لطالما سألت نفسي وفي كل عام وأنا أعد صفحة رمضان كريم ، عن أسباب حرص أمة – يتوالى الغزاة عليها تباعا وعلى مر العصور ليسلم السابقون رايات الاحتلال والسرقة والاغتصاب والتدمير الى اللاحقين – على بث الرعب في قلوب ابنائها ساعة الافطار والامساك ، مستخدمة وبأصرار عجيب مدفعا – صنع في بريطانيا او المانيا ويا ليتنا نحن من صنعناه – لهذا الغرض ، والقصة الارجح لهذه العادة – السخيفة جدا – هي محاولة والي مصر(خوش قدم ) المملوكي تجربة مدفع اهدي له ساعة الغروب في اول ايام رمضان عام 859 هـ فأستحسن الناس الفكرة واصبحت تقليدا بأستخدام الذخيرة الحية بادئ ذي بدء حتى عام 1859 م، فيما يرجح آخرون أن المرة اﻷولى كانت أيام والي مصر ، محمد علي باشا الكبير ، وبعضهم في عهد الخديوي اسماعيل ، وبذات المضمون ” تجربة مدفع ساعة الافطار ” اصبح عرفا تارة بالذخيرة الحية وأخرى بـ – الخلب – وثالثة بتسجيل صوتي مدوي في كل انحاء الوطن العربي ، وكان بالامكان إشعال ضوء أخضر فوق المآذن أو الإنصات الى اﻷذان بصوت رخيم ، للإعلان عن بدء موعد الإفطار والإمساك كما كانت هذه الامة تفعل منذ ايام الصحابيين الجليلين بلال الحبشي وابن ام مكتوم رضي الله عنهما وحتى اختراع – البدعة الي اذهبت سنة – بعيدا عن دووووي مدفع تطور ﻻحقا الى صاروخ سكود وجهنم وفيل وكاتيوشا الافطار وعبوة ناسفة او ﻻصقة او عجلة مفخخة تحصد ارواح الابرياء حصدا غير آبهة بصغير او كبير ، ذكر او انثى ، جاهل او متعلم ، فقير او غني تقتل المسلمين حصرا بعيدا عن المحتلين وبأصرار عجيب قل نظيره !!
وعلى ذكر المدفع فلقد قضيت خمسة رمضانات فوق قمم جبلية إبان الحرب العراقية – الايرانية 1980- 1988 ، في قمة” آخورة” كنا نتلقى ثلاث رشقات متتالية من ستة هاونات – مدافع مورتر – عيار 120 ملم تطلق على مواضعنا دفعة واحدة من الجانب الايراني ساعة الافطار ، قتلت احدها ستة شباب في عمر الزهور ، لنعلم بأن الموعد قد حان ، فنفطر على شوربة عدس – مليئة بالحصى -مع صمون الجيش الذي يصلح للبناء بدلا من الطابوق لصلابته ، شوربة كنت اعدها على الحطب مع صديقي ملازم اول اياد البصراوي – ابو سمرة – على بعد امتار من حقول الالغام لنفطر على ضوء اللالة الخافت مستذكرين نسائم كورنيش البصرة ومشويات العشار وفلافل ساحة سعد ومرطبات الباب الشرقي وسمك مسكوف شارع ابو نؤاس وهمبركر ابو يونان وباجة الحاتي واكلات ابن سمينة وعصائر جبار ابو الشربت ، اما في قمة ” شرويت ” فكان موعد افطارنا يحين على قنبلة مدفع 106 ملم محمول على سيارة جيب يطلق علينا من الجانب الشرقي ايذانا بحلول الموعد على – سباكيتي بالبيض – من ابتكارات ملازم اول محمد المصلاوي – ، في قمة “سونة ” الامر غير تماما ” اذ ان مدافع 130 ملم الصينية كانت هي الحل يعقبها ” مخلمة ملازم أول محمد الحلاوي !!
وعند انتقالنا الى القرنة كانت لسعات البعوض – والاس بي جي 9 قد حلت بدلا من مدافع الافطار والار بي جي 7 …ومرت السنون ومازال دوي مدافعك ياأمتي يحصد ارواحا ويرعب اخرى ليس للعدو فيها نصيب ليعلن عن بدء يوم صيام ونهايته …حتى استمرأ العدوان الفكرة وإستثمرها في مثل هذا اليوم ، الاول من رمضان 2004 فقتل 110 فلسطينيين بينهم 30 طفلًا واصاب ما يزيد عن 400 فلسطيني نصفهم من الأطفال خلال عملية اجتياح واسعة لقطاع غزة استمرت 17 يومًا، اطلق عليها الكيان الصهيوني اسم (أيام الندم) وتفيد بأيه ياندم ياندم …بدوري ولسماجة الفكرة اطالب بألغاء عادة اطلاق مدفع الافطار والاكتفاء باﻷذان للاعلان عن بداية صوم ونهايته وعدم الربط الدنئ والقمئ والمبيت بين الـ” بووووووووم ” وبين ” الله اكبر الله اكبر ” .اودعناكم اغاتي