23 ديسمبر، 2024 12:23 ص

يوميا ما إن أضع رأسي على الوسادة منهكا حتى أرى خيوط الفجر وهي تخترق السماء ، فالوقت يمضي بسرعة مخيفة !! حتى انني لا أتبين كم يستغرق الوقت وانا أصحوا من جديد واجهز نفسي ، وابدل ملابسي ، وأحضر اوراقي ، واصعد سيارتي الصينية الصنع لأصل الى مكان عملي .
يوميا مايشغل راسي ويسبب لي صداعا دائما هو الازدحام الذي سيصادفني في تقاطع كراج النهضه ، وانا اعرف تماما بانني لن اتخلص من هذا الازدحام الا بدعوات الوالدين ، لكن مايقتلني ويحيرني نفسيا وفيزيائيا هو هذه السيارات الفارهة أو الجكسارات كما يسمونها كيف انها تمر بقربي بسرعه وتخترق الزحام دون تأخير ، لا اعرف كيف يمرون ، يقفزون فوق السيارات ، بالصفارات ، بالطلقات ، بالحديد والنار، المهم يمرون ، فهم لايخضعون مثلي لقانون المرور أو الأنتظار ..
أما أنا فبعد ان أتجاوز جعجعة الطريق وحفره وعذاباته، مباشرة ، اشعر بالنصر ، امشي ملكاً ؛ مبتسماً ابتسامةً واثقة وأرى الناس في الشارع ،
هناك من يسعى الى رزقه ، وهناك أيضا اناسا تتلوّن وتتصارع وتخدع بعضها من أجل أشياء لا لزوم ولا قيمة لها !..
لا اعرف لماذا أحاول ان اشعر نفسي بالفرح !! وأنا أعرف جيداً أن الفرح مؤقتا لا يدوم معي وقد يكون مقدمة لحزن الغد والعكس ! فرح ؟! عن اي فرح اتحدث والاسبوع الماضي استقطعوا مني مخصصات الشهادة، بحجة ان شهادتي الجامعية في الاعلام لاتتطابق مع عملي في الوظيفة وهو مبرمج حاسوب !! يله خليهم يكصوها ياابني.. هي بقت ع الشهادة .. هكذا يوميا تقول لي امي حينما تسمعني اتذمر وادردم ، اقنع نفسي في كل مرة بكلام امي، وعلى راي أمي خلي يشيلون المخصصات ، هي بقت عليها .. اتفلسف قليلا واتظاهر بان هذا الاستقطاع لن يؤثر على معنوياتي ،أو يصيبني بالأحباط ، نعم فانا أعرف بان المال ليس كل شيء وان السعادة لا تتيسر في الأشياء المادية فقط ؛ فسواء منحوني تلك المخصصات ام لم يمنحوني إياها فانا على الاقل أمتلك وظيفة وأحمد الله واشكره، المهم آني احسن من غيري ، المهم عندي راتب وسيارة ، حتى لو كانت سيارتي صينية، فسواء امتلكت بي واي دي صينية أو جارجر امريكية ، في النهاية السيارتان يوصلاني الى مكان عملي وفي الوقت المحدد ،
كلامي هذا ينطبق ايضا على قائمة الكهرباء التي وصلتني امس ، خمسه وسبعين الف دينار علي ان ادفعها عدا ونقدا وخلال عشرة ايام فقط لان بها ديون سابقة ، مع العلم ان الكهرباء في منطقتنا لاتستمر اكثر من ساعتين متواصلة ، وأحيانا كثيرة اقل من ذلك بكثير ، لذا علي ان ادفع قائمة الكهرباء ، والا.. فانا خايف يشيلوا العدة .
المشاهد التي اراها أمامي كل يوم ، تتكرر بأستمرار وانا اعرف بان هذا الواقع سيبقى كما هو ولن يتغير وان الطريق سيظل مزدحما بالسيارات كل صباح، وانني ساتاخر كل يوم على عملي ، واني سادفع قائمة الكهرباء مرغما ، حالتي المربكه هذه تشبه واقعنا المرتبك فنحن لانرى ضوءا يرشدنا الى مانريد ، وانا ادرك تماما بان لاسبيل في المنظور القريب للتغيير أو الاصلاح ، وانني لن أستطيع وحدي تغيير الواقع أو إصلاح الكون، فواقعنا يحتاج الى معجزة ، والواقع لن يغيره شخص واحد ، بل لن يغيره الا من يمتلك الارادة لذلك ، أما الجاهل فسيظل على جهله مهما كان مثقفاً، والغبي سيظل غبياً !.. والفاسد سيبقى كذلك. وعندما تصل لهذه المرحلة من الأحباطات المتتالية ، فقط احلم، لاعليك ، حتى لاتجد نفسك مضطراً للخوض في أي نقاش أو جدال مع نفسك أو مع من هم عقولهم مغلقة مؤمنة بالفاسدين ، لو خضت نقاشا معهم ستجده عقيما ، لانفع فيه أو فيهم ، كيف أحاول ان اثبت ان من يجادلني هو مخطئ ؟..
تسير أيامنا و لا تتوقف! وانا مقتنع تماما بان العناية الإلهيّة فقط هي من تسير الامور ، وبأن من تقودنا هي يد الله والخير فيما اختارته اليد الآلهية لنا .
حالي كحال بلدي فكلانا يمر الان بمرحلة ضياع هي “مرحلة الديمقراطية الديكتاتورية” بمعنى أننا ندور في حلقة ضيقة ، ونراوح في مكاننا ، ففي كل مرة تجرى الانتخابات ، يفوز نفس الاشخاص ، نفس اصحاب المعالي والفخامة ، وذات الاحزاب والتيارات والكتل، ومايغري ويحرك كل هؤلاء هو المال ، مع ملاحظة مهمه جدا هي ان هناك تغيير سيحدث في وزارتنا لان الكل يقول بان مدير مكتب الوزير وابن عمه اللح سيكون هو المرشح الأقوى لاستلام حقيبة الوزارة .
المهم ، السياسيون عامة هم نسخة لمن هم في وزارتنا ، يشبهونهم تماما ، نفس الآله ، تفرخهم بأستمرار ، تنتج الفاسدين ، هم يمسكون بمكاتب السلطه بايدبهم واسنانهم ، يعدوننا بالكهرباء والماء والرواتب الخيالية والبيوت وقطع الاراضي ، ونحن نصدقهم ، نعرف بانهم أنما يعدوننا بالوهم ، يكذبون ، يكذبون على انفسهم قبل ان يكذبون علينا ، لكن مالعمل !! علينا أن نتعايش معهم ، نتقبل سلطتهم ، نتركهم يكذبون علينا ، يسرقوننا ، وبدل أن نسعى الى تغييرهم ، نشعرهم بأننا اكشفتنا كذبهم وفسادهم ، ولكننا نسكت عنهم ، سكوتنا هذا هو من جعلهم فاسدين ، وجعلنا عديمي الأرادة ،وأننا بذلك نكون كغطاءا حديديا لفتحة مجاري قذرة.
كلما مر يوم كلما ايقنا بان التغيير الذي فرض علينا قبل خمسة عشر عاما رغم ارادتنا لم يكن تغييرا حقيقيا ، وأن الديمقراطية التي فرحنا بها انما هي بالواقع ديمقراطية بائسة ، ديمقراطية من الدرجة الثالثة ، بشعة الوجه ، صنعت خصيصا لدول العالم الثالث ،
ورغم هذه النظرة المتشائمه وكل مافي قواميس العالم مما يوازيها من كلمات الاحباط ، يزداد إيمانني بان رياح التغيير لابد أن تأتي يوما ، وبأن الخير هو فيما اختاره الله ، وان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ، وطالما نحن لم نسعى للتغيير، سيبقى الوضع كما هو عليه ، وكما يقول عالم الفيزياء النووي الروسي اندريه ساخاروف..
يجب على من يعيشون في مجتمعات مفتوحه أن يكافحوا من أجل حرية من ولدوا في مجتمعات مغلقة ، وإن الحرية الفكرية هي الضمان الوحيد لحماية البشر من عدوى الخرافات الجماعية، والتي يستغلها الخونة المنافقون والآيدولوجيون ويحولونها إلى ديكتاتوريات دموية، وان الدول والحكومات التي لاتحترم حقوق شعوبها ولاتراعي رفاهيتهم وحريتهم فانها لاتحترم حقوق الامم والشعوب الاخرى ، بل لاتحترم الانسان ، مقالة اندريه ساخاروف هذه هزت الاتحاد السوفييتي في حينها وساهمت لاحقا في اسقاطه !!
اذن المسألة هي مسألة ارادة ، فإذا أمتلكت ارادتك كن مطمئنا، فأنت بذلك تكون قد أصبحت ملكاً حاكما لنفسك، واعياً جداً، ومطمئناً من داخلك !.. وكما يقول العالم السوفييتي !!! اوف !! أي عالم سوفيتي ؟!! مالي انا بالعالم السوفيتي ؟!! ، سأقوم بركن سيارتي الحبيبة في كراج الدائرة ، نعم فلقد وصلت بسلام الى مقر عملي….