فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاء ويوم نُسَر
كلنا يذكر الأيام الأولى التي أعقبت سقوط نظام البعث بعد التاسع من نيسان عام 2003 وكيف بعث هذا الحدث في نفوس أغلبنا -وليس جميعنا طبعا- أملا كبيرا لتحول كبير في حياة العراقيين، لاسيما الذين شهدوا سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والذين ذاق أغلبهم مرارة السياسة المتبعة آنذاك، والنهج الذي كان مفروضا عليهم رغما عن أنوفهم، فكانت أيامهم سائرة ككابوس في ليل بهيم.
ولا أحد ينكر كم كانت صعبة -بل مستحيلة- الإطاحة بنظام صدام لو بقي الأمر على العراقيين وحدهم، وبدا هذا واضحا بُعيد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 يوم صار سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى من محافظات العراق جميعها، لولا اتباع صدام سياسة القمع الدموي التي فتكت بالثائرين ضد النظام، والمطالبين بنهاية جثومه على صدور العراقيين، بعد أن انزلق البلد على يده شر منزلق، وضاع كثير من حقوق الشعب تحت أنقاض الحروب والسياسات الهوجاء التي مارسها ضد فئات البلد وشرائحه كافة.
ولكن الذي حدث هو تماما عكس ما تشتهي السفن، فقد بسط هذا الشبح جناحه المرعب على مدن الوسط والجنوب، ومارس مع سكانها كل مايمتلك من وسائل الانتقام، فأفرغ جام غضبه على المواطنين، مستغلا الحصار يدا ضاربة ضمها الى باقي أذرعه المتمثلة بأزلامه وحزبه، فغاب خلف قضبان السجون من غاب وزهقت أرواح بعضهم، ولم يجد بعض آخر من الأحرار بدا من الهجرة خارج أرض الوطن للخلاص بـ (العزيزة)، ولم يتغير الحال إلا الى الأسوأ، حتى جاء عام له أسماء عدة، فمنا من أسماه عام التحرير.. وآخرون أسموه عام الاحتلال.. وكذلك عام السقوط.. وعام الغزو.. وهو في كل الأحوال تحقق فيه حلم واحد هو الخلاص من الصنم، وهذا بحد ذاته غاية المنى والطلب.
ولقد حزت في نفس كل شريف إفرازات ذاك العام، إذ أن ما حصل كان أكثر من مهول وأغرب من العجائب والغرائب، وقد هون العراقيون على أنفسهم وطأة الأحداث، بإلقاء اللائمة في سوء ماحصل في بداية الأمر، على طريقة الإدارة سيئة الصيت التي أنشأها بول برايمر حينها. ولكن الأمر لم يقف على هذا الرجل لينزاح بانزياحه، فقد كان لمن أخلفه ومن تصدر عتبات المراكز القيادية في البلد شر إدارة، ولم يفلح أحد من مسؤولينا بتجاوز المحن التي صادفت البلاد، بل كان الأمر أكثر سوءا، لاسيما وان الهادمين أكثر من البنائين، وقد قيل في هذا من قبل:
ولو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى فكيف ببان خلفه ألف هادم
وهذا الحال مازال قائما رغم تجاوزنا دزينة وربع الدزينة من الأعوام على ذاك العام متعدد الأسماء، ويالخيبة العراقيين حين يرون الحال أسوأ بفعل الهادمين يوما بعد آخر، رغم حجم أملهم بمن ينتخبونه، ورغم ظنهم بان القفز فوق العقبات وتجاوزها يسير على يديه بانسيابية، غير أن الصدمة على ما يبدو أضحت الناتج الوحيد الذي يواجههم، وقد قاربوا الى حد ما وصف الشاعر في بيتيه:
عجبا للزمـان في حالتيه وبـلاء ذهبـت منـه إليـه
رب يوم بكيت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه
ولهم في القادم من الأيام خفايا من ساستهم، ومن الذين يتبوأون مناصب البت في قرارات الحاضر والمستقبل، إذ ما فتئ الأخيرون يتمادون في أعمالهم المعادية للمواطن، ومازالوا يتناوبون حكمه بما يزيد على حكم صدام ظلما وجورا، ولعل الترحم على الظالم يحل ويجوز، حين يحكم من بعده من هو أكثر ظلما، وكما قال أجدادنا: “يروح معيط يجي أمعط”، وليت شعري أي صنف من البشر سيتولى حكمنا إذا راح أمعط؟.