17 نوفمبر، 2024 11:47 م
Search
Close this search box.

يعيش النواب ويسقط الشعب !!

يعيش النواب ويسقط الشعب !!

لاحظ المراقبون ارباكا يقترب من الخوف على أداء النواب بعد الكشف عن محاولة تفجير سيارة مفخخة قرب مكاتبهم في المنطقة الخضراء، حيث سارعوا الى اتخاذ الكثير من المواقف وردود الأفعال المتشنجة ، ازاء ما اعتبروه خرقا أمنيا خطيرا هدد سلامتهم عن قرب.
وذهب النواب من مختلف الكتل السياسية الى تحميل الجهات الأمنية مسؤولية مباشرة ينبغي التوقف عندها بجدية، والمطالبة بتغيير القيادات المسؤولة عن حماية منطقتهم الخضراء، مع تأكيد متواصل على كشف نتائج التحقيقات ورفض التكتم على أية تفاصيل، كيف لا وأن النواب في العراق أصبحوا أهم من الشعب وأكثر منه ترفا بمئات المرات.
وأن أشد ما يلفت النظر أن النواب شكلوا لجان للتحقيق من مختلف الاختصاصات وراحوا يتابعون تفاصيلها  عن قرب وبحمية كبيرة، رافضين تسويف القضية أو أية محاولة للالتفاف عليها، فيما الكثير جدا من لجان التحقيق الخاصة بما يتعرض له المواطنون ذهبت مع الريح ، ما يستدعي موقفا جديدا من المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان، لأنه من العيب أن يتحول المنصب الى ترف سياسي وأمني واقتصادي، بينما ينحت من أوصلهم لهذا الكرسي، نقول ينحت في الصخر للمحافظة على الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
ونحن هنا لا نريد القول بان حياة النائب والمسؤول يجب ان تكون مستباحة أو أنها في خط المواجهة الأول، رغم أن هذا هو منطق الأشياء، فصاحب القرار هو المستهدف وليس الشعب، لأن هذا الأخير ينتخب ويصبر للحصول على حقوقه بعرق مسؤوليه، مع ان ذلك من استثناءات العراق، فالمسؤول هو المدلل، نقول أننا لا نريد تهديد حياة مسؤولينا، لكن على الأقل ان يتحملوا واجباتهم أمام شعبهم، لأنه ليس من المعقول ان يكون المواطن هو الضحية دائما.
ان ما جرى من ردود أفعال على تفجير النواب، سياسية كانت أم شخصية أو تسقيطية لهذا أو ذاك، ينبغي التعامل معه بواقعية وحيادية، خاصة وأن المواطنين مروا عليه سريعا، قناعة منهم أنه يدخل في باب الخلافات بين المسؤولين وأجنداتهم السياسية، أو أن المسؤول ليس أهم من المواطن، وعلى الأول الاعتبار بهذا الموقف لمعرفة الظلم الذي أوقعه على المواطن من خلال سكوته المتواصل على  تسويف كل لجان التحقيق الخاصة بعمليات القتل المنظم والتهجير وسلب الحريات، حيث غالبا ما تقيد النتائج ضد مجهول!!
المفارقة المؤلمة الأخرى أن المسؤولين في الدول الديمقراطية يسارعون الى تقديم استقالاتهم عندما يتسبب سوء تقدير في مواقفهم بأذية مواطن عجوز، أو حتى مهاجر من الدرجة الثانية، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، ليس أخرها استقالة وزير الدفاع البريطاني وليام فوكس ، لانه اخطأ بالخلط بين انشطته الحكومية واهتماماته الشخصية مع صديقه المقرب رجل الاعمال آدم ورتي، أو تلك النائبة الأوربية التي تصطحب معها طفلها الرضيع الى البرلمان، لانها تفتقر الى تكاليف تعيين  مربيات وخدم من سريلانكا وبنغلاديش، كما يفعل امثالها عندنا ، ولكن الفرق كبير في الحالتين  لأن الذين  انتخبوا الأولى شعروا بالفخر لأنها صدقت القول والفعل ، ومثلتهم بعيدا عن حزبها أوقوميتها بل بسبب مشروعها الوطني والاجتماعي المتوازن، فيما عندنا كل شيء يبدا بالحزب والطائفة والقومية، التي توظف بطرق مؤلمة تصل حد التخوين والملاحقات القضائية، بل الفصل السياسي من الدرجة الأولى!!
ان الذين يراقبون مفارقات المشهد العراقي يشعرون بخيبة أمل تزداد اتساعا، وتنذر بمخاوف كبيرة في الأسابيع المقبلة، لأن ” جدار الخوف” الأمريكي لم يعد موجودا، وأن من يملك السلطة والجاه والقوة سيحاول تخويف معارضيه، أو الحصول على صكوك غفران منهم، لتحقيق غاياته السياسية طالما هناك من هو قادر على نزع ثيابه وتغيير مواقفه، وطالما أن المشروع الوطني ليس على قائمة الأولويات، ولأن  الشعب أيضا عاد للسير في طريق ” أني شعليه”، وكأنه تخلى عن دوره خوفا من القمع، رغم أنه أينما يدير وجهه يجد رفضا شعبيا لمفهوم القائد الأوحد، هو أقوى من كل اسلحة قمع الحكام!!

* رئيس تحرير ” الفرات اليوم”

أحدث المقالات