حتى الإستهزاء الساخر من واقعهم بات لا يُجدي نفعاً في توصيف همومهم، باتوا يعيشون فصولاً من المهزلة السياسية الأشد هبوطاً في محتواها، وبين حكاية وأخرى كانت تظهر لهم مأساة تنسيهم السابقات.
صحيح من قال أن أفضل العُدّة الصّبرُ على الشدّة لكن للصبر حدود، كما تقول سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
العراقيون باتوا ينزعون كل يوم ورقة من روزنامة التقويم وهي تخبرهم بعد أفول يومهم الذي مضى بهول القادم الذي يليه، أزمات تتلوها أزمات، خراب عام، يأس تام، قانون لا يطبق سوى على الأرانب، دستور مدنس من قبل واضعيه حتى وصل بنا الوصف الى بئس المصير.
أزمات متساقطة من شجرة هذا البلد حتى صارت كأوراق الخريف الذابلة التي تملأ الغابة لا لشيء سوى أن الذاكرة العراقية باتت لا تتحمل هذا الحجم والكّم من الأزمات.
مسكين هذا الشعب في واقعه ومصيره حيث لم يرحمه من السابقين أو اللاحقين، هل هي دعوة أولياء، لعنة التاريخ، نقمة النفط أم سوء حظ؟ ربما هذه الأمور مجتمعة لا أحد يمتلك إجابة لهذا السؤال.
يقول أحدهم أن الكوارث والمصائب التي مرت بالعراقيين جعلتهم من الشعوب الحزينة والكئيبة، لا تهمهم كل قصص وحكايات الفساد واللصوصية التي تغص بها الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي والأحاديث فيما بينهم لأنها أصبحت كقصص الأطفال التي يستمتعون بقراءتها قبل النوم.
من حرب عمرها ثمان سنوات مع إيران ومشاهد الجثث المتفحمة والمتناثرة التي كان يعرضها التلفزيون العراقي تحت عنوان “صور من المعركة” إلى حصار إستمر أكثر من عشر سنوات، كانوا في كل يوم يبيعون حاجة من حاجات بيوتهم لكي تستمر حياتهم، أيام كانت قوافل الأطفال الخُدّج تصعد إلى السماء تشكو إلى بارئها ظلم العباد عندما كانت الكهرباء تنقطع عن حاضناتهم وتسبب موتهم، كان حصاراً ظالماً أجبرهم عليه جورج بوش الأب وعنتريات نظام معتوه يحكمهم لم يُسوّق سوى الشعارات.
من السخافة أن نعتبرها نظرية المؤامرة عندما نتحدث عن ترويض شعب سنوات من الحروب والجوع والإفقار ليصبح على ما هو عليه خائفاً مستسلماً.
حكامهم باتوا يدركون نقاط ضعفهم فأحسنوا إستغلالها لأنهم يدركون أن الشعب بات يمتلك ذاكرة مثقوبة تنسى أو تتناسى بسرعة كل قصص الفساد والسرقات، غضب الشعب أصبح وكأنه لا يهم الطبقة السياسية ما دام ذلك الغضب مثل ملح الفوار عندما يوضع في الماء ثم يهدأ، كما وصفهم رئيس الوزراء الأسبق في العهد الملكي نوري السعيد. يبقى العراقيون سكارى وما هم بسكارى في دوامة الفوضى والإرباك وفي قعور الإنهيار وهم يرون بأم أعينهم ثرواتهم المنهوبة وهي تُسرق جِهاراً دون أن يقطعوا يد السُراق أو على الأقل يزج بأحدهم إلى السجن.
وإلى ذلك الحين من ساعة الصحوة يبقى الوضع على ما هو عليه عسى أن تحين ساعة الإستيقاظ من ذلك الكابوس الثقيل الذي يعيشوه في ماضيهم وحاضرهم وربما مستقبلهم.