هب بياض ..ﻻ فلس وﻻعانة – وبمحفظة خاوية على عروشها تماما وكنت أتذرع بنسيانها في البيت أمام زملائي في العمل دفعا للإحراج اذا ما قرروا جمع مبلغ من المال لشراء بعض اللوازم الضرورية ،ﻷذرع الطرقات سيرا على اﻷقدام وعندما كان يستبد بي التعب ، ويتمكن مني العطش وتخور قواي ويأخذ الحزن مني كل مأخذ ، كنت أتمنى في لحظة ضعف إنسانية لو أنني أعثر على 1000 دينار مرمية في الشارع ،أسقطها أحدهم من دون علمه كي أستعين بها على مشاق الطريق في حر الصيف اللاهب اﻻ أنني وطيلة شهر كامل من المسير لم أوفق لذلك بتاتا فطرأت ليَّ فكرة ألهمتني إياها الطرقات ووهج اﻷرصفة عاهدت نفسي على الشروع بتنفيذها فور تحسن اﻷحوال المادية خلاصتها ((ضع 1000 دينار في مكان عام نظيف وظاهر للعيان بإمكان السابلة أن تراه لوجه الله تعالى لعل محتاجا يمر بضائقة مالية طارئة مثلي يمر من ها هناك ويلتقطها فينتفع بها ليدعو لك بلسان الحال وربما المقال كذلك )) ولكي لاتساور ذلكم المحتاج الشكوك بكونها لُقَطة تخضع ﻷحكام محددة يتوجب التعريف بها فقد عقدت العزم على كتابة – حلال عليك – بالقلم الرصاص على وجهي العملة ليطمئن قلبه فيأخذها مسرورا ، فإن عثر عليها محتاج ساعدته ، وإن عثر عليها طفل صغير سرته ، وإن عثر عليها – عامل نظافة – أفرحته ، وإن عثر عليها بخيل وعظته ، وإن عثر عليها سياسي وبخته على أن تجعل نيتك في ذلك كله لله الرازق الرزاق الذي يرزق الناس من حيث يحتسبوا ولايحتسبوا بغير حساب ، داعيا أن يصل هذا الـ 1000 اﻷصفر الى من يحتاجه فعليا وآآآآآآآآآه لو تعلم قيمة اﻷصفر الذي لايؤبه له حين الحاجة اليه ووقت الضيق والعسر الشديد ، إنه يكفي لشراء – قنينة مياه معدنية بـ 250 دينار – تطفئ بها ظمأك في الحر القائظ ، ومن ثم الإنتقال من منطقة الصليخ شمالي بغداد حيث أسكن على سبيل المثال الى الباب المعظم وسطها بـ 500 دينار ، تمهيدا لركوب الستوتة الى منطقة الشورجة بـ 250 دينار لحاجة ملحة جدا وبغياب الـ 1000 دينار هذا ستكون مضطرا لقطع كل تلك المسافة الطويلة على قدميك لساعتين متواصلة وربما أكثر ، وقد قطعتها بغيابه ساعة العسرة واقعا ، فلا تحقرن من المعروف شيئا أبدا ، فلرب الف دينار تسبق مليون دينار في ميزان الحسنات عند الحاجة الفعلية له ومن زاد ، زاد الله عليه ، فأنفق ولاتخشى من ذي العرش إقلالا وتذكر الحديث القدسي الشريف “أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك” ، وما نقص مال من صدقة أبدا فبادر بالمعروف يا صديقي . اودعناكم أغاتي