18 ديسمبر، 2024 5:45 م

يكفي كراهية وحقد وحروب اقتصادية

يكفي كراهية وحقد وحروب اقتصادية

***هذا العالم الدنيوي لا يحكمه (الحق)، و(العدل) إنما تحكمه (القوى).. ولقد كان من الأدوار الأساسية السياسية لإخراج الأمة المسلمة هو: قيامها بـ (الحق والعدل)، والانتصار للمظلوم، والأخذ على يد الظالم.. ولكن عندما فقدت عزتها، وريادتها وضاع ملكها؛ أصحبت “ذليلة تابعة”.. فقام العالم على أساس (القوة) ولا شيء غيرها.

فرنسا عندما استفزت مشاعر المسلمين ـ بالرسوم المسيئة ـ وفرضت تصورها وفكرها فرضاً بـ (القوة) واعتبرت ذلك (حرية تعبير) ومن يرد عليها فهو يروج لـ (خطاب الكراهية) إنما كانت تمارس أسلوب (القوة) لا (الحق) فهي التي تقرر ما تشاء من الموازين، وترد ما تشاء، ولا تُسأل ـ من العبيد الأذلاء ـ عن ما تفعل، فما تصفه بـ “حرية التعبير” فهو هكذا، ولا حق للأذلاء ممارسة هذه الحرية إلا بإذن الأقوياء، وفي المجال الذي يحدده الأقوياء.. وما تدمغه بـ “خطاب الكراهية والإرهاب” فهو كذلك، ولا حق للعبيد مناقشة السيد في المعاني والمقاصد، وعقد المقارنات.. فما على العبيد إلا السمع والطاعة !

ففرنسا ـ وغيرها من دول أوروبا ـ عندما تسب الإسلام والمسلمين، وتَهين مقدساتهم.. فإنها تعرف إنهم ضعفاء، وتحت الهيمنة الدولية الخارجية، وتحت أنظمة مُعادية موالية للغرب داخلياً.. ومن ثم لا تجد في نفسها “حرجاً ولا تناقضاً ولا ظلماً” فهي تمارس حقها كدولة قوية، ضمن اتحاد أوروبي.. ومن ثم فهي تجد نفسها في مأمن من “ردة الفعل” !

وهي هي فرنسا التي مارست أبشع صور الإرهاب الوحشي في الدول التي احتلتها، وهي مازالت تحتل إفريقيا وتسرق ثرواتها بلا حساب ولا رقيب، وأبادت شعوب، وقتلت وأرهبت من تشاء، ومع ذلك تتصدر للعالم باسم “الأنوار، والحرية” لأنها قوية.. ومن قوتها تُحدد “القيم والموازين” وتحتكر تفسير المعاني، فما تمارسه من إرهاب وإبادة وسرقة.. هو “تحرير ونشر للديمقراطية”، ومن يعترض عليها بالقول أو بالفعل فهو “راديكالي متطرف رجعي” يجب القضاء عليه!

ولما غضب المسلمون لنبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغضب العفوي الفطري المحمود.. استهزأت بهم أول الأمر، وراحت تتهم الغاضبين بالراديكالية والتطرف والإرهاب وخطاب الكراهية… إلخ، ولما حاول المسلمون إشهار سلاح المقاطعة.. أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً متعجرفاً تأمر فيها الحكومات الذليلة في الشرق الأوسط بمنع هذه المقاطعة!

ولما استمر المسلمون في استخدام هذا السلاح ـ على ضعفه ـ وتوسعت دائرة المقاطعة عالمياً، وقبل أن يصل تأثير السلاح إلى مستواه الفعّال، خرج رئيس فرنسا على “قناة الجزيرة”.. ليعتذر اعتذاراً ضمنياً على ما قاله، وقال: “إنه لا يتبنى الرسوم المسيئة، وكلامه فُهم على نحو خاطئ” ! رغم إنه قال عن المدرس المجرم ـ الذي روج للرسوم في حصة دراسية، وقتله شاب شيشاني (رحمه الله) ـ : “إن هذا المدرس هو وجه الجمهورية”، وقال: “لن نتخلى عن الرسوم المسيئة”، ونشروا الرسوم المسيئة على مبان حكومية! وقال قبل الرسوم المسيئة: ” الإسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم” “وإنه سيحارب (الإسلام الانفصالي) والذي في نظره تمسك المسلمين ببعض شعائر دينهم كالحجاب”.. كلام وتصرفات لا تحتمل أي تأويل! وكلام ينم عن الحقد تجاه هذا الدين، وكراهية له، فبدت البغضاء من أفواههم، وما تُخفي صدورهم أكبر.

ولقد تعمدت فرنسا اختيار قناة الجزيرة ليظهر عليها.. لأن لها شعبية في المجتمعات المسلمة، فلم يختر قناة العربية أو سكاي نيوز لأنهم يدركون أن الشعوب لا تسمع لهم، ولا تهتم للقاءاتهم.

ظهر ماكرون على الجزيرة ليس بسبب احترام الإسلام، ولا المسلمين.. إنما بسبب “التلويح” باستخدام القوة.. وهذه القوة كانت في أضعف صورها وهو “سلاح المقاطعة”، والتي قالت تقارير فرنسية ـ قبل لقائه على الجزيرة ـ إن الاقتصاد الفرنسي يعاني من مشكلات جوهرية بسبب فيروس كورونا، فإذا استمر سلاح المقاطعة فستكون النتائج كارثية..

ورغم إن سلاح المقاطعة حتى يكون له التأثير الفعّال لا بد أن تتبناه الدولة، وتستخدم سلطتها في محاصرة البضائع الفرنسية، والقضاء على تنافسيتها، وتقييد حريتها، وتشديد إجراءات دخولها من المنافذ، وفرض الرسوم الجمركية، وإيجاد البدائل الأخرى… إلخ. ولأن الحكومات المعادية لدينها وأوطانها لا تفعل ذلك.. وتبنت الشعوب هذا السلاح، الذي هو غاية ما تستطيعه حتى الآن.. ورغم إن فعاليته حتى يظهر تأثيرها تحتاج المقاطعة من حوالي “شهرين” إلى “ثلاثة أشهر” متتالية؛ حتى تتوقف “سلسلة التوريد” و”سلاسل الإمداد” فترتد على المصانع الفرنسية بالركود، والتوقف.. ورغم إننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، أسرع رئيس فرنسا للخروج على الجزيرة !

نستفيد من ذلك: إن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، ومخاطبته بالحق والعدل، واحترام القيم التي ينادي بها، والمبادئ التي يدعو إليها.. يبدو خطاباً مضحكاً ساذجاً بالنسبة لهم، وخطاباً ذليلاً خانعاً مَهيناً بالنسبة لمن يدعوهم.. المعادلة: إذا أردت أن يحترمك العالم.. فقط كن قوياً، بل فقط لوح باستخدام القوة، عندها ـ وعندها فقط ـ سيحترمك الجميع ! ولهذا قال تعالى لنا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ…﴾ [الأنفال (60)]

وعندها لن نرهق أنفسنا بالقول: لماذا لا يندرج تحت حرية التعبير “السخرية من اليهود”، ولمَ لا يندرج تحتها “السخرية من رئيس فرنسا”… إلخ؟ ! لأن العبرة ليست بتوحيد القيم والموازين.. إنما بـ “ميزان القوة”.

كما يجب علينا التفرقة بين كراهيتين:

(1) كراهية الجهالة والتسميم: والتي يكون عليها كثير من الغربيين تجاه الإسلام، منشأه رجال الدين الكنسي.. الذي يغذون أتباعهم بأكاذيب ودجل تجعل أتباعهم يكرهون الإسلام والمسلمين.. ثم عندما يكتشف هؤلاء الخديعة، ويكتشفون أنهم كانوا ضحايا دعايات كاذبة مسمومة، يدخلون في الإسلام فوراً، ويدافعون عنه أشد من أبنائه الأصلاء!

(2) كراهية العداء والحرب: والتي يكون عليها الساسة ونظم الهيمنة العالمية، والتي تهدف إلى محاربة الإسلام والمسلمين حرباً لا هوادة فيها.. تستهدف حصر الإسلام، ومنع انتشاره، ومنع الدفاع عنه بالقول والفعل، والعمل على اختراع إسلام يناسب أوروبا فتقر منه ما تشاء، وتحذف ما تشاء! وتعمل على تفتيت الدول الإسلامية، وحصارها فكرياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وضمان الهيمنة التامة عليها، وضمان هيمنة الثقافة والحضارة الغربية، ومنع الإسلام من منافسة العلمانية الغربية كشريعة ومنهاج حياة.

وعندما نميز الفرق بينهما، نستطيع ـ عندما نقرر العمل إن شاء الله ـ أن نعالج كل أمر بما يكافئه، وبما يستحقه.***

وأمر آخر لا يجب الغفلة عنه: إنَّ استفزاز مشاعر ومقدسات المسلمين، يجعلهم يخرجون أفضل ما فيهم، ويجعلهم في وحدة شعورية، وتضامنية، يكتشفون معها فجأة إنهم “أقوياء”، وإنهم يستطيعون فعل الكثير! وإن الخير مازال فيهم ـ مهما كان العصيان! ـ وهذا أخوف ما يخافه الطغاة في بلادنا، وأولياء أمورهم في بلاد الغرب، فهم يفضلون ذوبان المسلمين في الأمم الغربية شعوراً وفكراً وواقعاً.. والانبهار بهم، وتقليدهم.. حتى لا يتحدون ضدهم! ويتفضلون عليهم باسم احترام حقوق الإنسان… إلخ من هذا الدجل. لذا فتصرفات فرنسا يعتبرها عقلاء أوروبا وأجهزة استخباراتهم تصرفات حمقاء، تُفسد عليهم خططهم.

على أن المقاطعة للبضائع الفرنسية ـ وغيرها ـ لا بد وأن تكون من قبل الإساءة، ومن بعدها.. فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والأمة جسد واحد.. وإذ يُقبل الناس على البضائع الفرنسية لجودتها، فلا بد من معالجة “مشكلة الجودة”، والإسلام أمرنا بالإتقان والإحسان في كل شيء، وعند الحاجة لا بد أن نأخذ من المسلم أولاً (الأقرب فالأقرب)، وإنْ احتاجنا من غير المسلمين شيئاً عملنا على نقله لبلادنا لنقل الخبرات، وتوطين التقنيات والمهارات، وتشغيل العمالة، وحماية السوق، وبقاء الخير بيننا.. ولا يفعل ذلك إلا الحكومات المخلصة لدينها وأوطانها، أما الحكومات الخائنة فإنما تمضي في عكس هذا الطريق تماماً، بل وتبيع لهم مقدرات وثروات البلاد بعد أن تكون سرقت النصيب الأكبر منها. بل وتدافع عن فرنسا ـ على سبيل المثال ـ كيداً في الإسلام والمسلمين، كما قالت الإمارات إنهم ستدعم الاقتصاد الفرنسي، وكما استقبل أمير مكة السفير الفرنسي بمكة، رغم إن البعثة الدبلوماسية والخارجية مقرها بالعاصمة الرياض، وحرّم أئمتهم المضلين المقاطعة، وأصدروا بيانات تأييد لفرنسا بعضها بشكل مباشر، وبعضها بشكل غير مباشر، ومنعوا الحديث عن جريمة فرنسا بخطب الجمعة، إلا أن تكون تخذيلاً للمسلمين، وتفريقاً بينهم..

ولما استمرت غضبة المسلمين، وتبني بعض الدول ـ كتركيا ـ المقاطعة الشعبية هذه.. رأت أجهزة المخابرات، إن الإجهاز على هذه الحملة إعلامياً وعن طريق رجال دينهم قد فشلت، أسرعت بالتوجيه للرؤساء بالحديث عن إساءة فرنسا ! حتى لا تهتز صورتهم الشعبية !

إنَّ تطاول رئيس فرنسا على رسولنا ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ منشأه الحقد الدفين تجاه الإسلام والمسلمين.. والشعور الحقيقي الذي تُكنه أوروبا الصليبية تجاه الإسلام! ولقد تجاوز هذا التطاول حتى حدود الدبلوماسية والبروتوكولات المعروفة سياسياً..

ولكن رئيس فرنسا لم يجرؤ على ذلك، إلا لعلمه أن حكام بلادنا يحاربون الإسلام والمسلمين أكثر منه! ويقاتلون المسلمين مثله، وأشد كراهية للإسلام مثله أو أكثر منه ! لذا لم يراعِ مشاعرنا لأننا أصبحنا “غثاء سيل”، وإنهم ليتعجبون عندما يرون رد فعل هنا أو هناك، فهم يحسبوننا قطيع مستسلم تحت سطوة الطغاة.. لذا إن من العجب الشديد انتظار غضبة هؤلاء لرسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهؤلاء الحكام أشد نفاقاً من ابن سلول رأس المنافقين على عهد النبي عليه السلام.

وإننا أمام مسؤولية تاريخية للخروج من هذه الغثائية، والتحول من حالة التشرذم إلى حالة القوة الفاعلة، واليوم إذ أفلست الحركة الإسلامية ومشروعاتها، فلا بد إذاً من ميلاد جديد، وعودة تستلهم نور القرآن الكريم ـ بعيداً عن أي أيديولوجيات ـ وتستفيد من تجارب الماضي المريرة، من أجل محاولة الخروج بالأمة من هذا التيه، وتحريرها من الطغاة المحتلين لها.

***لا يستطيع الإنسان وهو يتابع الفظائع والمذابح والجرائم البشعة التي تجري على أيدي المليشيات الشيعية المتطرفة في كل من سوريا والعراق إلا أن يقف مشدوهاً أمام وسائل وأساليب الحقد والكراهية التي تنفذ بها هذه الجرائم ضد أهل السنة العزل الذين عاشوا على مدى قرون طويلة مع هؤلاء في مجتمع واحد وبيئة واحدة وإذا كان لنا أن نتجاوز القرون الأولى التي لم نعشها ونقف فقط عند العقود الأخيرة التي كان الناس فيها يتجاورن ويتزاورون ويتعايشون دون أن يظهر غل أو حقد أو كراهية كتلك التي نراها فإننا سوف نتعجب كيف انقلب الناس في ليلة وضحاها إلى أشرار وغير آدميين إلى هذا الحد؟

***دفعتني هذه الصورة وأنا أفكر فيها بألم إلى العودة إلى حرب البوسنة والهرسك التي قمت بتغطيتها بين عامي 1994 و1995 وكتبت عنها كتابا هو «تحت وابل النيران في سراييفو» رصدت فيه شيئاً من جرائم الحقد والكراهية التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين ومن تلك الجرائم البشعة تلك التي كان الجيران الصرب يرتكبونها ضد جيرانهم المسلمين الذين كانوا يتعايشون معهم ويحضرون معهم أحيانا أعيادهم ويشاركونهم الفطور معهم في شهر رمضان، وكيف أن قادة الصرب عملوا على جمع جنودهم في معسكرات لتأجيج الكراهية في نفوسهم ضد المسلمين بحيث يتحول الشخص العادي إلى وحش كاسر وإلى آلة قتل مليئة بالحقد والغل والكراهية للآخر حتى لو كان يتعايش معه لسنوات طويلة، فالغل والحقد والكراهية هي التي أدت إلى أول جريمة بين البشر حينما تقاتل ابنا آدم وظلت صناعة الحقد والكراهية والحسد والغل في النفوس هي الحرفة التي يقوم بها شياطين الإنس حتى يحفزوا غيرهم للقتل، لاسيما إذا كان القتل على مبادئ باطلة أو دنيا زائلة، وحينما نطلع على ما تبثه بعض قنوات الشيعة المتطرفين وبعض المعممين ندرك سر هذه الكراهية وهذا الغل والحقد الذي يرتكب به هؤلاء جرائمهم فما يتقول به على أهل السنة من علماء الباطل يجعلهم يلغون عقولهم ويصمون آذانهم ويغلقون أعينهم وينطلقون بقلوب مليئة بالغل والحقد والكراهية ليقتلوا كل من يخالفهم، ولا يقفون عند حدود القتل بل إن الفظائع التي صوروها ويتفاخرون بها وينشروها على وسائل التواصل الاجتماعي تدل على أن صناعة الكراهية قد أخرجتهم من إطار البشر إلى إطار الوحوش الضارية، وهذه تكون الإجابة عن السؤال الذي يطرحه كثير منا حينما يشاهد هذه الفظائع ما الذي يدفع هؤلاء الناس إلى أن يمارسوا جرائمهم ضد أناس مسالمين أو نساء وأطفال بهذه الوحشية، إنها صناعة الكراهية ومعسكرات الشحن الطائفي التي تنزع الإنسان من آدميته ودينه وأخلاقه وتحوله إلى وحش كاسر لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.

***ليس من مصلحة أي شعب من الشعوب نبش الأحقاد وإثارة الضغائن, وإستذكار كل الأحداث السيئة في التاريخ التي مرت بها في فترات سابقة ,جراء تصرف هذا الحاكم أو ذاك , فتاريخ كل أمة من الأمم لا يخلو من تلك النماذج القبيحة , وليس هناك أمة سمتها بالخير ***وأخرى الشر, كما تروج لذلك جماعات الحقد العنصري البغيض والتمايز القومي التافه بين الشعوب . لا يعني هذا نكران الماضي , ولكن يمكن إستحضار كل ما هو خير فيه لتعزيز أواصر المحبة والتعاون بين الشعوب على أساس المصالح المشتركة , ونبذ كل الأحداث والفضائع المؤسفة التي إرتكبت في الماضي والتي لا يخلو منها تاريخ كل أمة, بهدف تجنبها وعدم تكرارها حاضرا ومستقبلا.

لم تخلو العلاقات بين الدول كبيرها وصغيرها من صفحات بيضاء ناصعة وأخرى سوداء داكنة في تاريخها, تخللتها مشاكل وصراعات وربما حروب طويلة ,من أجل التوسع والهيمنة والتحكم بمقدرات الشعوب الأخرى بذرائع شتى ودعاوى مختلفة , لتحسم بعدها الصراعات لصالح الطرف الأقوى. وهكذا هي قوانين الأرض عبر العصور المختلفة تؤكد دوما أن البقاء للأقوى, وإن كان الأقوى لا يبقى أقوى مدى الحياة , كما تؤكد تلك قوانين الطبيعة إذ أن بقاء الحال من المحال , فمن كان قويا بالأمس لابد أن يصبح ضعيفا في يوم آخر. وهذه الشواخص والوقائع التاريخية جميعها تؤكد ذلك , إذ يكفي أن نشير إلى صعود وسقوط الإمبراطوريات العظمى, الرومانية والفارسية والإسلامية والبريطانية وغيرها التي حكمت العالم ردحا من الزمن وتركت بصمات واضحة في الكثير من الدول حتى يومنا هذا.

شهدت دول العالم المختلفة حروبا كثيرة , نجمت عنها خسائر بشرية ومادية جسيمة وحفرت في ذاكرة شعوبها ندبا وآلام كثيرة , والأمثلة على ذلك كثيرة , نكتفي بذكر الحروب الدامية التي تعرضت لها الدول الأوربية( التي تعد اليوم مركز الإشعاع العلمي والفكري والحضاري في العالم) وإحتلال بعضها البعض الآخر , فقد غزت الجيوش الألمانية النازية فرنسا ومعظم دول أوربا في الحرب العالمية الثانية التي إندلعت عام 1939 وإمتدت لغاية العام 1945,راح ضحيتها ملاين البشر وتسببت بدمار شامل وخسائر مادية هائلة , لكن هذه الدول قد نفضت عن كاهلها غبار الحرب , لتعيد إعمار ما دمرته الحرب , بدلا من البكاء على الأطلال وندب حضها العاثر وتراشق خطابات الأحقاد والكراهية فيما بينها , تحالفت فيما بينها كدول صديقة في إطار حلف شمال الأطلسي , وبعدها توحدت إقتصاديا في السوق الأوربية المشتركة , ومن ثمة تقاربت أكثر في إطار الإتحاد الأوربي الذي ينسق سياساتها وينظم مصالحها تجاه الدول الأخرى , وربما تتوحد في إطار دولة كونفدرالية مستقبلا.

***وكذا فعلت اليابان مع الولايات المتحدة الأمريكية عدوها اللدود, الذي قصفت حكومتها مدينة هيروشيما أحد أكبر المدن الصناعية اليابانية بأول قنبلة ذرية في التاريخ عام 1945, حيث دمرتها تدميرا كاملا . وبرغم ذلك بعد أن أدركت اليابان حدود قوتها , إستسلمت للأمر الواقع , وقبلت بشروط الإذعان الأمريكي , لتصبح دولة صديقة لها ألأمر الذي مكنها لتصبح دولة صناعية وإقتصادية كبرى في العالم , حيث إحتلت المرتبة الثانية بين دول العالم الأقوى إقتصاديا عقودا طويلة من الزمن بعد الولايات المتحدة الأمريكية, وها هي اليوم تعد أحد أهم الإقتصادات في العالم بعد أن وجهت قدراتها العلمية والتقنية لبناء دولة مزدهرة ينعم شعبها بالأمن والآمان , على الرغم من إفتقارها للمواد الأولية ومصادر الطاقة الضرورية للصناعة. لم تسعى اليابان ثانية لبناء ترسانتها العسكرية تمهيدا لجولة عسكرية أخرى مع الولايات المتحدة , للثأر منها والدخول في دوامة حروب مدمرة الله يعلم نتائجها.

من ذلك نخلص أن الصراعات وحتى الحروب بين الدول , لا ينبغي أن تؤسس لعلاقات حقد وكراهية دائمية فيما بينها , والأهم من ذلك أن لا تؤسس لعلاقات حقد وكراهية بين الشعوب قد تترك ندبا في ذاكرتها ليس من السهل نسيانها , بل يترك للزمن أن تندمل فيه الجروح وتحل الصراعات سلميا طبقا لعدالة السماء ومبادئ القانون الدولي الذي ينبغي أن تسنده قوة وإرادة شعبية عاقلة ومدركة جيدا لمصالح بلدانها وضمان تنميتها في جميع الأحوال, وتشيع مفاهيم الوفاق والتعايش السلمي فيما بينها.

ونقول هنا أنه لن يكون هناك رابحا من النفخ في الرماد ,لإشعال نار الفتن تحت هذه الذريعة أو تلك , وكأننا نستعيد معارك داحس والغبراء بين الشعوب دون هوادة , حيث يحترق فيها الزرع والضرع عبثا. ولا بد أن نتذكر أن معظم الصراعات الدامية والحروب المدمرة بين الدول ,غالبا ما تتم نتيجة طيش سلطات حاكمة , لصرف نظرشعوبها عن مشاكلها الداخلية بإفتعالها أزمات خارجية ,وتتطلع للتوسع والهيمنة على بلدان أخرى لنهب ثرواتها , وقد لا يكون لشعوبها أي دخل فيها سوى جعلها وقودا لها . والأهم من كل ذلك أن ندرك أن الشعوب باقية إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا , بينما الحكام ونظمهم السياسية زائلة طال الزمن أم قصر. لذا ينبغي المراهنة على العلاقات الحسنة بين الشعوب , بدلا من اللهاث وراء سراب الصراعات والحروب بين الدول .

ورب قائل يقول أن الشعوب وحكامها , هما وجهان لعملة واحدة وبخاصة في الدول الديمقراطية التي يتم فيها تداول السلطة سلميا عبر صناديق الإقتراع , وبذلك تكون الشعوب مسؤولة تماما عن تصرفات وسلوك حكامها تجاه الشعوب , إذ أنها هي من أوصلتهم إلى السلطة , وهي من تستطيع محاسبتهم وإزاحتهم عنها . وهنا نقول وإن كان ذلك يبدو صحيحا إلى حد ما للوهلة الأولى , ولكن بنظرة فاحصة أكثر دقة , يتضح لنا أن من يشاركون عادة بالإنتخابات في أعرق الدول ديمقراطية, لا تتجاوز نسبتهم الخمسين في المائة ممن يحق لهم التصويت أو بأكثر قليلا في أحسن الأحوال , ناهيك عن شريحة الشباب التي تشكل نسبة عالية من إجمالي السكان , دون سن الثامنة عشرة الذين لا يحق لهم التصويت . ولا يكترث الآخرون بنتائجها لأسباب مختلفة, وأن نسبة من يفوزون بالسلطة عادة ما تكون بحدود نسبة ( 50 إلى 60% ) من عدد المشاركين بهذه الإنتخابات في أحسن الأحوال . وبذلك لا تمثل هذه الحكومات غالبية شعوبها تمثيلا حقيقيا كما يعتقد البعض, بل تمثل نسبة منهم لا تزيد على ربعهم أو ثلثهم .

وبرغم ذلك لا نقول أن ذلك يعفي الشعوب من تحمل تبعات تصرفات حكوماتها إطلاقا , إنما ما أردنا قوله هو أن هناك جماعات كثيرة لا تتفق مع سياسات حكوماتها , بل وتعارضها عبر المظاهرات والإحتجاجات السلمية والتي قد ترافقها بعض أشكال العنف والمصادمات المسلحة أحيانا, فضلا عن المواقف الإيجابية للكثير من المثقفين ورجال الفكر المتنورين تجاه قضايا الشعوب الأخرى . لذا لا يصح أبدا زجهم جميعا في خانة واحدة من العداء والتعامل السلبي . والأهم من كل ذلك أن الشعوب باقية ما بقيت الحياة , فالعداء الدائم بينها كالبراكين المستعرة التي تقذف حمم الكراهية بين حين وآخرلا يخدم أيا منها . والأصح معاداة حكوماتها ونظمها السياسية القابلة للتغير وتصحيح مساراتها بما يمكن أن يعود بالمنفعة على جميع الشعوب , وبخاصة أن تلك الحكومات تقيم علاقاتها مع الدول الأخرى, على وفق مبدأ أن لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة إنما هناك مصالح دائمة.

***ولا شك أن الحال أسوء كثيرا بالنسبة لحكومات الدول ذات النظم الإستبدادية الشمولية , حيث يتحكم بمصيرها حاكم فرد مستبد , وقد يقودها إلى مغامرات عسكرية وإرتكاب فضائع بحق شعوب أخرى , بعد أن يكون قد أحكم قبضته على شعبه . فكيف يمكن والحالة هذه تحميل شعبه المغلوب على أمره أصلا , تبعات مغامرات حكامه الطائشين تجاه الشعوب الأخرى.وقدر تعلق الأمر بنا , نرى أن من مصلحة العراقيين , نبذ كل أشكال الحقد والكراهية وعدم الإنتقاص من كرامة الشعوب الأخرى , تحت أي ظرف أو ذريعة أو مسوغ , وذلك تجسيدا لقول الله تعالى في الآية الكريمة ( 13 ) من سورة الحجرات :

” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.

وهذا يتطلب العمل على مد الجسور مع جميع شعوب الأرض قريبها وبعيدها , لتوطيد أواصر التعاون في جميع مجالات الحياة على أساس تبادل المصالح المشتركة في إطار علاقات دولية متوازنة , وعدم التدخل بشؤون الآخرين , والتأكيد على حق كل شعب العيش في وطنه آمنا وسعيدا وسيد نفسه دون الإتكاء على أحد .

***تُسمّم مظاهر الكراهية الجماعية العلاقات بين الطوائف، وتهدد الأفراد والجماعات، وتشكل مصدراً لعدد لا يحصى من انتهاكات حقوق الإنسان على يد وكالات حكومية و/أو أطراف غير حكومية. وتشمل ضروب الكراهية الجماعية المختلفة الكراهية الدينية أيضاً. ولا يوجد لهذه الظاهرة تعريف متفق عليه عموماً، غير أن ما يفهمه المقرر الخاص من تعبير “الكراهية الدينية الجماعية” هو أنها كل المظاهر المشتركة التي تعبّر عن مشاعر قوية وغير عقلانية تنم عن ازدراء وعداوة وبغض تجاه مجموعة مستهدفة بعينها أو فرد مستهدف بعينه( )، ويجاهَر بها باسم دين أو معتقد بعينه. وقد يكون الهدف من هذه المظاهر الدفاع عن مزاعم امتلاك الحقيقة الدينية أو عن ممارسات أو قواعد أو هويات معيّنة، دينية أو عقائدية، في وجه تهديدات متصورة أو متخيلة( ). وكثيراً ما تستهدف الكراهية بدافع الدين معتنقي عقيدة مخالفة أو أشخاصاً غير مؤمنين، غير أنها قد تمس أيضاً المنتقدين أو المعارضين أو “المهرطقين” داخل الدين الواحد، أو المرتدين عنه.