18 ديسمبر، 2024 9:40 م

يحي السماوي .. نهر بتعدد ضفافه

يحي السماوي .. نهر بتعدد ضفافه

ويعتري النفسَ ، إنكار ومعرفة ،
وكل معنى له نفي وإيجاب .
المعرِّي ..
لست بشاعر ؛ لكني متذوق له، كما لم يسبق لي أن كتبت ، نقدا شعريا ، لأيّ شاعر ، سواء كان عراقيا أو عربيا ، حداثيا أو غير حداثي ، ولم يخطر ببالي أن اكتب ذلك ابدا، لم يكنْ هذا ؛ تكلّفا ، أو امتناعا ، او ترفعا ، بل إنني أتذوق قراءة الشعر قصيدا ، ونظما ، واطرب لسماعه وايقاعاته . و كان كثير من القصائد اتذوقها ، واطرب على ايقاعاتها ، وتهزني قراءتها ، مثل شعر الجواهري العمودي ، أو نزار قباني ، الحداثي حتى الطرب ، وأخيرا ، نجلهما الشاعر المبدع يحي السماوي ، الذي لم التقيه. بيد أنَّ الأشهر القليلة الماضية ، لفتت انتباهي قصائده الحرة ، فرحت ابحث عنها ، على وسائل التواصل الاجتماعي ، وعندها نشأت علاقة صداقة وديّة، بيني وبين الشاعر السماوي . وذات يوم حمل لي ، بريده ، ديوانه الشعري الجديد ” نهر بثلاث ضفاف “، وهو مكرّس عن إينانا ، إلهة السماء ، والمطر ، والحب ، في الأساطير السومرية ، وكانت فرحتي به غامرة وجذلة جدا :
هبوط إينانا
شقّتْ ظلام الليل إينانا 1
فأيقظتِ المرايا ..
البَستْني
بُرودةَ الفَرَح المؤجَل ِ
منذ عام الهجرة الاولى
عن الماء الفراتِ
وسيِّد الشَّجرِ
النخيلْ
والسماوة
والظِباء الفاتنات
اذا نظرن الى الغزال
أسرنه
بمصائد الطرف الكحيل ..
وبدءا ، من عنوان المجموعة الشعرية هذه ، التي تصدًّر غلافها ،” نهر بثلاث ضفاف . ” الذي دفعني للتوقف قليلا عند العنوان هذا متأملا إيّاه. اذ من هنا ، ومنذ الشروع بقراءة الديوان ، هذا ابتدأ الشاعر المبدع السماوي ، بتورية لغلاف ديوان قصائده ، ومن ثم لتنسحب ، لتشمل بعض قصائد الديوان ، او لنقل قصائده السيميائية إن صح التعبير، على وفق نظريات ما بعد الحداثة ، التي تستولد نصوصا عدّة ، بمعنى آخر ؛ أنِّ المتلقى للنص مثل هذا ، يجترح نصه إيّاه ، في الاعمال الابداعية ، مثل السرد الروائي ، فضلا عن الشعر الحداثي ؛ وما بعد الحداثي ، الذي نحن بصدده . وربما ، تُعّد هذه مغامرة أن اكتب لأول مرة ، عن شاعر كبير بهذا الصدد ، مثل يحي السماوي. ولكي لا أطنب في الكتابة المابعد حداثي ، عن قامة شاعر كبير . وما يحمله هذا الديوان من بعض سيمياء ، وتوريات ، شملت الديوان الشعري هذا باكمله . وبوصف كتابتي عن هذا الديوان، أن تكون محاولة أولى لي عنه ، وكي احذر مطبّاتٍ ، أنا في غنى عنها ، في دخولي أول مرة معراج الشعر ؛ وبالذات معراج الشاعر الكبير المبدع يحى السماوي . بيد أنِّ ما دفعني ايضا ، عن تناول ديوان شعره الجديد هو ثيمته الشعرية المتميزة ، عن إينانا ألهة الشعر والحب والجمال .
بيد أنَّني ازعم لنفسي ، أنًّ لدي قدرة على فك بعض شفراته ، ومداخله فيما يطلق عليه الميتاسرد، وان كانت في غور عميق لدلالات المعنى فيملأ النص عبقا مثيرا تدعها تفيض في اجواز النص ، بخاصة اذا كان الجو ذا محمولات عشق ، او دلالات رموز ، تملأ نص يحي السماوي هذا عبقا مثيرا .
واذ إننا نعرف أن للنهر ضفتين وليس ثلاثا ، اذن ، لابد ان تكون قصائد هذا الديوان حاملة سمة التورية ، او سيمياءعلى وفق أدب ما بعد الحداثة ، التي حملها غلاف المجموعة الشعرية . وبالتالي ، لا بد وأن نجد تورية ، وهذا يعني منذ مستهل كلامنا ، أننا ندخل قصائد ، ذوات سيمياء من خلال غلافه ، او ما قاله لنا في كلام المعري البليغ اعلاه ؛ ومن ثم من أولها ، حملت قصائد اينانا دلالات سيميائية ، وفي أولها ايضا ، اينانا الرمز الاسطوري في الحب ؛ ونحن نعرف أنًّ الأساطير ، سواء كانت رمزا ، او تأريخا ، اوتراثا شعبيا ، وفي غيرها من الاعمال الابداعية ، تُعد إرثا للشعوب التي تستخدمها او تؤمن بها ، بوصفها مؤشرات ومحمولات لتاريخ تلك الشعوب وحضاراتها وإرثها .

ولكن ، من هنا ، إن اردنا ، التوقف عند قراءتنا عند كل قصيد من قصائد هذا الديوان ، وهذا يعني أن ندوّن ديوانا نقديا لشعر هذا المبدع يحي السماوي ؛ لذا فإنني هنا لا بد ، وأن كنت انتقائيا ، في تناولي هذا العمل الشعري . ووقفت عند بعض قصائده في تناولي اياها ، فضلا عن ذلك ، أنني أعّد الديوان الشعري هذا ” نهر بثلاث ضفاف “، قصيدة واحدة او ملحمة او رمز اينانا من اوله ، الى اخره ، رغم تقطيعه الى قصائد قصيرة جدا ، وفيه ضربة كما هو الحال في فن القصة القصيرة جدا ..
فقصائد المجموعة القصيرة والطويلة هذه ، تجعلك تتوقف عندها ، تتأملها ، تدخل في ثنايا معانيها العميقة ، .تسمو في رؤاها , وهذا إن دل على شيء ؛ فهو يدل على الباع الطويل للشاعر السماوي ، في تناول مثل هذا القصيد – الشعر ، الذي اطلق عليه الشاعر ، نهر بثلاث ضفاف . وان اردت مقارنته بشاعر اخر ، في مثل هذا الجنس من الفن الشعري ، وعلى حسب قراءاتي له ، فإنني لن اجد فيه ، غير الشاعر المبدع يحي السماوي .
وجاء في تقديم الديوان ، ” نهر بثلاث ضفاف . ” للإستاذ . د عبد الرضا عليّ :
” في هذه المجموعة ” نهر بثلاث ضفاف. ” اشتغل السماوي على تطويع الرمز الاسطوري الخاص ب ” إينانا ” إلهة الجمال والحب والتضحية عند السومريين ، وجعله عامّاً في فاعلِّيته الانسانية الانسانِّية ، فتحوَّل الخاصُّ الى عام ، وخرج الرمزُ من جغرافيِّتهِ المكانيِّة إلى فضاءٍ إنسانيِّ شامل . ”
نعم ، فهذه عتبات أطّرها الشاعر المبدع يحي السماوي ، لتضيء معالم بغداد ، على مساحة غلاف الديوان هذا ، ديوان ” نهر بثلاث ضفاف .” قصيدا واحدا من اوله الى آخره ، رغم مقاطعه الى قصائد ينطقها الشاعر السماوي احساسا ومشاعر إن صح التعبير .. وإن ثيمته واحدة وإن تعددت عناوينه ، وهما اسطورتهما ، كما أنه أي الديوان مكرس لإلهة الحب والجمال ، وهما اسطورتهما ، ونرى ايضا بعضا من قصائده قصيرة جدا ، وفيها نلحظ ضربة فنية ، كما هو الحال في فن القصة القصيرة جدا ، الذي هو سائد الان على الساحة في القصة القصيرة جدا ..

اكتشاف
قال التائه في
الصحراء
لا قارورة خمر
مثل غديرٍ أيا كان الماءُ
ولا مزّاءُ
حين يشبُّ هجير
كالافياء ..

ونختتم كلامنا هذا ، بما جاء في تقديم الديوان ، ” نهر بثلاث ضفاف . ” للإستاذ الدكتور ، عبد الرضا عليّ :
” في هذه المجموعة ” نهر بثلاث ضفاف. ” اشتغل السماوي على تطويع الرمز الاسطوري الخاص ب ” إينانا ” إلهة الجمال والحب والتضحية عند السومريين ، وجعله عامّاً في فاعلِّيته ا الانسانِّية ، فتحوَّل الخاصُّ الى عام ، وخرج الرمزُ من جغرافيِّتهِ المكانيِّة إلى فضاءٍ إنسانيِّ شامل . ”

-1 إينانا: إلهة السماء والمطر والحب في الاساطير السومرية .