18 ديسمبر، 2024 6:52 م

يوميات .. الباب الشرقي

يوميات .. الباب الشرقي

( 1 )
عبد الحسن، يبحث عن زوجة، هو لا يحبذ اختيارات أمّه وأخواته، يبحث عن فتاةٍ عصرية مثقفة، يريد النهوض بنفسه من واقعه الذي يرفضه، وكلمّا يشاهد فيلماً يؤكد هذا التوجّه، يصيح بهنّ، ليثبت صدق فكرته في الزواج

عبد الحسن، ورث ورشة النجارة من أبيه، غارقٌ طول الوقت بين نشارة الخشب وصوت الماكينات وفضّ نزاع العمال، وحين ينفرد بنفسه في مكتبه الصغير، يعيد خيالاته ويستلذ بها

أنهى المرحلة المتوسطة من دراسته حين انتبده الوالد لدخول سوق العمل، وبعدما يأس من تحقيق حلمه، قرر الارتباط بمن يحمل هذا الحلم

صديقه سجاد، يملك مهارات فوق الطبيعية، في العلاقات ودهاليز عالم الفتيات، كثيراً ما استشاره عبد الحسن للحصول على مراده، حتى نصحه بالتوجّه إلى شارع المتنبي أيام الجمع علّه يلقى ضالته هناك، فهناك يكثر تواجد المثقفين والمثقفات، وما على عبد الحسن سوى أن يتقمص دور المثقف ويقتنص فريسته، لكن عبد الحسن، لا يملك مفردات الحوار الثقافي ولا يعرف تفاصيل استدارج مثقفة إلى شباك حبّه، فيأخذ دروساً من صديقه قبل توجّهه في الجمعة القادمة

: ما يرادله شي، تشيلّك كتاب حيّ الله، وتلبس نظاره طبّيه وبنطلون أبيض لزگ وحذاء أبو البوز وتشيل جنطه زغيره على چتفك وتحط سماعات بأذنك وتمشي مشيه بيها فيكه وشعرك تهَيجه ليفوگ بجلّ !

: أخاف ناصب عليّه ولك ؟ .. عبد الحسن غير مطمأن من نصائح سجاد، لكن لا حيلة له سوى الرضوخ، ما دام هذا هو السبيل

: ولو سألوك على اسمك، مو تگول عبد الحسن، مشيّها حسن لو سوني، وبالليل قبل ما تنام اسمع أم كلثوم

: اشتعلوا أهلك على هالنصايح، العبّاس ميخلصك مني إذا ما ضبطت !

اشترى عبد الحسن مسلتزمات الصيد، ولم يخبر أهله بمحتوى الأكياس التي معه، ذهب بها سريعاً إلى غرفته في الطابق العلوي

في المساء ..

: يُمّه اشبيك ؟ اشو مو على بعضك ؟

: قربت يُمّه، وراح تجيچ چنّه تعجبچ قريباً

رفعت أمّه يديها إلى السماء داعيةً له بالتوفيق، لكن اخته تدخل عليه المطبخ وقد سمعت الحوار

: لا تگولّي مثقفه وفنطازيه، شوفلك وحده حليوه أُم بيت وتريحك

: انلصمي انتي مالچ علاقه، حيري بروحچ وعوفيني

في ليلة الجمعة .. عبد الحسن ينشغل بالبروفات والتحضيرات ليوم غد، بعدما ينهي صلاته ويستحم، يقفل باب غرفته على نفسه

يحاول لبس النطال، لكنه ضيّقٌ وبالكاد يدخل فيه، يلبس حذاءه، وبصعوبةٍ يستطيع شدّ قيطانه، ثم يلبس قميصاً أحمر فضفاض، ويستلم الجلّ، لكنه لا يدري كيف يستعمله، يتصلَ بسجاد

: حط بيدك وافرکها زين، بعدين دخّل أصابعك بشعرك، وليفوگ، هَيّج ليفوگ

أخواته خلف الباب يسترقن السمع بعدما سمعن صفيره وترديداته مع صوت أم كلثوم

.. أغداً ألقاك، يا خوف فؤادي من غدي ..

: هاذ اشبيه ؟ أموت وأعرف شديسوّي

تقول الأخرى : أكيد عنده سالفه، بس لا مكپّل وما يحچي

الصغرى تقول : دعوفوا، شتريدون منّه

: سكتي انتي فوصه، لا تتدخلين

عبد الحسن، يهيّج شعره، وشعره يهيج فعلاً، ينتفخ، يتصاعد، يصبح كالعشّ، ككومة تبن عشوائية، مصرٌّ على الخروج بنتيجة، يلبس النظارة، فتتشوش الرؤيا عنده، يتصل بسجاد

: عادي عيني سوني، راح تمشي على كيفك وتفيّك، وساعه الساعه تنزعها وتحشرها بشعرك، صدگ، اشلونه وضع شعرك ووضعك؟

: والله سجاد ما أدري، بس شكلي من جوّه عيناً فرجال مال هندسه، ومن فوگ، شكلي مال واحد أثول وباسطيه خمس طلاب وره الدوام

: لا عادي، والله أكيد اتخبل، أخذ سيلفي ودزلي صوره خل أشوف

بعد وصول السيلفي، يرسل سجاد إعجابه ويبين له أنه يشبه ألبيرتو مورافيا أيام شبابه

عبد الحسن لا يفتح الباب رغم الطرق عليه، والإصرار على حضور المشهد من أخواته

: موتوا بحستركم، ولا أفتح الباب

بعد التوسلات والدعوات والتعهد بعدم الاستهزاء يفتح الباب رويداً رويدا، وقد اكتمل هندامه ولبس الحقيبة

: عزه العزّاك عَبد، هاي شمسوي بروحك ؟ .. ثم تصرخ .. يُوم تعاي الحگي ابنچ العود، شوفي شمسوي ابحاله

يؤشر لها بكفه ويطلب منها الهدوء

: سوني رجاءاً، عَبد هذا، كائنٌ افتراضيٌ غائبٌ عن المشهدِ

: شنو ؟

: نعم، ثم تمالكي نفسك وأنتي منبهرةٌ بي

تنظر الفتيات لبعض في استغراب، ولا يعرفن ما حلّ بأخيهن
 [email protected]