18 ديسمبر، 2024 10:49 م

يسقط الشعب يعيش الحاكم

يسقط الشعب يعيش الحاكم

اعتادت الشعوب الحرة، شعوب الارادة والطموح للتقدم ان تصنع حاكميها كما تشاء ،وتنصبهم خدما لها ورمزا متى ماتشاء ، ثم تطيح بهم اذا حصل خللا في المنظومة ادى الى صعود طامح منهم او غادر او مستبد ،
حتى اذا قفز عسكري حاد عن واجبه في شرف حماية بلده الى حلمه في حكمها غصبا ،لم يمهلوه يقوي اركان طغمته حتى اسقطوه واوقفوه وعاقبوه ، وعادوا الى سيرتهم بلدا مدنيا حرا متطورا يحكم ولايحكم ، يفرض ولايفرض عليه ، يربي ابناءه ولايربونه ، يبنيهم ثم يبنونه.
اما الشعوب الذليلة ، التي اعتادت الخضوع واستمرأت الذل فليس بيدها الا السخرية من نفسها ظنا انها تسخر من الحاكم ، وتلعن نفسها معتقدة انها تلعن الحاكم ، الرجل الواحد الضعيف الذي جاء يستجدي رضاها وعطفها لتمنحه شرف خدمتها فرفعته وركعت له، ونصبته حاكما لاخادما ورقصت له، واقامت الحفلات فرحا بسيد جديد وعهد استعباد اخر ، وصرفت الاموال ابتهاجا بتجديد سرقته وغناه على اكتافهم هو واسرته وحاشيته.
شعوب ترى في الرجل الذي لم يكن الا فردا مرتعدا حالما امام ملايين ، تراه جيشا ومواكبا وحرسا واموالا وقصورا فترتعد منه، ونسيت انها هي من اعطته تلك الاموال من ثرواتها، وبنت له تلك القصور بعرق رجالها ، وتقود له تلك المواكب بحراسة خيرة شبابها بدنا ، وتمد من حكمه بدعم خيرة ابنائها علما.
شعوب ارتضت لنفسها التطبيل والتهليل ،وقبلت -ممن نصبته ملكا مطلقا- بالقليل، نسيت الشرف وماعاد الا في قصائد الشعراء الكذابين ،وفي من اتبعهم من الغاوين ، ولم يبق احد منهم بثوب المؤمنين، سلمت شرفها لاقل رجالها شرفا ، لمن يحركه الاجنبي ويدعمه العدو العلني ، نسيت الكرامة ولم تعد تعرف طعمها الا عندما يتناحر رجالها فيما بينهم على تافه متاع او فضلة طريق او كلمة جارحة ! بينما يلعقون جراح الاهانة كل دقيقة وهم سعداء يقبلون يد من اهانهم بعد ان رفعوه ، وداسهم بقدمه وما زالوا يمجدوه .
شعوب تتوسل لقمتها من سارقيها ،وهي ملايين وهم افراد بعضهم لايعرف من هو ابوه ، ولا لماذا يخافونه ويهابوه. شعوب تقاتل المحتل بينما ترضى بازلامه حكاما عليها برحابة صدر بعد ان دفعت ارواحها ثمنا لرحيله !
شعوب ترقص على جثث موتاها ، وتغني على جراح ضحاياها، وتهلل لمستبدها وقاتلها كما لو انه هو من أحياها ، وصنع مجدها وسواها، ورفع اسمها واعلاها، وتعرف تماما ان انحدارها بسببه ، وفقرها من عمله، وتخلفها من وجوده وتدبيره .
شعوب تدعي النباهة وتتشدق بالذكاء حتى اذا خاطبتها بنصح او فقه او علم او سياسة او ادب او فن خرج لك الالاف يحاججونك ويعلمونك ويجادلونك ، ولكن حاكما احمقا واحدا او اعلاميا تابعا مطبلا له يخرسهم ويصغون له ، ويسلمون امامه ويهتفون بعقله وعلمه وادبه وجمال شعره وبراعة صنعه ، ولا يلقون بالا لصحة مايقول او منطق مايسوق ، وهو لايحسن ينشيء جملة صحيحة او يخط بيده سطرا مفهوما.
شعوب رضيت ان تمتدح عيش الاجانب وتسطر القصص في عدل بلدانهم ،وانظمة مصالحهم وحسن تعاملهم وتواضع حكامهم ونظافة شوارعهم وجودة مدارسهم وروعة قوانينهم وانسيابية خدماتهم وسرعة مراجعاتهم بل وكمال نيلهم حقوقهم وحماية خصوصياتهم ، ولكنهم لايطمحون ان يكونوا امثالهم ولايحاولون ولا حتى يحلمون.
يقولون انظر كيف يعينون حاكما ويعزلونه وهم لايفعلون ، انظر كيف يهملون خاصة رجالهم في الاماكن العامة بينما هم اذا راوا تافها منهم انطلقوا يرقصون ويطبلون ، انظر كيف لايجرؤ الشرطي ان يطرق باب احدهم الا بقضاء وبحق بينما هم لمثل هذا واكثر متقبلون وراضون وسعداء بل ويشكرون.
ايها الاذلاء،، ايها الجبناء،،ايها المطبلون الصغار الادعياء ، ايها المنافقون على انفسكم والكاذبون على الله وعلى الحق وعلى انفسكم وعلى الارض والسماء ،،وانتم ايها المساكين والمظلومون ، ويا ايها الرافضون لاشكال الذل وأيها المبصرون ، اقول لكم امرا لم يخف عنكم بل راته عيونكم وابصاركم وانكرته عقولكم وبصيرتكم ،، تلكم شعوب تعيش وتسقط الحاكم ، اما انتم فشعوب تسقط ليعيش ويتنعم الحاكم.
ووالله لا يمثل (حمد) هذا الذي اخترعتموه ،،،الا انفسنا جميعا.وما هو الا انتم.
والله المستعان