23 ديسمبر، 2024 2:24 م

يحاكم أم لا يحاكم؟

يحاكم أم لا يحاكم؟

كثيرون هم الذين اعتبروا نوري المالكي مسؤولا عن مجزرة سباكتر وعن احتلال الموصل وهروب جيشه من المواجهة مع داعش وتركه أسلحته الأمريكية المتطورة ليغنمها الداعشيون وليحتلوا بها مناطق عاقية مهمة جديدة، ويحاصرون مدنا أخرى، مع ما رافق ذلك من سبي وتهجير وتقطيع رؤوس. وآخر من وجه التهمة بإصرار وثقة هو رئيس أركان الجيش العراقي، با بكر زيباري.
وكثيرون أيضا، وآخرهم مسؤولون في الأمم المتحدة،  حملوه المسؤولية عن عبث مدحت المحمود بالقضاء وإفراغه من عدالته واستقلاله وتحويله إلى عصا يهش بهل المالكي على خصومه، وله فيه مآرب أخرى.
ولا يحدث إلا في العراق، وتحت الخيمة الإيرانية، وعباءة الولي الفقيه، وعصا قاسم سليماني، أن تتطاير في الهواء تهم من هذا الوزن وجرائم مخلة بالشرف والوطنية والدينية والأخلاقية ولا يتخذ بشأنها أي إجراء. بل يشارك الرئاسات الثلاث جلساتها السرية ويشارك في صنع قراراتها ويعترض ويوافق، باعباره نائبا لرئيس الجمهورية. فلم ينتحر، ولم يستقل ولم يعتذر لأحد ورئيس الوزراء الجديد الذي أراد سقانا العسل الديمقراطي المغشوش، قبل استيزاره وبعده، حين وعدنا بمحاسبة جميع المسيئين والفاسدين، حى لن يبقى أحد في عهده فوق العدالة وفوق القانون، مهما كان، وأيا كان.
ليس هناك سبب شخصي يجعلني أبغض هذا المخلوق المكشر دائما، والغاضب دائما، والمختصم دائما، والمستهين دائما بالجميع، والمتطوع دائما بنثر تهم الخيانة والإرهاب والبعثية والصدامية على كل العراقيين ما عدا أقاربه وأحباءه ومعاونيه ومستشاريه. بل هناك أسباب عامة عديدة تمس الوطن وحاضره المعمد بالدم والدموع، ومستقبله المحفوف بالمخاطر تسوق إلى قلبي وروحي مزيدا من البغضاء والضغينة والاشمئزاز من أخبار هذا المخلوق الغلط.
أولها أنه أثبت، بسلوكه المزاجي الانفعالي غير المتزن وغير المستقيم، طيلة ثماني سنوات، أنه أصغر كثيرا من الكرسي الذي جعله يتسلط غلى شعب عريق، كالشعب العراقي، متنوع المذاهب والطوائف والأديان والقوميات، وغني بالآلاف، وربما الملايين، من أصحاب الموهب والكفاءات والخبرات وحملة شهادات العلوم والفنون والآداب ولاقتصاد والسياسة.
وثانيها أنه جرب حظه في الدورة الأولى من رئاسة الوزراء، والتي هبطت عليه من غير أن يحتسب، في ساعة مزاج برتقالي لدى السيد خليل زادة، فلم يحترم نفسه وشعبه ويعترف بفشله وجهله في السياسة وتطفله على القيادة ثم ينسحب بهدوء وكرامة، ويعتذر عن قبول الدورة الثانية.
وثالثها أنه بعد كل الذي جرى وصار في السنوات الثماني الغابرة، ورغم سقوطه المدوي، هو ما زال يشاكس وينافق ويشاغب، بالحلال والحرام، ويشعل الحرائق هنا وهناك لعرقلة أعمال خليفته وابن حزبه وائتلافه وطائفته حيدر العبادي، على أمل أن يعاود الركوب على ظهورنا مرة ثالثة.
وهذه جردة حساب لمنجزاته في عهده غير الميمون:                                                                                     
– ثبت بالوجه الشرعي الملموس أنه طائفي لآخر نفس، فلم يختر مستشارين ومساعدين ومرافقين ووكلاء إلا من طائفة واحدة، بل من حزب واحد، ومن طينة واحدة. وجلهُم جهلة وكذابون ونصابون وشتامون ومختلسون. أما فضائح ولده وابنته وصهره وأقاربه التي تتكشف كل يوم وتسير بها الركبان فلا تعد ولا تحصى. وقليل جدا، بل نادرٌ جدا، وجودُ موظفين مقربين من الرئيس منعتهم أصولهم الخيرة ومبادؤهم النبيلة من الانحراف واستغلال النفوذ، ولم يسقطوا في إغراء السلطة، ولم يسرقوا ويرتشوا، ولم يقوموا باحتلال بنايات وقصور ومعدات وأجهزة ومزارع وبساتين. أما المساعد أو المستشار الذي تثبت عليه تهمة الأمانة والوطنية والنزاهة والترفع عن الطائفية وعدم الموافقة على سياسة تلفيق الملفات وافتعال الأزمات والعدوات فيطرده على الفور شر طردة، ويلفق له ما شاء من تهم وأباطيل.
– ويكفي إعلانُه الشهير المعيب (ما ننطيها)، وتهديده بـ (بحور الدم) لإثبات همجيته وأنانيته ونوازعه الديكتاتورية وكذب ادعاءاته السابقة باحترام صناديق الاقتراع والحفاظ على الديمقراطية وعدم المساس بالدستور ومبدأ التداول السلمي للسلطة.
– أصبح نقضُه للاتفاقات والعهود والمواثيق، وعدم احترام توقيعه عليها مضرب الأمثال. وما فعله باتفاق أربيل واحدٌ منها.
– كشف عن قلة أمانة وضعف رجولة حين عمد إلى تسقيط خصومه السياسيين بتلفيق الملفات والتهم. ألم يعلن أكثر من مرة أنه احتفظ لسنواتٍ بملفات إرهاب تخص طارق الهاشمي ولم يحلها إلى القضاء حفاظا على سلامة العملية السياسية، كما ادعى؟
– بالغ في لجوئه الدائم إلى أسلوب المساومات والصفقات لتحقيق أغراضه السلطوية الخاصة وأغلبها ضار جدا بأمن الشعب العراقي ووحدة أرضه وأبنائه، وعلى حساب سيادته واستقلاله وسيادته الوطنية.
– أسبغ رعايته الكاملة على أصحاب الشهادات المزورة، وهم بالآلآف، ورفض استرجاع الأموال المختلسة التي حصلوا عليها بتلك الشهادات؟
– تستر على المختلسين حتى بعد أن يدينهم القضاء، وقام بتهريبهم إلى خارج العراق، إذا كانوا من حزبه أو من خاصته المقربين.
– جعل العراق حديقةً خلفية لإيران تتصرف بها كما تشاء، فتنشيء المليشيات، وتسلح العصابات، وتفتعل الحرائق، وتفجر المراقد الشيعية والسنية معا، لإحداث الفتنة وتعميق العداوات بين مكونات الشعب العراقي، خدمة لأهدافها التوسعية. ألم تجفف الأنهار وتغرق الأسواق ببضائعها السيئة، وتجعل سفارتها مرجعا لرئيس الحكومة وللوزارة والأحزاب الدينية الحاكمة؟ ألم ينزع المالكي ربطة عنقه أمام خامنئي تزلفا ونفاقا وتقية؟
– لم تتوقف حروبه التي تشتعل وتنطفيء مع الكورد، تبعا لسخونة مصالحه السلطوية المتقلبة وبرودتها.
– وزارته منعت تدريس الفنون وحاربت  العلمانية واستخدمت رجال الدين كما لو كنا تحت تظام الفقيه.
– مرر قانون الأحوال الشخصية الجعفري وما يمثله من انتهاكات لحقوق المرأة وحقوق الإنسان ومن تمييز ديني ومذهبي.
– وصف خصومه بأنصار يزيد وأنصاره بأنصار الحسين،
– أمر قواته مرارا بتقتيل اللاجئين العزل في أشرف وليبرتي، على  دفعات، وأمر بخطف النساء في أشرف، وقطع الماء عن ضحاياه، وظل يمنع العلاج الصحي عن اللاجئين.
– مارست عصاباته شتى أنواع الانتهاكات الفظيعة على الهوية في سجونه ومعتقلاته، ورتكبت عمليات اغتصاب لنساء سنيات.
– ثم جاءت حربُه العبثية في الأنبار، بحجة محاربة داعش والقاعدة لتبرهن على أنه ليس رجل دولة بل زعيم عصابة. فلو استجاب لمطالب المعتصمين المشروعة التي كفلها الدستور، وتعامل مع المطالبين بها بالتي هي أحسن لحقن دماء المئات، ولجنب عشرات الألوف مشقة النزوح والجوع والخوف، ولكان حمى الوطن من هذا المأزق اللعين.
– أقدمت وزارة (عدله)، باعتراف وزيره نفسه، على تهريب أعداد من عُتاة قادة القاعدة وداعش من سجن أبي غريب، وسهلت عبورهم إلى سوريا.
– تلاعب بالقضاء. حتى صار يأمر فيطاع. ألم يحكم القضاء على سياسيين عديدين من خصومه، بتهم الإرهاب أو الاختلاس، ثم أسقطها نفس القضاء بعد حين، بأوامر الرئيس أو أحد سماسرته المعتمدين. وما حدث مع مشعان الجبوري ما زال حديث المجالس.
– ليس هناك من وسيلة لمعرفة عدد السجناء والسجينات في أقبية معتقلاته السرية. ولا من طريقة لتحديد البريء منهم وغير البريء، سوى الشبهة ومزاج المخبر السري؟
– سطى على الكثير من صلاحيات ر ئاسة الجمهورية، واحتقر البرلمان وتمرد عليه. ألم يهدد بحله والحكم بدونه؟
– بعثر المال العام، مزاجيا وبحسابات شخصية خالصة، فتبرع لدول مجاورة بنفطٍ أو بملايين من الدولارات، دون إذن من أحد أو مشاورة مع أحد.
– غض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسل المليشياتٍ الطائفية الحاقدة إلى سوريا لحماية عرش حليفه وحليف ولي نعمته الإيراني، الأمر الذي أطال أمد الحرب وزاد من تعقيدها، غير عابيء بما يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية على أمن العراق نفسه في الغد القريب والبعيد.
– صار ولعُه بتجميع المناصب والهيمنة على الوزارات والمؤسسات وإدارتها من خلال وكلاء ضعاف وانتهازيين هوايته المفضلة، كما فعل بوزارة الدفاع والبنك المركزي وشبكة الإعلام ومجلس القضاء الأعلى.
– تستر على الفضائح والمخالفات، وأظهر لامبالاة وعدم جدية في التحقيق في تهم الاختلاس والرشوة والفساد التي توجه إلى ولي عهده أو بعض مستشاريه، واعتاد على لفلفتها وعدم نشر نتائج التحقيق بشأنها. وصفقة الأسلحة الروسية مثال صارخ على ذلك.
– لم يخجل من كذبه الذي فضحته وكالة رويتر وامريكا حين أنكر شراء أسلحة إيرانية، مخالفا بذلك أحكام المقاطعة الدولية، ثم ثبتت عليه التهمة بعد ذلك.
– لم تتوقف حملات الاعتقال المتكررة في بغداد ومدن المحافظات الأخرى، شيعية وسنية، والتي تنهي دائما باختطاف مواطنين تظهر جثثهم بعد ساعات أو أيام في مكبات النفايات أو على أحد الأرصفة. 
– ولم تعد خافية على أحد جرائمُه المتكررة بحق اللاجئين الإيرانيين، وهم ضيوف عزل ومحاصرون في معسكرهم، وإيعازه بقتل العشرات منهم ودفنهم في مقابر جماعية، إرضاءً لإيران وتنفيذا لأوامرها، رغم شجب الأمم المتحدة ودول أوربا وأمريكا .
– وأخيرا وليس آخرا، عودنا على سكوته المطبق عن حمامات الدم وحملات القتل اليومية التي تحصد العشرات والمئات كل يوم، في بغداد والمحافظات الأخرى، بالمفخخات والعبوات المتفجرة والكواتم، ثم يلقي باللوم كله على خصومه السياسيين، ولا يبذل جهدا مخلصا وحقيقيا لعلاج ذلك الإرهاب من جذوره التي لا يجهلها حتى الطفل العراقي الصغير.
وفي عهده تصدرت الدولة العراقية قوائم الدول الأكثر فسادا وانتهاكا لحقوق الإنسان وقتلا للصحفيين واعتداءً على المتظاهرين السلميين.
أطفالٌ، بالملايين، دون مدارس، هائمون في الشوارع مع الكلاب السائبة. ملايين الفلاحين دون مياه شرب، ودون صحة ولا دواء. عمالنا العاطلون عن العمل تغص بهم مقاهي الوطن الحزينة وأرصفة شوارعه المحطمة. والمُهجَرون والمهاجرون يكابدون ويصارعون من أجل لقمة عيش في حارات دمشق المحترقة وشوارع عمان وأنقرة والقاهرة وأثينا وبيروت، بلا أمل في عودة أو معين.
كل هذا حدث قبل أن يظهر البعبع الكبير داعش ويجتاح العراق بعد أن اجتاح سوريا. وقد حصل إجماع، عراقي، عربي، إقليمي، دولي، على أن المخلوق الغلط نوري المالكي هو أصل الكارثة وصانعها الأول والأخير.
هذا هو المالكي، وقد رحل، ولم يرحل. فقد كرمه التحالف والائلاف وحيدر العبادي والكورد وسنة السلطة فجعلوه نائبا لرئيس الجمهورية، وكان الأحرى والأقل إجراءً بحقه وحق ولده وصهريه وكبار أعوانه الفاسدين المفسدين أن ُيلقى القبض عليهم جميعا، على الفور، ويحاكموا، أسوة بحسني مبارك وطاقم حكمه، وصدام حسين وأعوانه، على الأقل لتبريد جراح المجروحين، ومواساة أيتام المغدورين، وتحصيل ما يمكن تحصيله من أموال سرقها هذا المخلوق ومن لف لفه ووالاه. ولكن شيئا من هذا لم يحدث، ولن يحدث، لأن النظام كله مخلوق غلط، وكل الكبار في السلطة غلط، في غلط. فهل من اعتراض؟