وصلت الى مطار بغداد قادما من أمريكا وأنا أُمَنّي النفس بحال افضل لوطني الذي مزقته الحروب والنفوذ الاجنبي لسنوات طوال. ثمة قانون عراقي يقول ان لا داعي لاصدار سمة دخول لمزدوجي الجنسية من العراقيين الحائزين على جوازات اجنبية وما عليهم الا ان يبرزوا بطاقات جنسيتهم العراقية لاثبات ذلك.
وباعتباري ممن ينطبق عليهم القانون، ما إن وصلت لضباط الجنسية العاملين في المطار حتى أبرزت بطاقتي للضابط، حدق بها برهة ثم قرأ إسمي بالجواز الامريكي وعندما رأى أختلافا طفيفا رفع رأسه وقال ان اسمك في الجنسية العراقية لايتطابق مع اسمك في الجواز الامريكي. قلت ان اغلب المغتربين أو المهجرين ( وليس المبتعثين على نفقة حكومة البعث كوزير الخارجية السابق ابراهيم الجعفري) لاتتطابق اسماؤهم العربية مع تلك التي باللغات الاجنبية لما لترجمة الاسماء (Transliteration)من تعقيدات ومعايير مختلفة.
قال انت محظوظ جلبت معك بطاقة الجنسية العراقية والا لاعدتك الى من حيث اتيت، قلت الا يكفي كوني اتحدث العامية العراقية بافضل منك ومن كل العاملين في المطار؟ الا يكفي ان جوازي الامريكي يذكر ان مسقط رأسي في العراق؟ أم هل يجب أن اعطيك رقم هاتف امي في الديوانية لتؤكد لك انني ابنها الذي غادر العراق هربا لان نظام البعث وضعه على قائمة المطلوبين للاعدام؟ أتريد ان ابرز البطاقة التموينية؟ أم ما الذي علي فعله كي أثبت لك انني عراقي؟ هل كان علي ان أتزيا بزي باكستاني او افغاني او ايراني وادعي انني زائر للعتبات المقدسة كي تلوي كل القوانين من أجلي وتدعني اذهب باحترام؟
بعد أن حُشرت مع العمال الاجانب لساعة كاملة، أومأ الضابط الي وقال استمع لما أقول، لديك خيار واحد وهو انني ساعطف عليك واصدر لك سمة دخول طوارئ لشهر واحد تدفع مقابلها مئة دولار امريكي (يعني ورقة) وعليك مراجعة مديرية الاقامة والجنسية في الكرادة خلال خمس عشرة يوم والا فسوف لن ادعك تغادر العراق.
عظيم، سوف ياخذوني رهينة لانني قاومت نظام البعث واضطررت لترك وطني فحصلت على الجنسية الامريكية التي لاانكر اعتزازي الكبير بها. هل كان علي ان الجأ الى ايران؟ حاولت ولم يقبلوني لانني لست منحدرا من عوائل نجفية من داخل السور لها امتدادات ايرانية. طلبت اللجوء في السعودية ورفضوني لانني آت من الجنوب يعني أنني شيعي بالولادة فلا يحق لي مايحق للهندي والسريلانكي والفلبيني وغيره من الجنسيات الاسيوية غير المسلمة في العيش في المملكة “العربية” السعودية.
وأنا واقف انتظر حلا لمعضلتي، وقف بالقرب مني بريطاني فسألته ماالخطب؟ قال ابلغوه في المطار ان سمة الدخول التي استصدرها من السفارة العراقية في بريطانيا غير معترف بها لانهم استعملوا نموذجا قديما في السفارة. قال ماذنبي أنا اذا كانت التحديثات لاتصل سفاراتهم في الخارج؟ قلت له متهكما لاتتفاجأ اذاما أعادوك للسفارة العراقية في لندن كي تجلب لهم كتاب صحة صدور لسمة الدخول.
علمت ان مديرا جديد قد عين للمطار ويشاع انه اشترى منصبه وعليه اذن استرجاع امواله وبعض الربح، كيف؟ تعقيد الامر على المسافر وتهديده باعادته الى من حيث اتى لعلة مفتعلة في اوراقه الثبوتيه او سمة الدخول كما هو الروتين في كل الدوائر الحكومية في العراق. لعل بعضهم يقول ماهو دليلك على ذلك؟ ياسيدي الكريم ليس من واجبي اجراء تحقيق شامل حول مجرى العمل في المطار وانا الانسان الذي لاصلاحية له للقيام بهكذا عمل كي اقدم لك ادلة الادانة، فهذا واجب المفتش العام ومع هذا سادلك على خيوط توصلك الى ادلة الادانة في المقالة القادمة اذا كنت فعلا تريد اصلاح الخراب. فمثلاً، سمة الدخول الطارئة (emergency visa) كان أمدها ثلاثة أشهر مقابل مئة دولار كما اسلفت فتغيرت الى شهرين ثم الى شهر واحد, ومع هذا يتم ابلاغ المسافر الحضور الى مديرية الاقامة والجنسية في فترة لاتتجاوز الخمسة عشر يوما؟ فما الغاية من ذلك؟ ثم اذا كان على المسافرين مراجعة الاقامة، لماذا اذن لايتم فتح مكتب للاقامة في المطار لتسهيل اجراءات السفر كما هو الحال في مطارات عدة في الشرق الاوسط؟
ماهي اذن اجراءات وسياسات الحكومة لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية اذا كان الاجنبي لايعرف كيف يخرج من مطار بغداد “بريشاته” هو شخصيا فما بالك بشركاته وموظفيه وامواله ومعداته؟
أتفهم جدا تعاطف العراقيين مع الايرانيين الوافدين لزيارة العتبات المقدسة واعفائهم من رسوم الفيزا لما للعراق من علاقات اجتماعية ودينية وجغرافية وتاريخية مع جمهورية ايران الاسلامية، لكن الا يستحق العراقيون معاملة في وطنهم كتلك التي يعامل بها الزوار الايرانيين؟
أتحدى مجلس مكافحة الفساد المشكل حديثا أن يبرئ مدير مطار بغداد الدولي من شراء منصبه وإن لم يفعل المجلس فهو مشتريه وسوف لن يتوقف عن عرقلة المسافرين وتعقيد اجراءات السفر حتى يستوفي مادفع من اجل المنصب إضافة الى مايراه معقولا من ربح. لازالت ادارة المطار تخضع لسلطة هادي العامري وتتلقى تعليماتها منه، التعليمات التي تعكس النفس الطائفي والانحياز لكل ماهو اسلامي يتعاطى من اللوبي الايراني في العراق.
اذا ماأراد مجلس مكافحة الفساد مكافحة الفساد فعلا، فعليه أن يعمل بمبدأ ” كل مسؤول عراقي مدان حتى تثبت براءته وكل مواطن عراقي بريء حتى تثبت ادانته،” لان اغلب المسؤولين في الموسسات التي تجبي اموالا اشتروا مناصبهم ومن يشتري منصبا لابد ان يسترد امواله إما من سرقة المال العام أو من خلال الرشى والا قل لي انت لماذا يشتري المسؤول منصباً؟
حتى رواندا التي كلنا نتذكر مذابحها بين عامي 1993 و 1995 بين قبيلة الهوتو (80% من السكان) وقبيلة التوتسي (20%) تسامت على خلافاتها ونهضت، فاطلقت قبل اشهر اول قمر صناعي في اطار مشروع يزود المدارس والمناطق الحضرية بخدمة الانترنت مجانا واستخدمت تكنلوجيا الكابل الضوئي بكلفة مايزيد على مليار دولار امريكي. الرئيس كاغامي (رائد نهضة رواندا) الذي تولى حكم البلاد عام 2000 نقل البلاد الى مصاف دول افريقيا المتحضرة في زمن قياسي. خطته اعتمدت على توحيد الشعب وتحقيق المصالحة الوطنية ومحاربة الفقر. تم تطبيق الخطة وتحققت المصالحة وعاد اللاجئون الى مناطق سكناهم ونظمت محاكم محلية لازالة المظالم واعادة حقوق المغتصبة حقوقهم.
تحققت المعجزة هناك وتضاعف دخل الفرد عام 2015 ثلاثون ضعفا عما كان عليه قبل عشرين سنة. الخبير الاقتصادي الرواندي كليت نيكزالا لايرى في الامر معجزة بل يختزل نجاح الدولة بمكافحة الفساد والاستفادة من تجارب الامم الأخرى فيقول “لكي تؤسس دولة ناجحة عليك أن تستفيد من تجارب الآخرين…إذا قضيت على الفساد والرشوة في المطار ووفرت خدمة انترنت سريعة وشجعت الاستثمار وجعلت الشباب يتحدثون الانكليزية، فتكون بهذا أسست دولة فعالة وسوف تتقاطر عليك الشركات والمستثمرين من كل انحاء العالم.”
فهل حكومة عادل عبد المهدي قادرة على انهاء الفساد والرشى في مطار بغداد على الأقل أم أننا لانحلم حتى باتباع خطى رواندا دع عنك فرنسا او المانيا او اليابان؟