23 ديسمبر، 2024 6:03 ص

الموصل القديمة كانت بمثابة المعادل المعماري بمحمولاته الثقافية والاجتماعية لاغنية (يردلي ) التي تختزن في كلماتها ولحنها حقيقة اهل الموصل بهويتهم الانسانية،بكامل ملامحهم وخصوصيتهم المحلية المتفردة.
يردلي حفظتها الأجيال منذ عشرات السنين ،لااحد يعرف من كتب الكلمات ومن لحنها ،بل لااحد يهمه أن يعرف ذلك لأن الاغنية كانت قد تغلغلت في الوجدان الجمعي ،ومن خلالها كان الموصليون يحكون ودون ان يقصدوا ذلك قصة وجودهم ورحلة كفاحهم على هذه الأرض ، فكانت نشيد فرحهم مع كل الأزمنة التي مرت عليهم ، ولم يملوا ابدا من غنائها ،رجالا ونساء وشبابا واطفال .
كان في هذه الأغنية سحر خاص يرتبط بازقتها وربيعها وتجارتها مع مدينتي حلب وما ردين، فإذا بتاثيره يسري على الحاضرين دون استثناء، كما لوانه عطر فواح لايقاوم حيث كانت الاجواء تلتهب حماسة لامثيل لها ماأن يبدأوا بغنائها ، فإذا بالجميع يندفع الى الرقص ومن اسطح البيوت والشبابيك المطلة على فناء الدار تتعالى زغاريد النساء . كانت الاغنية تبعث في دواخل المحتفلين مزيجا من مشاعر الفرح واللوعة والحب فتتوقد فيهم طاقة عاطفية تزيدهم اصرارا على ان لايغادروا الموصل جنة العشق .
ثم جاءت اللحظة المشؤومة التي انتزعت فيها الحناجر ولم تعد تقوى على الغناء من بعد ان تم تدمير المدينة القديمة بشكل ممنهج ومبيت ،فدفنت يردلي تحت إنقاضها، ولم يعد هناك مدينة اسمها الموصل .
إذا ماأراد الموصليون ان يستعيدوا هويتهم يتوجب عليهم:
١- ان يعلنوا عن تأسيس حملة دولية لانتشال الجثث المدفونة تحت الانقاض (علما بأن اعدادهم تقدر بالعشرات ).
٢- إعادة بناء المدينة القديمة من جديد بنفس الطراز المعماري الذي كانت عليه .
٣- عليهم أن يدركوا جيدا غياب النية الحقيقية لاية جهة حكومية للقيام بهذه المهام ،لا لشيء إلا لأن جميع المسؤولين الحكوميين مجرد مخلوقات تعرف كيف تنهب وتدمر وليس من مسؤولياتها الموكلة إليها البناء والتعمير.
لا سبيل لاعادة الروح الى جسد الموصل المثخن بالجراح إلا بمخاطبة الضمير الإنساني العالمي بمنظماته ومؤسساته الثقافية التي تعرف تمام المعرفة قيمة هذا الإرث الإنساني وكيفية اعادة الحياة إليه ،بمعنى تدويل قضية الموصل القديمة انسانيا وثقافيا .
ويردلي يردلي سمرا قتلتيني