23 ديسمبر، 2024 1:12 ص

ينعمون بالدفء وشعبهم يموت جوعا!

ينعمون بالدفء وشعبهم يموت جوعا!

فشلت الجولة الرابعة لمفاوضات اللجنة الدستوريةالسورية التي انعقدت في جنيف الاسبوع الماضي؛ لأنهاأضاعت فرصة جديدة منحتها هيئة الأمم المتحدة لإحرازتقدم على طريق صياغة التعديلات الدستورية للبدء فيعملية الانتقال السياسي السلمي حسب ما ورد في قرارمجلس الأمن الدولي رقم 2254. وهو ما يعني بطبيعةالحال إطالة لأمد المعاناة التي يعيشها الشعب السوري،وتدهورا مريعا نحو الأسوأ يعيشه بشكل يومي 94% منالشعب المنكوب.
لقد اجتمع 45 سوري في جنيف (اللجنة الدستوريةالمصغّرة)، وعجزوا عن مساعدة شعبهم ووطنهم لوقفالتدهور اللاإنساني والسقوط نحو الهاوية، بينما يظنبعضهم أنه يقبض على جمر المبادئ والقيم والوطنية،ويتهم الآخرين بأنهم يقبضون بالدولار والريال والدراهم،ويظن البعض الآخر أنه يدافع عن الحرية والمدنيةوالديمقراطية، متهما الفريق الأول بجرائم حرب وجرائمضد الإنسانية وبراميل متفجرة وهجوم كيماوي، في الوقتالذي يتمسك فيه الفريق الثالث بطرح قضايا الحسابوالعقاب والسجون والمعتقلات والمغيبين قسريا.
واضح أن غالبية هؤلاء الـ 45 لا ينتمون إلى الأغلبيةالساحقة من المجتمع السوري، وينعمون بظروف معيشيةمريحة، تمكنهم من الحصول على الطعام والشرابوالعلاج والدفء في ليالي الشتاء. لذلك فلا يعني الوقتبالنسبة لهم شيئا.
ثلاث قضايا لا علاقة لها بصياغة التعديل الدستوري، أثيرتمن قبل الأطراف الثلاثة المشاركة، كانت السبب في إفشالالجولة الرابعة وهي:
إدانة الاحتلال الأجنبي وتجريم كل من يتعامل معه منجانب الوفد الممثل للحكومة في دمشق.
يعني ذلك ببساطة أن كل المعارضين الموجودين في تركياأو شمال غرب وشرق سوريا بما في ذلك المكون الكردي،هم مواطنون خارجون عن القانون، يتوجب تقديمهمللعدالة ومحاكمتهم كمجرمي حرب. فهل هذا يعقل؟
إن الوجود التركي على الأراضي السورية هو وجود مؤقتنتيجة لظروف معينة وفي إطار اتفاقية أضنة لعام 1998،الموقعة بين تركيا وسوريا. وفي الظروف التي مرت بهامناطق شمال سوريا، هناك ملايين من المواطنينالسوريين، ممن يعتبرون الجيش التركي منقذا وحامياوضامنا لأمن واستقرار مناطقهم في ظل الوضع السوريالحالي، ويعتبرون بقاء هذا الجيش مرتبطا ببدء عمليةالانتقال السياسي، الذي يجب أن يكونوا جزءا منه منخلال ممثليهم في اللجنة الدستورية، ومن الغريب ألا تعيدمشق ذلك. وكذلك الحال في مناطق سورية أخرى،خضعت لتسويات بإشراف مجموعة أستانا، ويسودها نظامالتهدئة على أمل الوعود التي قدمت بشأن التغيير،استنادا إلى نصوص قرار مجلس الأمن رقم 2254، وقد أكدعلى ذلك كل من روسيا وتركيا وإيران أثناء انعقاد مؤتمرسوتشي للحوار الوطني السوري، والذي كان من بين نتائجهتشكيل اللجنة الدستورية.
تعرض وفد المعارضة من جديد إلى قضية البراميلالمتفجرة والميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبنانيوغيرها من الاتهامات للحكومة السورية.
من الواضح أن 90% من الوقت تمت إضاعته في الخوضبمواضيع ونقاشات واتهامات لا علاقة لها بالمهمة التياجتمع من أجلها وفد التفاوض، الذي أتى إلى جنيفمجسدا لإرادة الشعب السوري، كما يفترض؛ بغرضصياغة القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكلالدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطاتالعامة من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بينالسلطات وحدود كل منها والواجبات والحقوق الأساسيةللأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
فما الداعي إذن للعودة إلى أجواء الاتهامات والاتهاماتالمضادة، والسعي الحثيث بحثا عما يفرّق ولا يجمع،يوسع الهوة ولا يحاول رتقها؟
هل هناك كواليس خفية لا نراها تحاول أن تنسفمفاوضات جنيف مثلا؟ أو هل هناك طرف أو عدة أطرافتظن واهمة أن بإمكانها حل المشاكل بعيدا عن قرارمجلس الأمن رقم 2254، وعن مسار جنيف، وأستانا،وسوتشي؟
عودة وفد المجتمع المدني لقضية من تلطخت أيديهمبدماء السوريين وأسباب التهجير وقضايا المعتقلينوالمغيبين قسريا.
يأتي ذلك من جانب الوفد الذي كانت التوقعات تشير إلىأن يقوم بلعب الدور الأساسي في الوساطة بين وفديالحكومة والمعارضة، وبعث روح المصالحة الوطنية،ومساعدة بعثة هيئة الأمم المتحدة في التوصل إلى توافقبين الوفدين. إلا أن ما حدث في أروقة مفاوضات الجولةالرابعة، على الرغم من الاعتراف بأنها كانت أهدأ منسابقاتها، ولمسنا للمرة الأولى درجة من المسؤوليةوالتنسيق بين الأطراف، يشير إلى وجود بعض الشخصيات،وسط جميع الأطراف، تسعى بكل الأساليب لخلقاستفزازات، تهدف عمدا لإفشال أي تقدم في عمل اللجنةالدستورية، بل وربما كان لتلك الشخصيات أهداف بعيدةالمدى للتخلص من قرار مجلس الأمن رقم 2254، ودورهيئة الأمم المتحدة، والتخلص من جهود جنيف بالكامل.
تنطلق المحاولات لإنهاء مسار جنيف من حجة أن ثلاثمناطق من المناطق الأربعة التي شملها نظام التهدئةووقف الاقتتال قد أنجزت مهامها، ولم يتبقى سوى إدلبوضواحيها، التي يمكن لتركيا وحدها الاضطلاعبمسؤولياتها. وقد تم تقريبا القضاء على الإرهاب ووقفإطلاق النار وسيطرة الحكومة السورية على الجزء الأكبرمن الأراضي السورية، لذلك لم يعد هناك داع لاستمرارالتنسيق بين مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) فيمايخص الأزمة السورية، ولا داعي لاستمرار الدورياتالمشتركة، وذلك بالتزامن مع ترديد تصريحات من قبيلالتباس في الموقف الروسي بشأن الأزمة السورية“. وذلكأمر يتسم بالغرابة الشديدة، لأن الموقف الروسي واضحومبدئي ويستند إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254،والوارد فيه بوضوح أهمية الحفاظ على الدولة السوريةووحدة أراضيها. يترافق ذلك مع حملات تشكيك وتضليلإعلامي من أطراف متعددة وصلت إلى حد إشاعة ماأسموه رغبة روسية في استغلال الوضع السوري الصعبللعب دور الوسيط لصالح إسرائيل، لإجبار دمشق علىتوقيع اتفاق تطبيع معها، في ظل إبقاء وضع الجولانالمحتل على حاله. إن عملية لخلط الأوراق تجري معالأسف الشديد على قدم وساق، تساهم فيها قوى فيدمشق وأطراف معارضة، لا يهمها سوى الحفاظ علىمصالحها، ولا ارتباط لها بالمصلحة الوطنية العليا أوبمصالح الأغلبية العظمى من الشعب السوري.
يبدو أن الأيام القريبة المقبلة تشير إلى خلافات ستتفاقمفي صفوف المعارضة السورية، وهو ما سيلقي بتبعاتهبالتأكيد على وضع اللجنة الدستورية والمهام الملقاة علىعاتقها، لذلك يتعين على القيادة في دمشق، المسؤولالرئيسي عن كل ما يخص سوريا وشعبها، المبادرة بتحملمسؤولياتها أمام شعبها، والسعي لإنهاء المأساة التييعيشها، والابتعاد عن كل محاولات خلط الأوراقوالمماطلة والإبقاء على الوضع الراهن كما هو دون تغيير،وتجاهل قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومنجزات مؤتمرسوتشي، ودور مجموعة أستانا، حفاظا على كيان وسيادةالدولة السورية ووحدة أراضيها.
وأخيرا، فلن يتم الاعتراف الدولي بشرعية أي انتخاباترئاسية لتحديد من سيصبح رئيسا لسوريا في المستقبل،إلا إذا جرت تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، وفي وجودمراقبين دوليين.