23 ديسمبر، 2024 9:07 م

يحيا دولة الرئيس ، ولتتحول حدائقنا لمقابر

يحيا دولة الرئيس ، ولتتحول حدائقنا لمقابر

لم يكن ذلك اليوم يختلف عن غيِِره ، أنهيت عملي مبكراً وعُدت إلى المنزل أعددَتْ كوب الشاي خاصتي وجلست أمام حاسوبي كالمعتاد ، ضغطت زر التشغيل  وبدأت أرتشف الشاي حتى تَجهز البرامج ، بدأت أتصفح  لمواقع الانترنت وأناملي تداعب الأزرار حتى أخذتني للـ (يوتيوب ) اعتدت أن أزور هذا الموقع بين فينة وأخرى لمشاهدة الجديد  لكني أزوره اليوم لدراسة بعض القصص الخبرية والتقارير التي تساعدني في بحثي الذي لم انتهي منه بعد وحين كنت ابحث دفعني الفضول لمشاهدة إحد المشاهد عشوائياً يظهر فيه رجل يتوسط إحدى الشوارع على الطريق الدولي الذي يربط العراق بسوريا بحسب ما فهمته من الحوار وهو يرتدي زياً اسود ولم يحلِق ذقنه ولا حتى رأسه ( وكأنه من العصور القديمة ) ومن حوله رجال مسلحون يرتدون مثله ، يوقف ثلاث مركبات طويلة ويرغم السائقين على النزول ويبدأ باستجوابهم فيخبروه بأنهم سوريون يعملون على (باب الله ) فيسألهم واحدا تلو الآخر ( هل أنت سني) ” ما علاقة المذهب بما يفعل ؟ ” كنت اتسائل ، يجيبونه بصوت واحد ” نعم ” يعود ليسأل ” كم ركعة لصلاة الفجر ” أترقب ما يحدث بدهشة ، يجيبه احدهم ثلاثة والآخر يقول أربعة والثالث لم يستقر على رد ثم يسأل عن صلاة الظهر والعصر فالمغرب خاتماً إياها بصلاة العشاء والردود لم تكن متطابقة منهم من قال خمسة ومن قال أربعة واثنتان ” فلو كنت مكانهم لنسيت اسمي ” ينادي عدداً من مسلحيه ويأمر السائقين بالجلوس على رُكبِهم  وجوههم إلى الجانب الآخر من الشارع وظهورهم إليه ” ماذا يفعل ” أتسائل في نفسي ، حتى بدأ يرشقهم باطلاقات نارية ” يا الهي ، ما هذا الرعب ” أقول بتأمل ، عَلمتُ فيما بعد أن هذا الفيديو سجّل في محافظة الأنبار المضطربة امنياَ ، المدينة التي تشهد اعتصامات منذ أكثر من سنة تجمّع خلالها مواطنون ورفعوا يافطات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء بما فيهم النساء وتفعيل المصالحة الوطنية تلك التي ينادي بها رئيس الوزراء وتحقيق التوازن في دوائر الدولة بما فيها المراكز الأمنية التي يعتبرها البعض حكراً على فئة دون غيرها ، مبادرات تهدئة تقدم بها سياسيون وشيوخ عشائر ورجال دين لحل الأزمة لكن دون جدوى لان المشكلة تكمن في الكبرياء المزيف لدى بعض الأطراف السياسية فلو اخذ رأي الشعب على محمل الجد لما كان حدث ما حدث ، ما المشكلة ان أطلق سراح الأبرياء من الآلاف الذي يقبعون في السجون السرية والعلنية لسنين في حين يهرب قياديين كبار من مختلف التنظيمات المتطرفة من السجون بمساعدة أطراف سياسية وأمنية بحسب وزارة العدل العراقية فيما أعدمت الحكومة عدد منهم ، لا يجرؤ أحد على التقصي عن مصير قريبه خوفا من أن يتم اعتقاله بجريرة المتهم لدى السلطات.
بوادر الأزمة بدأت من تراشق التصريحات ورئيس الوزراء الذي ” اعتدنا أن نصفق له ” أمر بمطاردة الإرهابيين في صحراء الانبار وقوات الجيش بدأت تتدفق من المحافظات الأخرى تذكرتُ حينها مشاهد ما حدث للسوريين في الانبار ” نعم ، ليتحرك الجيش العراقي لا بد ان نحارب هؤلاء المجرمين ” أتحدث لنفسي ” هل يحكمنا هؤلاء القتلة ” وأنا أتسائل ، وبعد أيام قليلة سمعت عبر التلفاز أن قوات الجيش اقتحمت منزل عضو البرلمان العراقي ( احمد العلواني ) فقتلت شقيقه واعتقلته ( عضو له حصانة برلمانية  )  وهو من كان يعتلي منبر ساحة الاعتصام ويتحدث للحكومة باسم المعتصمين  أدركتُ حينها ثمة شيء سيحدث  ، مع وداع العام 2013 وبينما يحتفل العالم بأعياد الميلاد ، قُطِعت الاتصالات بشكل كامل عن الانبار وأسرعت القوات الأمنية لفض اعتصام الرمادي المستمر منذ أكثر من سنة ( بأمر رئيس الوزراء ) دون تحقيق أي مطلب من المطالب وسط احتجاج المعتصمين المجردين من السلاح وبينما تقوم تلك القوات برفع الخيام بدأت رشقات الرصاص تسمع عبر القناة الحكومية التي كانت الوحيدة بتغطية الحدث ( بعدما مُنعنا من التغطية ) ما دفع مخرج البث إلى قطع الصوت المرافق لتلك العملية لكن كلٌ شيء قد سُمع ، بدأت حركات الاحتجاج في الرمادي تتصاعد وظهر مسلحو القبائل في الفلوجة الغاضبة ، ترك حينها الجيش الصحراء وتحول للمدن ” هذا ما وجدته مقلقاً ” بدأت القنوات الفضائية تنقل الحدث عبر شهود عيان بحوزتهم أجهزة اتصال ( ثريا ) لعدم وجود هواتف وانترنت ، وتوالت الأخبار عن حرق مدرعات تابعة للجيش واقتحام مراكز شرطة كما يحدث في عمليات الشغب في أي دولة في العالم  ” ومازلنا ننتظر أخبار الانبار ” وفي المساء وبعد فض الاعتصام توالت الأنباء عن سيطرة القبائل على الرمادي والفلوجة حيث ألقى عدد من أفراد الجيش أسلحتهم ولجأوا إلى المضائف القبلية فيما لجأ البعض الآخر إلى الفرار من الخدمة العسكرية خوفاً من عواقب تلك العمليات ضد أبناء الشعب ما دفع الحكومة إلى سحب الجيش من المدن حفاظاً على سلامة المواطنين ( بحسب تصريح وزارة الدفاع ) وبعد ساعات من هذا التصريح أعلنت السلطات عن دخول عناصر إرهابية متطرفة إلى الانبار قادمة من الصحراء التي كانت مسرحا للعمليات العسكرية قبل أيام ، هذا الخبر أثار غضب الكثيرين ” وأنا واحد منهم ” تساؤلات كثيرة جالت في خاطري وإلا فكيف لتلك العناصر الدخول عبر الصحراء الواسعة في سويعات قليلة والجيش يحيط بالمدينة من كل جانب ، تضاربت الأنباء وبدأ المواطن في الانبار يستعد لما كان عليه إبان الغزو الأمريكي للعراق ، عادت خدمات الاتصال من جديد وأسرعت إلى هاتفي لاتصل بـ ( زيد ) فهو من مدينتي لكنه يدرس في جامعة الانبار ويقيم في الأقسام الداخلية وحالما سمعت صوته أدرَكتُ خطورة الأمر وحينما سألته عن الوضع الأمني  أجابني ” مكَلوبة الدنيا ومُحاصرين وما نعرف منو يرمي ومنو ينرمي ” واستمر الوضع لأسبوع تعلن فيها القبائل عن سيطرتها ومجابهة الجيش فيما تعلن وزارة الدفاع عن سيطرة الإرهابيين على تلك المناطق تسائلت حينها ” هل القبائل هم الإرهابيين ؟ ” واتصلت مجدداَ بـ (زيد) وسألته عن ما يجري أجابني ” أنا أقيم في منزل صديق لي بالفلوجة لان الطرق مغلقة ولا استطيع العودة الآن وهنا القبائل أعادت أبنائها المنتسبين للشرطة لكن القصف لم ينتهي ” حينها تأملت وسألته أي قصف ليرد ” قوات الجيش التي أحاطت المدينة منذ عشرة أيام والقصف العشوائي يستهدف المنازل ما دفع العوائل لدفنِ موتاها في الحدائق وأسأله ” هل هم من المسلحين فيرد ” لا يا عزيزي فالمسلحين لا يقيمون في المنازل بل هم في المراكز الأمنية والشوارع وكلهم من أبناء القبائل في حين أن العوائل تتضور جوعا لان المؤونة في المنازل نفدت منذ أيام  والقصف يتركز على المنازل ” علمت بعدها أن تلك العوائل المحاصرة  تتناول المواد الغذائية الجافة بعد ان تعذر عليها الحصول على أغذية طازجة بسبب الحرب ،اما جهود المنظمات الانسانية فذهبت سدىً بعد ان منعت القوات العسكرية التي أحاطت المدينة شاحنات الغذاء المتوجهة إلى المدينة من دخولها كعقاب جماعي لتلك العوائل التي تمكث تحت القصف اليومي ويبدو أن المشهد السوري الذي أرقنا كثيراً وأتعبتنا جرعات المشاهد الدموية التي نتلقاها يومياً ستتكرر في العراق بسبب اختراق الدستور الذي كفل حق التظاهر والاعتصام وضمن حرية الرأي والتعبير و الكُل يتسائل عن السبب الذي دفع المواطنين إلى حمل السلاح بعد مرور سنة على الاعتصام السلمي فهنا الخيار إما “الانصياع للأوامر و عدم المطالبة بحقوق وإلا فأنكم إرهابيون”
 وما زال القصف مستمراً .