17 نوفمبر، 2024 3:23 م
Search
Close this search box.

يوسف الصديق والمبادئ العامة للقانون الجنائي

يوسف الصديق والمبادئ العامة للقانون الجنائي

لم يكن القرآن بآياته البديعة التي كشفت عن الجمال البلاغي مجرد سرداً قصصياً خالياً من العلوم والأسس العلمية التي من شأنها تقويم أداء الانسان في خلافة الأرض وإدارة وتنظيم شؤونه ضمن قواعد مجتمعية عادلة واليوم إذ نجول بين ثنايا القرآن فترمق عيني قوله تعالى ( قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ . قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ).

وعند تأمل هذه الآية و بعض الآيات الكريمة من سورة يوسف عليه السلام نستنتج أن نبي الله يوسف قد طبق مبدأين من مبادئ القانون الجنائي ومدى التزامه واحترامه للقانون رغم مايتمع به من منصب الرئيس التنفيذي الاعلى في البلاد.

والمعلوم أن من المبادئ العامة لقانون العقوبات هو مبدأ الشرعية الجزائية ( لاجريمة ولاعقوبة الا بنص ).
والمبدأ الاخر النطاق الشخصي لتطبيق قانون العقوبات وهذا المبدأ استثناء على المبدأ الاصل الذي يقضي بأن تطبق الدولة قانونها داخل اقليمها الخاضع لسيادتها.
ولكن في ظروف ينص عليها القانون تطبق الدولة قانونها على بعض مواطنيها ولو كانوا في دولة أجنبية والحديث في هذا الموضوع كثير ولكن الذي يهمنا لدى التأمل في بعض آيات القران وعلى وجه التحديد في سورة يوسف يتبين لنا مدى احترام نبي الله يوسف عليه السلام والتزامه بمبادئ القانون.

و هذا فضلاً عن فقهاء الشريعة والقانون حيث ركزوا على المبادئ التي ذكرها القران بصورة صريحة كقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقوله تعالى ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وربما لم نجد في الكتابات ما يشير من أحداث يوسف النبي وعلاقتها بالقانون الوضعي الذي صنعه البشر خاصة بعد الثورة الفرنسية في أوروبا ولتوضيح ذلك سيكون حديثنا في ثلاثة نقاط :
النقطة الاولى : ان تفسير كلمة ( دين) التي وردت في قولهِ تعالى (كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) تعني قانون وما يتبعه من نظام قضائي وتنفيذي فمفردة دين الملك يعني قانون الملك الذي يطبق في مصر.

النقطة الثانية: بعد أن أخبر نبي الله يوسف عليه السلام أخيه بأنه سوف يأخذه لإعلامه والحصول على موافقته وذلك لعدم مفاجئتهِ، في هذا المورد نرى أن نبي الله يوسف قد التزم واحترم النص القانوني عندما دبر هذه المكيدة ومن ثم بحث عن نص قانوني يجيز له حجز أخيهِ لديه وهذا مبدأ (لاجريمة ولاعقوبة الا بنص) .

النقطة الثالثة : أن نبي الله يوسف عليه السلام كان لا يبتغي تطبيق قانون مصر لان قانونها ينص على ضرب السارق وسجنه و تعويض ضعف ما سرق وهذا يؤذي آخاه و لايستفيد بضمه إليه ، فكان من حكمته عليه السلام وتدبير الله سبحانه وتعالى ان أستنطق أخوته هو أو من معه بسؤالهم (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين )؟ فكان جوابهم الذي يريده نبي الله يوسف أن قالوا (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) اي الجاني نفسه فحسب قانون بني اسرائيل في نطاقهم الاقليمي في شريعة ال يعقوب هو استرقاق السارق وذلك بتسليم السارق بما سرق ليكون عبداً لدى المسروق منه وايدوا قولهم ايضا ب ( كذلك نجزي الظالمين ) وفي هذه الحالة كان على نبي الله يوسف ان يُثبت الاتهام حتى يلزمهم بما الزموا به انفسهم وتعهدوا به.

وهذا هو الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه لما فيه من الحكمة والمصلحة العامة وهذا ماجاء بقوله تعالى (كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) .
والجدير بالذكر أن مبدأ النطاق الشخصي لقانون العقوبات الذي طبقه نبي الله يوسف في زمانه لازالت التشريعات الحديثة مترددة و لا تنص على تطبيقه كما طبقه نبي الله يوسف إذ أن تشريعات الدول الحديثة تطبق هذا المبدأ على مواطنيها في بلد أجنبي بعد عودتهم ولم تطبق على الاجانب قانونهم داخل أقليمها .

وعلى ضوء ما أشرنا إليه نصبو لأن تصل هذه الدعوى الى المختصين والباحثين لأخذها بنظر الاعتبار والبحث في هذا المبدأ المهم تبسيطًا للاجراءات وتحقيقاً للعدالة.

أحدث المقالات