قبل مدة ليست بعيدة تم استدعائي من قبل السفارة الامريكية في بغداد حول كتابة مقالات ومنشورات في الصحف الخارجية مثيرة للجدل ولا تمت للحقيقة وكانت اجابتي لممثل السفير أن حالة الرعب والخوف والفزع والهلع المباشر بدء يدب في جميع الشخصيات السياسية العراقية كافة , من خلال كلماتهم وخطاباتهم المتشنجة يخاطبون بها خصومهم أبناء الشعب العراقي , من الأكراد والسنة والشيعة العرب وجميع شرائح وأقليات المجتمع العراقي , وحالة التهديد المبطن من خلال دولة تدعي القانون والديمقراطية الجديدة . وفي أوساط النخبة السياسية الحاكمة في العراق تناقلتها عدد من الفضائيات العراقية والعربية والدولية ، أو النسبة الكبيرة منها ، لسببين :
الأول .. بسب التظاهرات والاعتصامات المليونية التي شهدها بلد العراق وفي عدد كبير من مناطقه لأنهم يعرفون أن هذه الحرب باتت وشيكة .
الثاني .. الخوف من المصير الأسود الذي ينتظرهم في حال تشكيل حكومة طورائ وطنية تتولى محاسبتهم , وقد بدأنا نشاهد طلائع هؤلاء تتدفق إلى العواصم الأوروبية ، وخاصة لندن ، حيث أموالهم واستثماراتهم التي نهبوها من العراق , وحيث عائلاتهم التي لم تغادر لندن أساسا لأنها لا تطيق العيش في العراق الجديد , الذي لا يناسبها ولا توجد فيه الكماليات اللازمة للاستمتاع بالمليارات التي نهبت من ثروات أبناء الشعب العراقي في اكبر عملية فساد في تاريخ المنطقة ، وربما العالم بأسره , العراق يقف حاليا إمام مرحلة دموية من الفوضى والتصفيات الطائفية بسبب الفراغ الذي سيتركه تغير الحكم في العراق الجديد , ولعل أول من تنبأ بها ممثل السفارة الامريكية بان العراق يحتاج إلى عشر سنوات أخرى أي عام ( 2028 ) حتى تصبح مؤهلة لتولي المسؤوليات الأمنية في البلاد , في الماضي القريب ، جرى طرح تعبير أيتام النظام السابق والمقابر الجماعية , للتداول في أوساط المبشرين بالعراق الجديد , كنوع من السخرية , ( توقف الحديث مؤخرا عن نظام صدام أو بالأحرى خفت حدته ) ، ويبدو إن المصطلح نفسه قد يستخدم بقوة في الأيام المقبلة ولكن مع بعض التعديلات ، فبدلاً من أيتام صدام سيروج مصطلح أيتام المليشيات الحزبية الايرانية المتواجدة في العراق اليوم , الذين سيجدون أنفسهم وجها لوجه إمام الشعب العراقي الذي خدعوه ، ومارسوا أبشع عمليات التضليل لإقناعه بمشروعهم الدموي الثأري الطائفي ، حتى لو جاء هذا المشروع على حساب العراق ووحدته وهويته , السيد ممثل السفير اعترف ، وبشكل صريح هو اعتراف نادر على إي حال ، بان النخبة العراقية الحاكمة فشلت في أقامة نظام سياسي مستقر يحقق طموحات الشعب العراقي بسبب خلافاتها الداخلية والشخصية المتفاقمة , تسعة عشر سنة جاءت بعد الاحتلال البغيض الملعون ، التي يمكن إن تكون الأخيرة فعلا ، والعراق دون حكومة رغم الوساطات والتدخلات الأمريكية التي لم تتوقف ، والبرلمان الذي تمخض عنها لم يعمل شئ للعراقيين ، ولم يتم إصدار قانون بحق المساكين , وبالتالي رئيس للجمهورية الدكتور برهم صالح لا يعرف ماذا يعمل غير لكردستان , ولا يلوح في الأفق أي مؤشر عن قرب التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة بين بغداد – كردستان والمناطق الغربية العراقية , القوات الأمريكية انسحبت من العراق ، وخلفت وراءها أيتامها من عناصر العملاء ، ترى ماذا سيحدث لهؤلاء بعد رحيل كفيلهم الأمريكي ، وباتوا مثل اللقطاء غير معروفي الأب ، فلا هم من أجهزة العراق الجديد ، ولا هم قوات مقاومة للاحتلال التي خانوها وتعاونوا مع الاحتلال ضدها ، ولا هم من المواطنين العاديين المغلوبين على أمرهم , ولا هم رحلوا مع مستخدميهم الأمريكيين مثل نظرائهم الفيتناميين او بعضهم ، أو حتى الفلسطينيين الذين أجلاهم الإسرائيليون بعد الانسحاب من غزة , نفهم ، ولا نتفهم ، ان لا يستوعب رجال الخيانة والعمالة والرذالة هؤلاء وزعماؤهم , ( خاصة من قادة البعض ونسبة كبيرة منهم من الجهلة فكريا وسياسيا ، الدرس الأبرز في التاريخ الذي يفيد بان جميع الذين تعاونوا مع احتلال بلادهم وقواته واجهوا مصيرا حالك السواد ، بعد تخلي المحتلين عنهم وهروبهم تحت جنح الظلام مهزومين ، ولكن لا نفهم إن يقع في هذه الخطيئة سياسيون ورجال دين كبار يرتدون العمائم بمختلف ألوانها ، وبعض هؤلاء دكاترة وخريجو جامعات غربية أو حوزات علمية مشهود لها في العلوم الدينية والفقهية , تعالوا لنجري جردة حساب لما جرى في العراق بعد تسعة عشرة سنة من احتلاله , والانجازات التي تحققت بفضل هذا الاحتلال ، وما إذا كانت تستحق الثمن الباهظ المدفوع من دماء العراقيين والأمريكيين وثرواتهم في المقابل , يتباهى الأمريكيون وحلفاؤهم بأنهم أطاحوا بنظام الطاغية صدام حسين حسب تعبيرهم ، وهذا صحيح ، فنظام صدام لم يعد يحكم العراق ، ولكن هناك خمسة ملايين يتيم ، ومليون أرملة , ومليوناً ومئتي شهيد ، وستة ملايين جريح ، نسبة كبيرة منهم في حالة إعاقة كاملة وأربعة ملايين مشرد داخل العراق وخارجه ، علاوة على إن العدد نفسه بقي في المنافي ولم يتحقق حلمه بالعودة , إما الطبقة الوسطى عماد المجتمع العراقي فقد اختفت بالكامل ، وكذلك الخدمات الأساسية من تعليم وطبابة وماء وكهرباء فهل يعقل أن العراق الذي يعد ثاني دول العالم من حيث الاحتياطات النفطية لا تزيد مدة إمدادات الكهرباء , فيه عن أربع ساعات يوميا وفي صيف ترتفع درجة الحرارة فيه إلى خمسين درجة مئوية , عند غزو العراق ، كان هناك حصار، ورغم ذلك كانت هناك كهرباء وماء وجامعات ، ودولة مركزية إقليمية مهابة من الجميع ، لم تكن هناك طائفية ، ولا تفتيت مذهبي وعرقي ، ولا تنظيم القاعدة ولا رهط المليشيات الكرام , فهل تعترف البقية الباقية من دكاترة العراق بهذه الحقائق علنا .نأمل أن نرى صحوة حقيقية في أوساط العراقيين ، عنوانها محاسبة كل الذين تورطوا في جرائم الحرب هذه ، والعراقيون منهم خصوصا ، إمام محاكم دولية وإذا تعذر ذلك فمحاكم عراقية عادلة ، ولكننا نخشى من أمر واحد وهو إن تحرمنا الحرب الزاحفة ، وشبه المؤكدة من تحقيق هذه الأمنية .. ولله .. الآمر.