22 نوفمبر، 2024 10:27 م
Search
Close this search box.

يوميات عنتر بن بغداد !(2)

يوميات عنتر بن بغداد !(2)

وقف هنيهة أمام تمثال سَمِيه وسط اﻷعظمية متسائلا عن صحة الرواية التي تزعم أن ” ساحة عنتر “سُميت بذلك الإسم نسبة الى نجل أحد كبار تجار الخيول من أهالي الموصل وإسمه عنتر والذي عكف على إطعام الجياع أيام المجاعة التي عصفت ببغداد في هذا المكان الذي يقف عنده ولكن قبل قرن من الزمان فسميت المنطقة بإسمه ” تل عنتر ” على حد زعم الرواية ، أو إنها فعلا قد سميت تيمنا بالفارس العربي عنترة بن شداد العبسي ، الذي يتوسط نصبه الساحة وهو على ظهر جواده ممتشقا سيفه العربي اﻷصيل وكأنه يردد على مدى اﻷيام ما كان قد جاد به قديما :

لا تسقني ماءَ الحياة ِ بذلة ٍ..بل فأسقني بالعزَّ كأس الحنظل

ولكن أي عز ذاك الذي يمكن أن يحظى به “عنتر بن بغداد ” وأية كرامة تلك التي يحلم بها وسط ركام اللئام وزحام السُراق الهائل من أحاديي وثنائيي وثلاثيي الولاء والجنسية ، ممن ضاقت بهم أرض الرافدين بما رحبت ، وزكمت أنوف الخلق من روائح فسادهم التي فاحت ، فبتلكم اﻵفات والنكرات سيظل غريبا وﻻشك كما العراق على ضفاف الخليج أسوة بجائع العراق ومسلوله وغريبه الـ ..سياب !!
جال بخاطره متخطيا كل الحواجز وصولا الى نصب مماثل على ضفاف شط العرب عبثت به عواصف الفساد كما عبثت بكل جميل في العراق ، تمثال لعملاق التفعيلة في الشعر العربي على خلاف بين النقاد بحقيقة الرائد لهذا الفن ، هل هو السياب بديوانه ( أزهار ذابلة ) ، أم نازك الملائكة ، بقصيدتها الشهيرة ( الكوليرا ) ، أم البياتي في ديوانه ( ملائكة وشياطين ) وكلهم من العراق ، لتتوالى من بعدهم اﻷسماء العربية واحدة تلو اﻷخرى بدءا بالفيتوري وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وليس انتهاء بنزار قباني ومحمود درويش وفدوى طوقان وسميح القاسم ، هناك في كورنيش البصرة عاد السياب غريبا كما عاش طوال حياته بعد أن سقط إسمه من قاعدة النصب المقام له على الضفاف ، لتسقط من بعده كلمات من قصيدته ( غريب على الخليج ) المنقوشة تحته لتجدد غربته ..حقا إن هذا الشاعر الفذ سيظل يتنقل من غربة الى أخرى ،فمن نخيل جيكور وأكواخها الطينية ..الى الجوع ..الى مرض السل ..الى جنازة بمشيع واحد من الكويت الى البصرة ، الى تمثال بائس نصب تكريما له ، لم يعد يحمل اسمه – الذي سقط كما سقط الوطن – ينعى غريبا يعيش بكنف عراقه بعد تكاثر وتناسل اﻷغراب فيه دوما على مر العصور .. وصدقا ماقاله السياب في رائعته ” غريب على الخليج ” :
الريح تصرخ بي عراق
و الموج يعول بي عراق ، عراق ، ليس سوى عراق

كيف لايشعر بالغرابة والغربة “عنتر “ونقابة المعلمين تفجر مفاجأة من العيار الثقيل خلال إضرابها العام مفادها أن هناك 13 مليون أمي يجهلون القراءة والكتابة في العراق ؟!!
كيف لايكابد الغربة والمرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر يفجر مفاجأة أخرى ﻻتقل وطاة عن سابقتها ويكشف عن وجود 15 شبكة اتجار بالبشر في العراق تعمل على إستدراج النساء ضمن شبكات الدعارة، فيما تستدرج كبار السن وذوي الإعاقة ضمن شبكات التسول ، ناهيك عن الاتجار باﻷعضاء وتهريب العمالة الاجنبية ؟ !
كيف لايعاني الغربة ومرجع ديني يؤكد وجود ملاه ليلية ومحال لبيع الخمور بشكل غير مسبوق أصبحت متاحة حتى للصبيان تمارس عملها بشكل علني وبحماية السلطة وبعض الأحزاب المتنفذة”.
كيف لايواجه الغربة ولجنة الصحة والبيئة النيابية،تكشف عن قيام القوات الأمريكية بطمر مخلفاتها الحربية والمشعة في عدد من المحافظات الغربية والوسطى والجنوبية وبعض مناطق العاصمة بغداد ما تسبب بإنتشار الامراض السرطانية بأنواعها بين العراقيين وفي جميع المحافظات بنسب مروعة وغير مسبوقة !
كيفﻻيتجرع كأس الذل ولجنة الصحة في الديوانية تطلق تحذيرا من احتمال وفاة 500 مصاب بمرض الثلاسيميا من أبناء المحافظة لنقص الأدوية الخاصة بهم منذ 6 أشهر، بالتزامن مع اطلاق المتحدث بإسم (تجمع مرضى الثلاسيميا ) صرخة مماثلة عن خطر الموت المحدق بضحايا هذا المرض العضال بعد إيقاف تجهيز ” الدسفرال والفلاتر ” لهم ؟!
كيف ﻻ يذوق طعم المر وفي كل يوم تطالعه النشرات الاخبارية بخطف وقتل ما بات يعرف بـ (مجزرة الكمأ) وآخرها وليس أخيرها على مايبدو مقتل 6 شباب من النجف قضوا في النخيب أثناء البحث عن الكمأ بعد ساعات من الكشف عن اختطاف 12 شخصا من الباحثين عن الكمأ من اهالي النخيب والانبار وكربلاء بواسطة مسلحين مجهولين ، وبعد مقتل طفل وإصابة إثنين آخرين بجروح خطيرة في صحراء حديثة بإنفجار لغم ارضي اثناء البحث عن ” الفقع ” ، وقبلها اختطاف وقتل العديد من الباحثين عن – نبتة الرعد – في صلاح الدين وحديثة وراوة بالتتابع !
وظل عنتر بن بغداد يتساءل “ترى هل من بصيص أمل وشعاع نور يبدد بعضا من هذا الظلام الحالك ؟ ” ، فجاءه الرد سريعا على لسان متسول يتربع على قارعة الطريق ” أبشر ياعنترة لقد تم إضافة 5 كلغ من الطحين الصفر للعائلة ونصف كيلو من العدس للفرد الواحد ضمن مفردات الحصة التموينية لشهر رمضان ” ، عاود النظر في تمثال جده قائلا :
إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ.. فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
فاصل وراجعين

أحدث المقالات