يعاني اليوم أكثر من خمسة وعشرون ألف عائلة عراقية (يثربية) من دوامة صراع مستمر مع الجوع والعوز والفاقة, والشتات والضياع, وموجة البرد التي تحصد الأرواح, وهناك الكثير من الأطفال ودعوا الحياة ليس بسبب العنف أو القصف وإنما بسبب البرد والجوع القاتل هناك, في مدينة منسية عن وسائل الإعلام, ويحاول تناسيها المسؤولين في محافظة صلاح الدين الذين سرقوا أصواتهم وهربوا إلى أقبية ومراكز الدولة, وكأن أهالي يثرب لا ينتمون لهذا الوطن إلا بصفتهم فضائيون قادمون من سطح القمر, أو إن مواطنين من الدرجة الرديئة.
وهناك ألاف الأطفال والنساء والشيوخ يعيشون اوضاع انسانية تندي لها جبين البشرية, فيما لا تُحرك فرائص مسؤول سياسي مُتخم بالسرقات والأكل الحرام, الذين غابوا عن المشهد وما تعانيه ناحية يثرب من شظف العيش وانعدام أبسط الخدمات من أكثر من خمسة أشهر وهذا المنوال يتجدد كل صبية, وهذا المسلسل المُضحك المُبكي تتكرر حلقاته يومياً, ولا من مُغيث له, أو متأسفاً على حاله, حتى وسائل الإعلام غيبها الضمير وغابت وكأن ما يحصل في يثرب هو لا يختلف عن أي كارثة في جُزر القمر أو في بورما, الكل أغفل أو تغافل المصير المجهول الذي تواجهه البلدة, وما يُحيق بها من أخطار وتحديات, وواقع مؤلم.
يتقاطرون إلى المجهول هرباً من وطيس الحرب الدائرة هناك, وهم فقدوا الكثير من ممتلكاتهم وفلذات اكبادهم قرابة خمسة أشهر بين مطرقة حصار يُضيق الخناق, _ ويمنع دخول حتى المواد الانسانية (!) _, وسندان العلميات المسلحة والعمليات العسكرية, مغلوب على أمرهم, يعيشون وضعاً لا يمكن تصوره إلا في المجتمعات البدائية من حيث اساليب الطبخ وتصفية المياه المج وإعداده ليُصبح صالحاً للشرب, والكثيرون يغطون عرائتهم بجلدهم, يصدون موجة البرد القارص بخرق اسمال مبتذلة, والجوع والعوز والفاقة, وهم على غالبيتهم عاطلون عن العمل لا مرتب يسد رمق جوعهم أو يُحجم فجوة العوز, خصوصاً والأوضاع الأمنية أجبرتهم على ترك وظائفهم التي تتراوح بين العمل في صفوف الجيش والسلك الشرطوي والدوائر الأمنية, فما كان الحال إلا أن يصُب الزيت على النار ويزيد من كاهل معاناتهم, وهم اليوم ضائعون, مشردون بين مطرقة الأعمال المسلحة وبين الأعمال العسكرية, بين الهروب من البلدة, وبين مواجهة المجهول والمبيت في العراء على اطراف مدينة الحويجة وكركوك, يلتحفون بردهم, يأكلون جوعهم, يشربون دموعهم, وكأن النازحون هم ليسوا بشراً, ولا هم من أبناء الوطن الثاكل, فأين وزارة حقوق الإنسان العراقية, وأين المسؤولين في محافظة صلاح الدين, وأين نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات, هل أكتفى بسرقة مُنح النازحين, وأين المسؤولين الذين صرنا الا نراهم إلا قبيل الانتخابات والحملات الدعائية المزيفة, أنا أجزم لو إن هناك انتخابات تشريعية مرتقبة لصار الجميع يتجولون ويتوافدون كأقطار الذباب في طوابير النازحين, وسراديق خيام المنفيون داخل اقبية الوطن, وأين منظمات المجتمع المدني المختصة بالحالات الإنسانية, أهالي مدينة يثرب يستغيثون فهل من مُجيب.
أيُها المسؤولين في هرم الدولة نرفع إليه رسالة يثرب الإنسانية إن ظلت هناك إنسانية ورحمة, فإن لم يهز شواربكم دمع شيخٍ, أو أرملة, فأحسنوا لإنسانية الطفولة التي ضاعت في وحول الضياع!
فما يحتاجه أهالي يثرب ليس حلماً سوريالياً, ولا راتب فضائي, ولا مشروع مقاولة وهمي, ولا نثريات دولة, ولا محروقات سيارات السيد المسؤول, أو فاتورة سهراتهم الليلية الماجنة, أو فاتورة أحد ابناء البرلمانيين, هم فقط يحلمون بقميص فض يستر عوارتهم, وكسرة خبزٍ يابسة يشاغلون بها جوعهم, هم لا يحلمون إلا بخيمة تحمل مواصفات وطن !!