جلست صباحا في مطعم بسيط, قرب مكان تجمع العمال, واغلب رواده هم العمال, والطبق الأكثر عشقا هو (شوربة عدس), وقد طلبت طبق الشوربة مع شاي ساخن, فكانت سعادتي لا توصف, بهذا الطبق, والذي يناسب الساعات الأولى, لما يعطيه من كمية نشاط, لا تقدر بثمن.
بجانبي كان بعض العمال, حول أطباق شوربة العدس, وكان حديث العمال عن تظاهرات الأمس, والتي طالبت بمحاكمة المتهمين بسقوط الموصل, فكان ثلاثة من الجالسين شباب, وهو يقسمون أن المحاكمة ستتم للمتهم رقم واحد, معتبرين ذلك حدث سيكون قريبا, والتفاؤل يملا قلوبهم, وان التظاهرات لتحفيز السلطة, للقيام بمسؤوليتها, لكن اكبر الجالسين سناً, بقي صامتاً, لم يعطي رائيه ولم يبدي موافقة على ما يقولون, فالتفت الثلاثة أليه يسألون عن رأيه, فقال بلغة تدلل على يقين: المتهم رقم واحد لن يحاكم, وعلل رأيه, بسبب قوة لغة المال, وفساد القضاء, والعلاقات الدولية, والمحاور الإقليمية, كلها تبدد أي تفاؤل ممكن بتحقيق العدل.
بعد أتمام الفطور, كنت راغب بالتسوق, فكان لا بد من ركوب الباص (الكية), للوصول لسوق (عريبة) في شارع الداخل.
جلست إلى جانب رجل عجوز, وكان يتكلم بحرقة, عن الظلم الذي يحكم البلد, والذي تسبب في محنة لا تنتهي, سألته عن تشخيصه, عن سبب تحول الحكم في العراق, إلى حكم فاسد وظالم, فقال الرجل العجوز: السبب الكتل السياسية, التي قبلت بنظام المحاصصة, والذي هو نظام داعم للفساد, حيث تتشارك كل النخب السياسية بالحكم, من دون وجود خط للمعارضة, فتوزع المناصب بينهم, مثل خروف هارب خائف, يقع بيد أفراد جائعين, فيصبح كل همهم أكل الخروف, وليس أمرا أخر, مثل إرجاعه لأهله, وهو ما حصل لعراقنا, الذي أكلته النخبة السياسية, على مدار 12 عام.
نزلت من الكية, فقد وصلت سوق (عريبة), لكن شعرت بإحباط كبير, من كلام الرجل العجوز, فأي أصلاح ننتظر, من نخبة فاسدة حد النخاع, نعم علي أن أشارك, في تظاهرات رفض الظلم, عسى أن نصحو على صباح تختفي فيه, كل كيانات الفساد, ففي أحلامي الجميلة, لا مكان لأي كيان سياسي فاسد.