يكفي أن تكون رجلًا حقيقيًا، صادقًا وأمينًا، مخلصًا وشريفًا، كريمًا وحليمًا، أي كن ذلك الرجل الذي يتحلى بأخلاق القرآن الكريم، أن تكون مثالًا للآخرين أن تُظهر بأخلاقك وأفعالك تربيتك الصحيحة، ورجاحة عقلك، وصبرك الجميل، وإيمانك الكبير.
لطالما سمعنا في غالبية الحوارات التي تدور بين المرأة والرجل، مقولة “أنا رجلٌ شرقي”، هذه الكلمات بحدِ ذاتها تضعنا في حيرة من أمرنا، فهل هي كناية عن تخلف ورجعية الرجل، أم أنها اختصار رجولة ومروءة وأخلاق رفيعة.
لستُ على دراية كافية بفكر الرجل خاصةً الشرقي، على الرغم من إيماني الشديد بأن الرجال متشابهون بالكثير من النقاط إلا أنه يوجد بعض الاختلافات التي تكاد لا تُذكر. سلسلة حقائق وغرائب الرجال مستمرة معكن ولكن اليوم مع مفهوم الرجل الشرقي ما له وما عليه. تابعي معنا.
الرجل الشرقي
ارتبط مفهوم الرجل الشرقي عند البعض بمفهوم السي سيد، أي الذي يتمتع بالشخصية القوية والشديدة، سواء في أسلوبه أو قراراته أو تعامله مع الناس، أو حتى أفعاله تجاه أهله وأسرته. لكن كل ذلك يختلف حسب البيئة أو المجتمع الذي نشأ فيه الرجل، فمثلًا الرجل الذي ترّبى في بيئة صحراوية تجدوه شديد وحاد، أما الذي ترّبى في بيئة ضمن المدينة تجدوه لينًا وهادئًا، إلا أنه لا يمكن تعميم ذلك أيضًا.
جميع الصفات أو المميزات التي يمتلكها الرجل الشرقي وضعته في خانة التناقضات، فهل هو تسلط واستغلال أم أنه رجولة وحرص ووفاء.
صفات الرجل الشرقي الحقيقي
هناك العديد من الصفات التي تميز الرجل الشرقي دونًا عن غيره، ومن هذه الصفات:
الثقة بالنفس:
ما يميز وبشدة الرجل الشرقي هو إيمانه الكبير بنفسه ورجوليته، وأن كل ما يقوم به هو لصالح الآخرين، لذلك من واجبهم الإنصات له والثقة بقراراته، لأنه يسخر كل حياته في سبيل راحة أسرته، وتأمين حاجياتها، واحترام حرمتها.
الشّدة والقوّة:
عُرف الرجل الشرقي بشدته وقوته خاصة في المواقف الصعبة والظروف الحالكة، فهو قوي الإرادة، متمسك بأرائه (حتى وإن كانت على خطأ)، ثابت في اختياره.
الصبر على الشدائد:
غالبًا ما نجد الرجل الشرقي متماسك عند القضايا الصعبة، وصابرًا على الأوقات الشديدة، لا يُظهر أيًا من ألمه وضعفه أمام أحبابه بل تجدوه إيجابيًا ومتفائلًا رغم الآلام والأوجاع التي يعيشها.
الغيرة على أهل بيته:
الرجل الشرقي الأصيل يكون ميالًا لأسرته، متعاونًا، غيورًا عليهم، يخشى عليهم من الأذية، ويسعى جاهدًا لتقديم كل ما يستطيع في سبيل إسعادهم وإرضائهم.
الخوف على أسرته:
يتصف الرجل الشرقي بخوفه الكبير على أهل بيته، فتجديه كثير التعليق على نمط ثيابك، وطريقة تعاملك مع الغرباء، وكل ذلك ينبع من حبه الشديد لك وغيرته عليك، فلا تنفعلي من تصرفاته بل اعلمي جيدًا أن هذه الأفعال دليل حب وخوف وحرص كبير.
القوامة:عندما نذكر مسألة الصرف والإنفاق على أهل البيت تجديه شديد في هذه المسائل، فهو يجد رجولته تكمن في مقدار إنفاقه على أهل بيته، وتأمين حاجياتهم دون الاعتماد على مصدر آخر، سواء إن كنتِ تعملين أم لا. فهو لا يحتاج إلى أحد لمساعدته، فرجولته وكرامته تدفعانه لذلك فهو يقوم بذلك امتثالًا للآية الكريمة في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” صدق الله العظيم.
العمل بكد:
وهي برأي الصفة التي يتميز بها الرجل الشرقي حقًا، فتجديه يعمل بكد، كأن يقوم بأكثر من عمل في اليوم. رغم التعب والإرهاق والجهد، إلا أنه يرفض وبشدة الاستسلام والتكاسل، فكل غايته إرضاء أسرته والعمل على توفير جُلّ ما تحتاجه حتى وإن كان على حساب راحته.
يفضل تكوين عائلة كبيرة:
من منا لا يحب العوائل المؤلفة من عدد أفراد كبير، لكن هذه الصفة بالذات يتميز بها الرجل الشرقي عن بقية الرجال، فتجديه يرغب في إنجاب أكثر من طفل، حتى يحافظ على العادات والتقاليد القديمة والروابط الأسرية المتينة، لذلك لا تندهشي من رغبته في تكوين أسرة كبيرة فذلك دليل على حبه لك ولأهله.
الرجل الشرقي ما له وما عليه
كثيرًا ما تحدثوا عن بطولات وأخلاق الرجل الشرقي، لكن دعونا نُبحر أكثر في مفهوم الرجل كما ذُكر في القرآن والأحاديث النبوية، ونقوم بعمل مقارنة بسيطة بين الرجل الحقيقي والرجل الشرقي.
قال عليه الصلاة والسلام في حديث لعبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – «ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، وأنا مسؤولٌ عن رعيتي».
الحديث الشريف هنا اختصر مفهوم الرجل الحقيقي، بأنه حمل أمانة عظيمة وهي حفظ ورعاية أسرته بالكامل، وأن جميعنا مسؤولون كأفراد في تحقيق ذلك.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: سبعةٌ يُظِلُّهم اللَّه في ظِلِّه يَوم لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: إِمامٌ عادل، وشابٌّ نَشأَ في عِبادة اللَّه تعالى، ورجلٌ قلبه مُعَّلق في المَساجد، ورجُلان تحابا في اللَّه: اجتمعا علَيه، وتَفرَّقا عليهِ، ورجُلٌ دعتهُ امرَأَة ذات منصب، وجمال فقال: إِنّي أَخافُ اللَّه، ورجلٌ تصدقَ بِصدقة فأَخْفَاها، حتَّى لا تعلم شِمالهُ مَا تُنفق يَمينهُ، ورجلٌ ذكر اللَّه خالِيًا ففاضَت عيناه.
بيّن لنا هذا الحديث الشريف مكانة الرجل الصادق الذي يخاف الله، بأنه من أولئك الذين سيظلهم الله يوم القيامة، فما أروع أن نجد رجلًا متكاملًا، نشأ في بيئة إسلامية، تعّلم فيها معنى الالتزام بالعبادات، خلق الصحبة الطيبة، غض البصر، تحصّين النفس من السوء، مساعدة الآخرين، والإيمان والتجلي والاستشعار الإلهي، في كل لحظة من حياته.
قوله تعالى، في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم “رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ” صدق الله العظيم.
تُبين لنا هذه الآية أهمية أن يكون الرجل الحقيقي ملتزم دينيًا فما أروع أن تجدي رجلًا يعاملك كما أمره الله، لا يتغافل عن ذكر الله وأداء العبادات على أكمل وجه، حتى وإن كان ذلك على حساب بعض الأعمال التجارية المهمة.
الفرق بين الرجل الشرقي والرجل الغربي
الرجل الشرقي يختلف كليًا عن الرجل الغربي، فالرجل الغربي، يحترم المرأة، يحترم شخصيتها يحترم عملها وكرامتها ووجودها، وذلك لأن أي تصرف سيء يقوم به سيكلفه غاليًا، فهو مضطر لاحترام المرأة واحترام كيانها، ويعمل على تأمين كل احتياجاتها.
أما مفهوم الرجل الشرقي اليوم اختلف كليًا، فهو يمتاز بفخره الزائد، وأنه قدّم للمرأة معروف بقبوله بها، وأنه بذل قصارى جهده حتى أقنع أهله بها، وأنه يقدم ويبذل الكثير في سبيل الارتباط بها.
هذا النوع من الرجال الشرقيين المتسلطين، لا يمكن جزهم في مقالتنا تلك، فهم يشوهون معنى الرجولة، والرسالة التي حُمّلت إليهم، في حفظك ورعايتك وحماية أسرته، فهو بفعله الساذج هذا يجعلنا نقتلع منه صفة الرجولة، ونكتفي بقول أنه مجرد ذكر تائه وغافل. ولكن أيضًا لا يمكنني نكران وجود القليل من الرجال الشرقيين الحقيقين الذين أثبتوا لنا وللعالم مدى احترامهم وقبولهم وتقديرهم وثقتهم بالمرأة، حتى أنهم رفعوا من مكانتها أمام الآخرين، وكانوا اليد الخفية في نجاحها وتفوقها.
هل يقبل الرجل الشرقي الانتقاد من زوجته؟
جميعنا بلا استثناء لا يرغب بالنقد، خاصةً النوع اللاذع أو الذي يميل للتجريح أو الإهانة، وأخص بذلك الرجال، فالرجل بطبعه لا يقبل الانتقاد، فما بالكِ إن كان شرقيًا بامتياز، فهو بمنظوره صحيح كل ما يقوم به، حتى أنه يرفض الاعتذار أو التراجع. لا يمكننا أن نمنع ذلك فهو حاد بطباعه، وشديد في مواقفه، لكن إن كنتِ حقًا ترغبين في نقده ولكن بطريقة صحيحة، إليك الخطوات السحرية لذلك:
احرصي على أن تقدمي النقد في الوقت المناسب فقط، أي عندما تجديه منجذب لكِ، أو أنه سمع خبر مفرح، أو عند ترقيته بعمله، أو حتى عند شراءه لشيء ما يرغب فيه بشدة.
ابدئي معه بالإيجابيات، كأن تقولي: أنا أملُك رجلًا حقيقي، أحبُ فيك احتوائك لي، أعشق طريقتك في الكلام، ضحكتك، لطالما أحببت الطريقة التي تعامل فيها أختك وأمك وأبناؤك، لم أرى في حياتي رجلًا يعلم جيدًا كيف يدير عدة أمور في ذات الوقت.
اختاري كلمات النقد بعناية فائقة، وإياكِ والتصويب بإصبعك أو استخدام أسلوب التهديد (فهو بنظري منفر للغاية)، أو حتى طريقة اللوم أو الصراخ. كوني ذكية في طريقة انتقاء الكلمات، وادخلي مع الحديث كلمات تشجيعية. مثلًا إن كنتِ ترغبين في نقده بأمر يخص تعامله مع أبنائه، قولي له: ما رأيك عزيزي أن نغير طريقتنا في التعامل مع طفلنا، أظن أن أسلوب التوبيخ المستمر لم يعطي أي نتيجة. مثالٌ أخر: إن كان لا يرغب في ضبط هندامه خاصةً أمام الناس،
قولي له: كم أنت وسيمٌ حقًا لكن أظن أن هذا البنطال قد اهترأ قليلًا ما رأيك بأن نعطيه لأحد ما محتاج، ونجلب لك بنطالًا أخر، (هنا تجبريه على فعل الخير وأيضًا تغير ما يرتديه).
استعيني بكلمات ما رأيك؟، أنت أجمل هكذا. صدقيني الكلام الطيب طريقٌ فعّال لكسب الرجل.
في النهاية …