17 نوفمبر، 2024 11:50 م
Search
Close this search box.

يومٌ في ضاحيةِ روزنكورد/ مالمو.. مِنْ دَفترِ يومياتي

يومٌ في ضاحيةِ روزنكورد/ مالمو.. مِنْ دَفترِ يومياتي

http://www.nasiriyeh.net/images/yahyagalamiri1.gif
استيقظتُ هذا الصباح في الساعةِ الرابعة صباحاً، ولم يزل القمرُ يتوسطُ سماءً صافية، أنهُ الفَجرُ يناغي السَّحَر، النجوم تتلألأ وأضواءٌ متوهجةٌ في الشوارع الفرعيّة المحيطة بشقتنا، وكذلك يومضُ بريقٌ للأضويةِ ونشراتِ عيدِ الميلاد في البنايات المقابلة لنا، الهدوء والسكينة تلف الأماكنَ المحيطةَ بالعمارة التي نسكنها، درجة الحرارة كما يشيرُ المقياسُ المثبّتُ في شرفة الشقة المزججة التي نعيشُ فيها إلى درجةٍ مئويةٍ واحدة!
ألمٌ خفيفٌ في رقبتي وكتفي الأيسر وصداعٌ ينبضُ بوجعٍ في جبهةِ الرأس، تناولتُ قرصاً من الحبوب المُسكنة للآلام (الفيدون) واحد غرام. فتحت التلفاز وطفت ابحثُ في القنوات الفضائية العربية،عثرت على برنامج ( بورتيريه ) تبثه قناة (روتانا / زمان) وهي تعرض حلقة عن الفنانة (زبيدة ثروت ) صاحبة أجمل عينين في السينما المصرية، لا أعرف هل هي مصادفةٌ أن يتزامن عرض الحلقة مع وفاتِها يومَ أمس عن عمراً يناهز(76) عاماً، شاهدتُ جزءً من الحلقة.
أغلقت جهاز التلفاز وقررتُ الذهاب الى غرفة المكتبة لتكملة الرواية التي تركتها منتصفَ ليلة أمس وشدتني القراءة إليها وحلمتُ أكثر من حلمٍ في أجوائها و شخوصها، أنها رواية ( مُذكراتي في سِجْن النِّسَاء) للكاتبة المصرية المناضلة الدكتورة (نوال السعداوي)، وكنت قد بدأت القراءة فيها منذ الساعة التاسعة من مساء يوم أمس، حتى منتصف الليل، كنت قد تركت الرواية في الصفحة (80) الرواية تتكون من (303) صفحة من القطع المتوسط. غسلت وجهي وفرشت أسناني، وحلقت ذقني، وعدت ألتهم صفحات الرواية وأغور في عنابر سجن النساء في القناطر( المصريّة).
في الساعة (السابعة) صباحاً استيقظت زوجتي، وبدأت تعد مائدة الفطور فلديها دوام (عمل)هذا اليوم، حييتها بتحية الصباح، فدعتني لمشاركتها مائدة الفطور التي بدأت بترتيبها على مائدة الطعام (الجبن الأبيض الطري والزبد والعسل والخبر المحمص والشاي) شكرتها، وأخبرتها أن لديَّ هذا الصباح موعد في مختبر العيادة الطبية في منطقة (ياكرسرو) من الساعة (10-8) صباحاً لإجراء تحليل(الدم)، ويتوجب عليَّ عدم تناول الفطور، حسب تعليمات الطبيب.
قررت الذهاب مبكراً لمختبر العيادة الطبية، ذهبتُ الى جهاز الكومبيوتر، حيث كان الإنترنيت جاهزاً للبوح بما كمن فيه من أخبار ، ودخلت صفحة الفيس بوك ، صادفتني أول صفحة مقالة لصديقي الشاعر والأديب المقتدر( صباح الجاسم )استوقفني عنوان مقالته (سنوات من الآن – الشاعر شِل سلفرستاين) فقررت أن أقرأها قبل الذهاب للموعد ، كانت المقالة رائعة كالعادة ؛ ففيها المفيد والجديد ، تتحدث المقالة عن أديبٍ ورسامٍ وشاعرٍ وكاتبٍ مسرحي ومؤلفِ أغاني ومغني شعبي وداعيةِ للسلام (أمريكي الجنسية) متعدد المواهب والإبداعات؛وفي المقالة كذلك نصوصٌ من قصائده المختارة بعناية من مجاميعه الشعرية مترجمة للعربية بقلم المبدع الأديب (صباح الجاسم)؛ قرأتها واستمتعت بها ودونت على عجلة كلماتٍ مقتضبات كتعليق على صفحته (رائع كما الصباح، يا صاحبي).
وأسرعت أبدلُ ملابسي وأتهيأ لمقابلة الطقس البارد خارج الشقة المُدفئة، وزدت تحصيني ضدِّ البرد بالقفازات وغطاء الرأس، ولفاف الرقبة ،ووضعت الموبايل، والنظارات الطبية في جيبي؛ وباشرت السير، العيادة الطبية تبعد بحدود (15إلى 20 ) دقيقة سيراً على الأقدام، سرتُ عدةَ خطواتِ لفحت وجهي لمساتٌ خفيفةٌ من هواءٍ باردٍ منعش، الرؤية جيدة هذا الصباح، لا أثرَ للضباب،على مسافة عدة خطوات تقع مدرسةٌ ابتدائية مختلطة طبعاً ، أعدادٌ من الاطفال تحملُ حقائبَها على ظهرها وتسير باتجاه المدرسة، بعضُ أهالي الاطفال يُوصلون أطفالهم الصغار الى باب المدرسة أو فنائها ، قررت أن أسلك طريقاً مختصراً يقع بين العمارات، الممتدة من بيتنا حتى العيادة الطبية، طوال الطريق المعبد والمُعلّم بإشارات مرورية مرسومة على الارض أو لوحات مرورية إرشادية – شواخص- ترشدك للطريق المخصص للمشاة والطريق المخصص للدراجات الهوائية ، وعلامات واضحة تمنع سير كافة انواع المركبات، تحيط بهذه الطرق وعلى جهتيها الاشجارُ الباسقة والشجيرات المتنوعة الأحجام المختلفة الأصناف والألوان ، ودروبٌ متعرجة بين الأشجار والمروج، وساحات هندسية رائعة المنظر من المروج الخضراء، والتي تحتوي العديد من المساطب الخشبية المخصصة للجلوس،وعشرات من الاراجيح وملاعب للاطفال،والتماثيل والنصب؛ تسير بجانبي أو تقابلني دراجات هوائية تعتلوها
مختلفُ الاجناس والأعمار، اجتزتُ امرأةً تبدو سبعينيّة وهي تتمشى و كلبُها الابيض يسير أمامها، ابتسمتُ لها وقلت لها باللغة السويدية: –
ـ أن كلبكَ جميلٌ ، ابتسمت وشكرتني
– قلت لها : هل هو ذكر أو أنثى؟
– قالت ذكر ( روكي)
– سألتها: كم عمره؟
– أجابت وابتسامة خفيفة في طرف فمها : ثلاثة سنوات، وأكملتُ مسيري .
أصواتُ بعض الطيور تزقزق وتضرب بأجنحتها؛ ركزّت انتباهي لعلي اسمع -ولو من بعيد – صوت منبه للسيارات، طوال الطريق لم تلتقط أذناي أي صوت لمزامير السيارات والتي يتفنن سائقو المركبات في بعض البلدان بتقسيم موسيقاها ونغماتها، وكذلك لم تلتقط عينايّ أيَّ أكداسٍ للأزبال او للأوحال رغم أن ليلة أمس كانت السماء قد هطلت امطاراً غزيرة، لم ألحظ ايَّ قطرةِ ماءٍ راكدة في الشوارع والحدائق!
في الساعة الثامنة وعشر دقائق كنت قد دخلت البناية التي تقع فيها العيادة الطبية أخذت المصعد للطابق الثاني، فتحت باب العيادة وادلفت في جوف العيادة ، قرب الباب مكانٌ مخصصٌ لتعليق الملابس، خلعت (القمصلة) الشتوية والقفازات وغطاء الرأس ولفاف الرقبة ووضعتها في المكان المخصص للملابس، وذهبت الى موظفةِ الاستعلامات، وصبحتُ عليها وأخبرتها أن لديَّ موعداً لفحص الدم في المختبر طلبت مني رقمي الشخصي؛ فيما أنا اُسمعها الرقم على مهلٍ هي تضربُ الرقم بالكومبوتر الذي امامها ،مرت لحظاتٌ ؛فجاءني صوتُ الموظفة وهو يتهجّى بصوتٍ أسمعه ، أسمي واللقب، فأجبتها بالإيجاب، ناولتني رقم خاص للفحص، ودعتني للأنتظار.
رحتُ أنظر في صالة الانتظار معظم الكراسي في الصالة فارغة، اخترت أحد الأماكن جنبَ إمرأةٍ مسنة ، منهمكةً تطالعُ في احدى المجلات ،واستليت من المنضدة التي امامي احدى المجلات السويدية، وبدأت أقلب في صفحاتها، بحدود (10) دقائق نُوديَّ على رقمي ذهبت للمختبر، استقبلتني موظفة المختبر بابتسامة ودودة، حييتها بتحية الصباح، أشارت إليَّ بأن أستريح على الكرسي المخصص لأخذ عينة الدم، فيما ذهبتْ هي الى (الكومبيوتر)و طلبت أسمي والرقم الشخصي للتأكد من هويتي، وبعدها سألتني متى تم تحويلك من قبل الطبيب اجبتها قبل اسبوع.
بعد أن قرأت ما مطلوب فحصه من عينة الدم، أعدت ثلاثة قنانٍ – تيوب- صغيرة، بألوان سدادات مختلفة ومثبت عليها شريط من المعلومات، بعد تعقيم المكان الذي حددته وبغرسةٍ واحدةٍ في وريد مرفقي خرجت متدفقةٌ كمياتِ الدم المطلوبة، سحبت (النيدل)الإبرة برفق ووضعت قطعة من الشاش،على المكان الذي سحبت منه عينة الدم، وثبتتها بلاصق شفاف، شكرتها لخفة يدها، أعدت الكرة بارتداء ملابسي وغادرت العيادة.
عدت للبيت، ابدلت ملابسي، وأعددت لنفسي الفطور، طبق من البيض المقلي،مع السلطة ونصف رغيف من الخبز العراقي المحمص، ومن ثم أعددت قدح من (شاي أحمد بالهيل) !
وأنا ارتشف الرشفة الاولى من قدح الشاي كانت الشمس قد نورت فلقد بزغت تواً وراحت تخترق اشعتها الذهبية شبابيكَ الشقة .أزحت الستائر المعدنية ،التي تحجب الشمس، ورحت اروي وأتفقد نباتات الظل في أصصها الموزعة في شبابيك المطبخ والصالة ، وجلست كاستراحة قصيرة امام جهاز التلفاز، وبدأت ابحث عن نشرات الأخبار فيما امسكت يداي الكومبيوتر المحمول (لابتوب) وراحت تتابع اخبار الانترنيت ايضاً.
تابعت في الانترنيت أخبار الطقس لهذا اليوم ، الطقس مشمس، ووقت شروق الشمس الساعة الثامنة والنص فيما غروبها الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر!
ورحت اتابع الاخبار في التلفاز:
ــ تحذيرات جديدة من انهيار سد الموصل، وان انهياره يوازي قوة دمار انفجار ودمار قنبلة نووية، أطلقت هذه التحذيرات على لسان مهندسي شركة (تريفي) وهي الشركة الايطالية التي تعمل منذ (11) شهراً لصيانة السد.
ــ وكالة رويتر: مؤسسة ابحاث تؤكد أن تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ينتج أسلحة متطورة، تضاهي مستوى تسليح الجيوش الوطنية، بعد زيارة مصانعه في الاراضي المحررة في الموصل.
ـ البنتاغون: يؤكد ان القوات العراقية حررت 20 % من اراضي مركز الموصل
ـ الناطق الرسمي للحكومة العراقية يؤكد أن القوات العراقية حررت (40) مدينة من الجانب الأيسر لمركز مدينة الموصل
ـ تفاقم أوضاع النازحين والفارين من الموت في الموصل والحويجة.
ـ تركيا/ الرئيس التركي (أردوغان) يعلن التعبئة العامة ضد التنظيمات الارهابية!
ـ المفوضية العليا للانتخابات العراقية تعلن اليوم عن تسجل (212) حزباً سياسياً قديماً وجديدا لديها لخوض الانتخابات المحلية أواخر العام المقبل
ـ الجيش السوري( الحكومي) يسيطر على معظم مدينة (حلب السورية)، وأخبار عن أتفاق وشيك لإخراج المدنين والمسلحين من الجانب الشرقي لمدينة (حلب.
فنلندا: بدأت يوم امس (13 كانون الاول 2016) محاكمة توأمٍ عراقيين بتهمة المشاركة في مجزرة( سبايكر) والتي راح فيها مئات المجندين الشباب في الجيش العراقي وغالبيتهم من الشيعة،والتي ارتكبها تنظيم داعش في العراق عام 2014 وبدأت أقرأ الاخبار في الانترنيت :
رئيس وزراء السويد( ستيفان لوفين) في لقاء في مدينة (أوربرو) في 13-12-2016 تحدث: تعتقد الحكومة بزيادة الحصول على فرص العمل في السنوات القادمة ، ويتوقع انخفاض نسبة البطالة في السويد في السنوات القادمة الى نسبة 6% راديو السويد باللغة العربية:13-12-2016 علقت وزيرة الخارجية السويدية ( مارغوت فالستورم) على تعيين الرئيس الاميركي القادم( دونالد ترامب) ل( ركس تيلرسن وزيرا للخارجية) الأميركية أنه شخص يفتقد للخبرة السياسية.
راديو السويد باللغة العربية:صرح رئيس الوزراء السويدي (ستيفان لوفين ) لراديو (السويد) في أول تعقيب له على نتائج الانتخابات الأميركية، أن السويد تحرص على استمرار العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأميركية بغض النظر عن اسم الرئيس والحزب الذي يمثله، مضيفاً بأن الحكومة السويدية قد أعدت نفسها لكل السيناريوهات، وإن النتائج لا تصدمه لأنه كان يتوقع أن جميع النتائج ستكون متوقعة. أشتد بيَّ التعب والنعاس فقررتُ أن أنام، وعند دخولي غرفة النوم كانت تأتني اصوات أناشيد اطفال من (رياض الأطفال)والتي تشغل الطابق الأرضي الذي يقع تحت الشقة التي أسكنها مباشرة، وهي تردد اناشيد احتفالات (لوسيا) وتسمى (حاملة النور) وهي احدى التقاليد المهمة والرئيسة التي يُحتفل فيها في مملكة السويد، يُحتفل بـمناسبة ( لوسيا) يوم (13 كانون الأول / ديسمبر) من كل عام ن وهذا اليوم يعتبر اكثر يوم مظلم في السنة، حسب التقويم القديم الذي كان ساري سابقاً في السويد ، وفيما كنت اسمع صوت الاطفال، وهي تردد اغاني( لوسيا)؛ رحتُ في نوم عميق .
استيقظت في الساعة الثانية عشر والنصف على صوت الهاتف النقال يرن، كانت زوجتي تتصل بي من مكان عملها وخلال الوقت المخصص لاستراحتها في العمل أخبرتها بذهابي للمختبر وعودتي واستيقاظي من النوم الآن، أوصتني بشراء بعض الاشياء للبيت في حالة ذهابي ووعدتها بذلك.
أستلقيت مسترخياً على مقعد وثير في الصالة قرب الشباك كي اخذ قسطاً من اشعة الشمس، وفيما انا في غاية الاسترخاء وإذا الهاتف المحمول يرن الساعة الواحدة والربع بعد الظهر، نظرت في شاشة الهاتف النقال المتحدث رقم أبنتي(ريام) من (ستوكهولم ) فتحت الهاتف: جاءني صوتُها العذب وهي في غاية السعادة:
– ( ابشّرك بابا حصلت الآن على نتيجة الدراسة من الجامعة، ناجحة وحصلت على شهادة الماجستير).
كدتُ أطير من الفرح معها، بعثت لها قبلاتي الحارة وتمنياتي بالمستقبل السعيد والنجاح الدائم.
ذهبت للحمام، وغسلت وجهي وفرشت أسناني وبدأت أغير ملابسي استعدادا للخروج وأنا بغاية السعادة.
بعثت فوراً رسالة نصيّة الى زوجتي أخبرها ان (ريام) قد اتصلت بيَّ للتو وأخبرتني بنجاحها وحصولها على شهادة التخرج الماجستير في الطب الرياضي.
فتحت الكوميوتر، وتصفحت( الفيس بوك) فوجدت ابنتي (ريام) قد نشرت على صفحتها صورة حديثة لها وهي تكاد ان تطير من الفرح وهي تحمل بيدها شهادة التخرج وخلفها في الصورة لوحة كتب عليها (معهد كارولنيسكا) وشعار الجامعة،
وقد كتبتْ – سطرت- باللغة ( الإنكليزية والعربية) مشاعرها وهي تنشر خبر حصولها على شهادة (الماجستير) في (الطب الرياضي)، فشاركتها فرحتها ومدونتها على صفحتي وكتبت لها :
(مباركٌ للفنانة القديرة (ريام ) وهي تتقدم للأمام في سلم الرقي والنجاح ، وتحقيق الأحلام .
بفرح غامر تلقينا اليوم خبر حصول عزيزتنا الغالية الفنانة ريام الأميري، شهادة الماجستير في الطب الرياضي من جامعة كارولينسكا الطبية في ستوكهولم / السويد، أن شاء الله تحصلين على الدكتوراه!
أبنتنا الغالية ريام : السنة القادمة أن شاء الله تزفين لنا خبر حصولك على ماجستير أكاديمية الفنون الجميلة …. )
محبتنا وقبلاتنا مع باقات من الورود العطرة
( بابا وماما)
مالمو في 14-12-2016
ملاحظة: ريام حاصلة كذلك على شهادة (بكالوريوس) أخرى من أكاديمية الفنون الجميلة من جامعة كالمر / السويد عام 2014، ومستمرة تدرس في المراسلة على الماجستير في نفس الاختصاص.
في باب الشقة وأنا أهم بالمغادرة تذكرت أن عليَّ أن اخذ معي كتاب ( اعترافات القادة العرب) أسرار وحقائق مثيرة ؛ تأليف (عادل الجوجري). كنت قد استعرته قبل فترة من المكتبة العامة في مالمو؛ وانتهيت من مطالعته قبل عدة أيام، الكتاب فيه معلومات صادمة عن القادة (الرؤساء) العرب. صورتُ قسماً من صفحات الكتاب وحفظتها في ملف خاص في جهازالكومبيوتر الذي بحوزتي!
مثال ذلك انقل أدناه نص مما ورد في كتاب( اعترافات القادة العرب) ص (42):
((الكتاب الأخضر في اللغة الكردية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة تاريخ علاقة جلال الطالباني بالعقيد القذافي تمثل نوعاً من الازدواجية والتناقض – بل النفاق – فبالنسبة لجلال الطالباني في الثمانينيات وفي محاولة منه لاستدراج القذافي قام الطلباني بترجمة ((الكتاب الأخضر)) إلى اللغة الكردية، وتم طباعة مليون نسخة وجرى اهداء طالباني للقذافي لنسخة من الكتاب في احتفال كبير في دمشق، وحصل وقتها الأكراد على اتفاق بأسلحة وأموال سرية، والكتاب كما هو معلوم ، يمثل خلاصة مشاعر العقيد وتجربته الشخصية في الدولة وآراءه، وتصوراته إزاء ليبيا والتطلع لأهداف محلية واخرى تتعلق بما يسميه القذافي بالفضاء الافريقي
وفي إحدى زياراته لليبيا، قدَّم جلال الطالباني النسخة الكردية للكتاب الأخضر للعقيد القذافي وقال له بالحرف الواحد : ((سيدي القائد … لم امنع نفسي ولم أمتنع عن إقرار حقيقة شغف الشعب الكردي بالكتاب الأخضر، ونظريات العقيد في التطوير والتنمية والدفاع عن الأقليات القومية والدينية في العالم العربي، وصناعة الدولة الوطنية الحديثة، لهذا قمت بواجب ترجمة الكتاب الأخضر شخصياً من اللغة العربية إلى اللغة الكردية، وها هو الشعب الكردي من أول جبل إلى آخر قمة جبل في شمال العراق يتوجه إليك بالتحية والإكبار والاحترام والتبجيل والتقدير العالي ويهدي إليك هذه النسخة الكردية الخضراء، ويتوجه إليك بأن تترك بصمة أبوية على هذا الشعب من خلال دعم وإسناد الحركة الكردية .)) فما كان من العقيد القذافي إلا أن قدم مبلغ خمسة مليون دولار للرفيق جلال الطالباني على تلك الخدمة ومنذ ذلك التاريخ نشأت علاقة قوية بين الطالباني ومعمر القذافي!.))
أنتهى نص الأقتباس كما ورد في الكتاب ولا أعرف لغاية اليوم مدى صحة ذلك.
أخذت الكتاب بيميني وسرت الى ( سنتر روزنكورد) في الطريق وعلى بعد عدة امتار من البناية التي تقع فيها الشقة التي اسكنها كنت انظر إلى صف الملاعب العديدة المتجاورة المخصصة لكرة القدم والمسيجة بسياج من( البي ار سي ) فيما تغطى ارضية كل هذه الملاعب بساط أخضر، أنها مروج طبيعة من الثيل الزاهي المنظر الممتد لمسافات شاسعة؛ سرت بمحاذاتها في طريق مخصص ( للسابلة ) مرصوفة بـ (الشتايكر)، وبجواره شارع معبد بـ ( الا سفلت)، مخصص للدراجات الهوائية، على أحدى جوانب سياج الملاعب القريب من شقتنا صفٌ من أشجار(الزعرور) والتي نفضت كلَّ أوراقِها؛ اقطف من ثمارها احياناً في فصل الصيف، وفي مقدمة السياج صفٌ طويل من اشجار باسقة يزيد ارتفاعها على العشرين متراً نفضت اوراقها هي الاخرى وبقيت اغصانُها تحتضن بودٍ وحنان اعشاش الطيور. في الطريق كانت بعض المجاميع من طيور( النورس) او (الغربان) منهمكة بفطورها وهي تلتقط طعامها من المروج الخضراء أومن بين الاوراق والأغصان الصغيرة المتجمعة بالقرب من الاشجار والشجيرات.
أمامي وعلى مرمى حجر عشرات العمارات بنيت
بأَبْهى الصور
وقفت سارحاً … مشدوهاً
وأنا
أُطيل النظر
عشبٌ أخضر
على مد البصر
أعشاش طيور
بُنيت
بين افانين الشجر
في عزِّ الظهيرة
شوارع
خالية من البشر
أفيق من حلمي
مقارناً بين ما جمعت عينايّ
هذا اليوم
من جميل الصور
وخزين ما حملته معي
من بلدي
من رعب الصور
وراحت بي
الدنيا مسرعة
تدور
وصلت الى ( مركز مدينة روزنكورد) الذي يحتوي على مجمع تجاري خدمي كبير، البناية أُنشئت حديثاً، المكانُ يعجُّ بالناس المتبضعين والمتسكعين ففيه العديد من المتاجر والأسواق التجارية ففيه (ثلاثة أسواق كبيرة سوبر ماركت متنوعة البضائع، ومحلات للصيرفة – تبديل العملة- واخرى للعطور والهدايا و صيدلية ومحل لبيع الزهور ومكتب للبريد وبطاقات اليانصيب ومحل للمصوغات الذهبية والفضية وعدة محلات للحلاقة وتصفيف الشعر للرجال والنساء ومحل لبيع لعب الاطفال وأخر للوازم وعربات الأطفال وعدة محلات لبيع الملابس، وكذلك للمواد المنزلية والسجاد، ومحلات لبيع الموبايلات واجهزة الكومبيوتروالستلايت، وثلاثة كافتريات تتوزع في السوق، ومدخل رئيسي لبوابة أكثر من مدرسة سويدية لتعليم (الكبار) اغلب الدارسين فيها من المهاجرين القادمين للسويد، وكذلك بناية المكتبة العامة في (روزنكورد) وغيرها من المحلات المتنوعة .
في وسط السوق يوجد مطعم وكافتريا (كيلاس) اعتدت الجلوس فيها، والتقي فيها أصدقائي ومعارفي، وجدت صديقي (كريم الاسدي) يجلس لوحده على طاولة في( الكافتريا) المكان جميل وحيوي فهو يقع وسط المجمع الكبير( لسنتر روزنكورد) يحتوي المطعم على مختلف انواع الاطعمة العراقية و الشرقية، وفيه ايضاً بوفيه مفتوح للطعام، وكذلك انواع متعددة من الحلويات والمعجنات والمرطبات والشاي والقهوة والمشروبات كالبيرة والواين، أسعاره معتدلة، المكان يعج بالحركة والنشاط طوال اليوم، تجتمع فيه مختلف الجنسيات التي ترتاد المكان والتي يقطن قسم منهم (روزنكورد والمناطق المجاورة لها) ومن جميع الجاليات فتشاهد الجالية ( العربية- السوريين والفلسطينيين وأخرى للعراقيين للعرب أو للكرد أو مختلطة – وبجنبها للبوسنيين وأخرى للإيرانيين وللأفغان والهنود وعدة طاولات للصوماليين فلهم على العموم اكثر من طاولة في المكان، وغيرها من الجنسيات، فتسمع في المكان مختلف اللغات وهي تتحاور وتتهامس و تتداخل اصواتها ولهجاتها مع بعضها!
جلبت لنفسي فنجاناً من القهوة وكأساً من الماء البارد الزلال، سعر كوب القهوة (12) كرون سويدي يعادل دولار ونصف أمريكي. اخترت كرسيّاً شاغراً على طاولة صديقي (كريم الأسدي/ أبو وسام ) حييته مرة أخرى، وجلست بجواره وبدأنا نتجاذب اطراف الحديث، أدرت محور الحديث هذه المرة عن( الدكتورة نوال السعداوي) فصديقي(أبو وسام ) من المعجبين بشخصيتها والمتابعين لنشاطاتها.
خلال جلستنا اتصلت بولدي (مخلد ) وعلمت منه أنه يعرف بتخرج ( ريام) وكذلك هاتفت أبن اخي( أبو أمير، بسام فيصل الأميري) على (الفايبر) فهو يسكن في (العراق/ قضاء العزيزية) وتحدثت معه، واستفسرت منه عن أخبار وأحوال
عائلته وأهله وأخبار المدينة والأصدقاء ، وأخبرته بتخرج (ريام) ففرح لها فرحاً كبيراً، وبعد انتهاء مكالمتي ألتفتَ أليَّ صديقي(كريم) مهنئاً بتخرج (ريام) متمنياً لها كل الخير والتوفيق.
فيما كنت وصديقي نهم بالمغادرة جاء صديقي (أبو أمين) ايراني الأصل يجيد التحدث بالعربية ، اعرفه منذ مدة تزيد على (12) عاماً التقينا ودرسنا سوية في احدى مدارس تعليم اللغة السويدية، إلتقيه هنا في (الكافتريا) باستمرار فهو شخصية لطيفة المعشر ذو ثقافة واسعة؛ حياني وسلمني كتاب (لُغزُ أمّ كلثوم ) للكاتب ( رجَاء نقاش) إذ كنت قد اعرته الكتاب قبل (10) أيام فهو يحب المطربة كوكب الشرق (ام كلثوم)ويحفظ الكثير من أغانيها ولديه اطلاع عن الشعراء الذين كتبوا اغانيها وملحنيها و معجب جداً بالموسيقار (رياض السنباطي) والشاعر( أحمد رامي)، إذ كنت قبل فترة حدثته عن الكتاب وفيه فصل مطول يوضح ويشرح العلاقة الحميمية (الحب الأفلاطوني) بين( أم كلثوم و احمد رامي ) فطلب مني استعارته!
في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر، قررنا أنا وصديقي (كريم الأسدي) مغادرة (الكافتريا)، غادر صديقي للبيت، فيما أخبرته بأني أود الذهاب للمكتبة – المكتبة العامة في روزنكورد- والتي تقع في نفس المجمع – سنتر روزنكورد- على بعد عدة امتار من المكان الذي نجلس فيه.
طالعت على عجلٍ في مدخل المكتبة الفسيح الاعلانات ومعرض للصور، واستلت يدايَّ أحدى الصحف العربية ( الكومبيس) واخرى(نبض الأوريسُند) والتي رصفت في حافظة من الحديد المشبك مخصصة لكل واحدة من هذه الصحف والتي توزع مجاناً.( الصحيفتان تصدران باللغة العربية والسويدية).
ولجت المكتبة من بوابتها الثانية المحصنة بنظام ألكتروني، ينشر صفارة إنذار منبهة عند خروجك مع أي كتاب تأخذه من المكتبة ما لم يتم تأشيره من قبل أمين المكتبة أو من الحاسبة الإلكترونية المخصصة لذلك والتي بإمكان أي شخص استعمالها والاستعارة بواسطتها دون الرجوع الى امين المكتبة شرط ان يكون يحمل معه هوية المكتبة العامة.
في بداية بوابة مدخل المكتبة وعلى جانبها الايمن يقع القسم المخصص للأطفال، ويسار المدخل تقع مجوعة من الكراسي المريحة الوفيرة ،رتبت الكراسي(الستة) حول طاولة وضعت عليها بعضُ الصحف اليومية ، فيما شغل جميع الكراسي مجموعة تتحدث فيما بينها – تتحاور – دون أن يطالع اي منهم في صحيفة او كتاب،لهجتهم تدل انهم من الجالية العربية لكنهم ليس بالعراقيين!
أستليتُ العدد الأخير من جريدة (العربي) من الادراج المخصصة للصحف والمجلات، والموجودة بترتيب جميل وفي معظم اللغات التي يرتاد روادها المكتبة ( السويدية ،الإنكليزية ، العربية ، الفارسية ، البوسنية ، والصربية والبولونية …)
وسرتُ عدة خطوات وسط صالة المكتبة كانت طاولة مربعة بعدة طوابق تتوسط الصالة عرضت عليها الكتب – الاصدارات الجديدة – بالعديد من اللغات ، طريقة عرضها تُلفت الانتباه ، فقد وُضعت قصاصاتٌ من الورق الملون باللون الأخضر على واجهة كل كتاب تدل أن الكتاب إصدار جديد، أخذت كتاب (المهاجرون) للكاتب السويدي ( فيلهلم موبيرغ ) الكتاب مترجم من اللغة السويدية إلى اللغة العربية،عن (دار المنى ) ترجمة (علاء الدين أبو زينة ) كنت في شوق كبير لمطالعته، إذ كنت قد شاهدت فلم ـ المهاجرين- الطويل جداً – بحدود سبعة ساعات – الذي يتحدث عن هذه الرواية المهمة جداً في التاريخ السويدي.
جلتُ بنظري في المقاعد المريحة الاخرى التي تتوسط صالة المكتبة والتي تقع وسط الصالة مابين مكتب الاستعلامات والحاسبات الالكترونية المخصصة لرواد المكتبة، اخذت مكاني في زاوية احدى (القنفات) التي تتسع لشخصين او ثلاثة، وضعت الصحف على الطاولة التي أمامي، وبدأت اطالع عناوين صحيفة (العربي) وهي صحيفة باللغة العربية وتصدر من(لندن)، لم اتمكن من التركيز وفهم المواضيع وعناوينها ؛ فصوتٌ من (القنفة) التي تلاصقني من الخلف، لا ينقطع عن الحديث، أدرت رقبتي للخلف، شابٌ في العشرين من عمره يتحدث بـ ( هاتفه النقال ) بصوتٍ عالٍ وبعصبيةٍ وباللغةِ (الصوماليّة) الصوت يرن في رأسي وهو يقتحم أذنيّ؛ وضعت الصحيفة على الطاولة وانتظرت انتهاء مكالمته، وما ان أنهى مكالمته، وههمت ان أخذ الصحيفة من أمامي، حتى بدأ رجل ٌ اخر بعمر (40 ) عاماً كان يتحدث باللغة (الفارسية) – احتمال من الجالية الأفغانية أو الايرانية – بالتلفون وبصوت مرتفع وفتح الحاكية (السبيكر)؛ أعدت نفسي لوضع الجلوس والراحة والتجوال في نظري عما يجري في المكتبه وقررت أن اخذ اغراضي وصحفي وأبحث عن مكان أخر تركت الصحف والأغراض وتجولت في المكتبة وجدت احدى الطاولات المستطيلة تحيط بها (خمسة) كراسٍي، جلسَ في صدرها (شاب في الثلاثين) يحدق منهمكاً في(حاسوبه) الشخصي وبجانبه على المنضدة رُصفت (ثلاثة) كتب، وفي الجانب الاخر (رجل ٌ في الخمسين) من العمر يطالع صحيفة( فارسية)، وأمامة على المنضدة أكثر من صحيفة بنفس اللغة، عدتُ مُسرعاً وجلبت أغراضي والصحف وأخذت مكاناً في الطرف الآخر من المنضدة الكبيرة المستطيلة، فالمنضدة مخصصة للقراءة والكتابة؛ وبدأت مجدداً بمتابعة عناوين الصحيفة ؛ نهض (الرجل الخمسيني) من مكانه بعد دقائق؛ فيما عينايّ تجولان في المكان الذي حولي شدني منظرٌ غريبٌ فعلى مقربة خطوتين من مكاني (شاب في الثلاثين) من العمر يجلس على ركبتيه على البلاط ووجهه متجه على درجِ الكتب العربية المرصوفة في رفوفها، حدقت النظر به مستغرباً فرأسه يتطلع الى ابعيد
من صف الكتب المرصوفة أمامه، نظره شارد للبعيد ـ بشرته توحي انه ليس (عربي )فلون بشرته داكنة السمار وشعر رأسه مجعد حالك السواد، وهيئته توحي للناظر انه من (الصومال)، لحظات مرت ونظري مسمر له وشدني أليه أكثر حركاته فهو يجلس في هذا الوضع كأنه (يصلي) لحظات تيقنت أنه فعلاً يصلي، فقد حرك يديه وأدار رأسه الى الجانبين أشارة تدل أنه اكمل الصلاة.
وفيما نظري يجول في المكتبة لاحظت (رجلاً) أخر أسمر البشرة، في أحدى الغرف التي تقع خلف الاستعلامات ، متجهاً بوجهه الى الشباك وفي نفس اتجاه (الرجل الصومالي) -اتجاه القبلة – وهو يضعُ كفي يديه على اذنيه بشكل يوحي بالصلاة ايضاً!
رجعت الى صحيفتي ، فيما أقلّبُ الصفحة الأولى، جاء صوت مذياع ينبثق من (الهاتف الخلوي) للشاب الذي يقاسمني الطاولة نغمة رنين هاتفه تعلن الآذان ويدعو للصلاة باللغة العربية، أخفض الشاب الصوت على مهلٍ وهو يرمقني بنظرة فيها نوعٌ من الود .
قررت أن أغادر المكتبة مكتفياً بهذا القدر من المطالعة في المكتبة لهذا اليوم!
حملت أغراضي وأعدت الصحف التي استعرتها الى مكانها، لم يزل مكان مطالعة الصحف تشغله نفس المجموعة وهم محتدون ومنهمكون في نقاشاتهم.
ذهبت الى الجهة المقابلة للاستعلامات لغرض تسليم كتاب (اعترافات القادة العرب) يسلم الكتاب الى حاسبة الالكترونية ، ما ان تضع الكتاب على المكان المخصص لذلك حتى تتم قراءة الشريحة الالكترونية المثبتة على الكتاب ، يأشر الجهاز أنه استلم الكتاب، فتستلم ايصال بشكل( اوتماتيكي)عن الكتاب المستعار !
ذهبت الى موظفة الاستعلامات كي أستعير كتاب (المهاجرون) اخرجت هويتي من محفظتي، ودفعت بالكتاب والهوية لموظفة الاستعلامات ،موظفة الاستعلامات إمرأة ودودة لطيفة متوسطة القامة شعرها قصير تبدو في الخمسين من العمر، حييتها باللغة السويدية وأخبرتها أني أود استعارة هذا الكتاب. أستلمت الموظفة الهوية وبدأت تضرب على الكومبيوتر الذي امامها، وإذا أصواتُ اطفال – خمسة بنات- بعمر من (8- 10) سنوات قهقهاتهن تملئ المكان وهنَّ يجرينَّ بحركةٍ ودربكةٍ عبثيةٍ فوضوية، وهنَّ يلفنَّ ويدورن حول الكراسي والطاولات، تسمرتْ الموظفة في مكانها، وفغرتْ فاها، وبصوت خفيض حاولتْ الموظفة تنبيههن على خطأ هذا التصرف ولا يجوز ذلك، توارت الفتياتُ مسرعاتٍ بعيداً في جريهن بين ادراج المكتبة، ودخلن مسرعات الى غرفة في الجانب الأخر مخصصة كسينما للأطفال فيها شاشة تلفزيون تعرض فيها انواع متعددة من افلام الاطفال!
سلمتني هويتي والكتاب المستعار مع وصلٍ مثبت فيه تاريخ الاستعارة و موعد التسليم، وذهبتْ الموظفة مسرعةً خلف الفتيات إلى غرفةِ السينما!
ارتديت كامل ملابسي (القمصلة، غطاء الرأس، اللفاف، القفازات) ووضعت الكتابين( لغز أو كلثوم والمهاجرون) بين صحيفتي( الكوبيس ونبض الأوريسُند) الساعة تشير الى الرابعة مساءً، قررت الخروج من الباب الذي يتوسط سوق (سنترروزنكورد) قرب الباب وقفت أحكم سحاب (القمصلة) واللفاف حول رقبتي، وضعت أغراضي على( مصطبة) قرب الباب، كانت تجلس عليها(امرأة) في العقد الخامس او اكثر، قصيرة بدينة، تجلس في هذا المكان بشكل شبه دائم ( تتسول) من الداخل أو الخارج من السوق!
خرجت من السوق لفحة من الهواء البارد تضرب وجهي، لم تزل بقايا من الشمس تُضيء المكان ،لون السماء رمادياً، عشرات من الناس تغادر السوق محملة بالأكياس التي رسمت عليها علامات (السوبر ماركت الخاصة بالسوق) ،أو يسحبون عرباتِ التبضع، فيما عشرات اخرين يدخلون للتبضع، مئات من السيارات وبمختلف الالوان والموديلات تقف أمام الاسواق، فالكراج الكبير الواسع ذو الطابقين الذي يقابل الاسواق والطابق الذي تحته، وقوف المركبات فيه مجاني لمدة ساعتين، وبإمكان المرء تجديد الساعتين مرة أخرى.
الطقس بارد، مع رياح باردة خفيفة،اعتقد درجة الحرارة بحدود (الصفر) سرت عدة خطوات، أمامي يجلس(رجلٌ) في العقد الثالث من العمر يفترش الأرض بالقرب من بوابة أكبر سوبر ماركت في روزنكورد(ستي كروز) يلف سيقانه ببطانية باسطاً يده للتسول، وقفت قرب الرجل ووضعت في الوعاء الذي امامة قطعة نقدية معدنية (خمسة كرون سويدي) الرجل بلحيةٍ كثةٍ سوداء، وجلبابٍ شتويٍّ رث، وسرت متجهاً نحو شقتي وبحدود عشرة دقائق كنت قد وصلت الشقة اتصلت بي زوجتي(أم مخلد) تُخبرني انها قد استقلت الباص رقم (5) المتجه الى البيت وإنها سوف تمر في السوق لتشتري بعض الخضار قبل ان تصل البيت، بعد أن أخبرتها أني لم اشترِ الخضار الذي اتفقنا عليه وأخبرتها أني سوف اقوم بتهيئة مائدة الغداء، وفعلاً بدأت بعمل السلطة ( الخس والخيار والطماطة والليمون وقليل من زيت الزيتون)، وأعددت طبقاً صغيراً من الطرشي المخلل، أخرجتُ من الثلاجة طبقاً معداً سلفاً من ليلة أمس( أفخاذ من الدجاج المحمرة مع
مجموعة من الخضار معدة في فرن الطباخ) وضعتها في فرن الطباخ لغرض تسخينها، ووضعت رغيفاً من الخبز العراقي بعد ان قطعته أربع اجزاء الى جنبها في الفرن.
تناولنا الغداء معاً، بعد تناول الغداء أعدت (أم مخلد) الشاي ؛فارتشفنا الشاي ونحن نتابع نشرات الاخبار من خلال الفضائيات العربية ، قتالٌ دامٍ في (الموصل) اندحار(داعش)، القوات العراقية تحاول أن تُحكم سيطرتها على الجانب الايسر لمدينة( الموصل)، وقتالٌ عنيفٌ في (سوريا واليمن وليبيا)، الجنيه (المصري) مستمرٌ في الانهيار ويسجل (18,5) جنيه مصري مقابل واحد دولار!
أخبرتني (أم مخلد ) أنها سوف تباشر البدء في عمل (أبو الهريس) والتي كانت قد هيأت مواده الأولية منذ الصباح. وهي مناسبة تراثية مندائية ضاربة بالقدم متناقلة عبر الأجيال جيلاً عن جيل كموروث ديني طقسي أعتاد (الصابئة المندائيون) على أحيائها سنوياً و تسمى بـ ( أبو الهريس)؛ إذ يعمل المندائيون في هذا اليوم وجبة طعام تتكون من( سبعة) أنواع من البذور (الرز، الحنطة، الحمص، العدس، الباقلاء، الماش، اللوبياء) وتسمى (الوجبة المقدسة) وتقام في ذكرى استشهاد (365) رجل دين مندائي بدرجة (ترميذي) قتلهم اليهود في (أورشليم ) بعد وفاة النبي – يهيى يهانا- أو(يحيى بن زكريا )، وهنالك روايتان أخريان حول هذه المناسبة، الأولى انها تعمل كذكرى على ارواح جنود الفرعون الذين ماتوا غرقاً وهم يتبعون اليهود،عند عبورهم البحر الأحمر. والأخرى تقول أنها بمناسبة نجاة النبي نوح وذويه من الطوفان.
عدت الى الكومبيوتر أتابع (الفيس بوك)، عشرات من الاصدقاء الأحبة يسجلون اعجابهم ويسطرون تهانيهم الكريمة بمناسبة تخرج ابنتنا (ريام الأميري) فبواسطة الجسور الجديدةـ مواقع التواصل الاجتماعي ـ والتي تجمع الأحبة والأصدقاء في الأفراح والأتراح، والتي خففت علينا جميعاً الغربة والتشرد والتشرذم الذي نعيشه ونحن مشتتون في شتى بقاع الارض، إذ بتنا نتابع اخبار بعضنا البعض بهذه الوسائل السريعة، كنتُ فرِحاً وسعيداً جداً وأنا أرى مئات من الأهل والأصدقاء والأحبة وهم يشاركونا فرحتنا ويسجلون تهانيهم ويضعون بصمات إعجابهم فلهم منا جزيل الشكر وباقات من الورود العطرة!
الساعة الثامنة مساءً نادت عليّ (أم مخلد) لتناول فنجان من القهوة العربية ! فسررت للفكرة، فأعددتُ فنجاني القهوة هذه المرة بنفسي، وطلبت من (أم مخلد) ان تلتقط لي صورة وأنا أعمل القهوة وأشارك في هرس وتدوير محتويات (أبو الهريس) وهي في قِدْرها إذ كانت (أم مخلد) قد وضعت المواد الخاصة (بالهريسة) في الوعاءـ القِدْرالكبيرـ المخصص لها على الطبّاخ وبدأت بعد مدة وجيزة بالغليان!
ونحن نرتشف القهوة ، كان حديثنا يدور حول نجاح ابنتنا (ريام) ورغبتها إكمال دراستها في الطب الرياضي وكذلك في مجال الفن وأنا اقرأ وأعد لها اسماء الأهل والأصدقاء وهم يشاركونا فرحتنا!
وأخبرتها أني قد قرأت عدة مقالات خلال هذا المساء عن مناسبة (ابو الهريس) قد كتبت بأقلام مثقفين (مندائيين) في (الكروبات المندائية على الفيس بوك وغيرها) من وسائل التواصل الاجتماعي وهي تحلل هذه القصة المتوارثة، وترجح هذا الاعتقاد أو ذاك بناءاً على الدراسة والتحليل والاستنتاج والاستنباط والمقارنة مع ما ورد في الكتب المندائية المقدسة وغيرها ، وهذا الشيء يدل على اهتمام رائع بالتراث(المندائي) ومتابعة جادة بالتقصي والتحليل والاستنتاج.ومن هذه المقالات كانت مقالة للباحث الشاب المجتهد (أسامة قيس مغشغش)، والتي جاءت تحت عنوان (قراءة في معاني( ابو الهريس) بين الدين والمعتقدات).
وبقيت اتابع التلفاز وأخباره وبرامجه المتنوعة على قناة (أوربا نيوز) والجزيرة الوثائقية؛ وكذلك أراقب مع (أم مخلد) قِدر (الهريسة) وهو ينفث بخاره وصوت فقاقيع (أبو الهريس) وهي تفقأ الواحدة تلو الاخرى سريعاً!
وكانت من أبرز الأخبار منح (البرلمان الأوربي) خلال اجتماعه، الإيزيديتين الناجيتين من وحوش(داعش) كلٍّ من( نادية مراد 23عاماً) و (لمياء حجي بشار 18 عاماً) جائزة (ساخاروف) لحرية الفكر؛ وقد تسارعت تترقرق الدموع في عيني وأنا أسمع الفتاتين وهما تتوسلان بصوت متهدج تخنقه العبرات المجتمع الدولي والبرلمان الاوربي وتطلبان الحماية والمساعدة الإنسانية (للطائفة الإيزيدية) في العراق وسوريا من الاعتداءات المدمرة والاستباحة الفاشية التي طالتهم والمستمرة في تهديدهم!
حولّت قناة التلفاز مسرعاً الى برامج الجزيرة الوثائقيّة رحلت مع رحلة (لؤي العتبي) واستكشافاته في برنامجه الممتع (أثيوبيا على الأقدام ) وهو يتجول مع بعثته الاعلاميّة في ربوع (أثيوبيا ).
حتى حان موعد تناولُ العشاء، بحدود (الساعة العاشرة والنصف) وكان قدحاً من اللبن الرائب وقطعة ًمن الخبز المُحمّص وتفاحةً حمراءَ، وعدةَ حباتٍ ( فردات) من التمر العراقي نوع (بريم)جلبتها من نخلاتِ حديقة بيتنا في مدينة العزيزية/ العراق من العام الماضي وكانت محفوظة بعناية في المجمدة؛إذ نتناول منها بعض حبات التمر في المناسبات، وبعدها تناولتُ وجبة ًمن (حبوب) الدواء المفروض عليّ تناولها كل يوم بناءاً على توجيهات الطبيب!
اتصلنا بابنتنا (روز وزوجها سنان ) في سدني/ استراليا وتبادلنا معهم التحيات في هذه المناسبة.
بعد عدة محاولات من التذوق لما في القدر الذي يغلي ؛ قررنا أن ( الهريسة )قد تم طبخها بالشكل وأن التذوق وصل للدرجة المطلوبة، اخرجت قدر (أبو الهريس) ووضعته في (البالكون) فدرجة البرودة هناك وخصوصاً في الليل أبرد من ثلاجة البيت،على أمل تناول طبق من (أبو الهريس) صباح اليوم التالي ونقرأ معها الفاتحة (رواد هيي) على أرواح موتانا أجمعين، وندعو بالصحة والسلامة للجميع؛ وسجلنا بعض الاسماء من الأهل والأقارب والأصدقاء كي نوزع عليهم غداً بعض الأطباق من (أبو الهريس) كما اعتددنا أن نعمل كل عام.
كان هذا اليوم هو يوم الأربعاء 14- كانون الأول/ ديسمبر ـ 2016

أحدث المقالات