تكشف ” فهلوة” المطالبة بتشكيل الاقاليم عن نوايا مبيتة ليس فيها من صالح الوطن أي شيء، لأن غايتها الأساسية تقزيم العراق جغرافيا وسياسيا واقتصاديا، بالنقيض تماما من التبريرات الممنهجة التي ترافق الاعلان عن الاقاليم، التي تمثل خطوة متقدمة على طريق تفكيك وحدة العراق بايدي أولئك الذي يرفعون الصوت عاليا في الدفاع عن وحدة هذا البلد، وهي مفارقة تقترب من المراهقة السياسية للاعبين ركبوا الموجة بالمقلوب.
ان اخطر آفة تواجه العراق هذه الأيام هي غياب المشروع الوطني الحقيقي لصالح أجندات وخيارات مدفوعة الثمن مسبقا، لها علاقة مباشرة بتحالفات تحت الطاولة من ناحية، ومحاولة اللعب على كل الحبال من الناحية الأخرى، خاصة مع تنامي عقد السياسيين في جذب الأهتمام ليس لخدمة العراق بل لتحقيق الأكثر من السحت ولعب الأدوار، لا سيما وأن توقيتات اعلان الاقاليم والفيدراليات وغيرها تتزامن مع رحيل المحتل، ما يعني أن الأخير ترك خلفه الكثير جدا من الالغام والقنابل الموقوته، التي ستستخدم لتسهيل عودته من الباب الخلفي لحماية ما يقولون انه المشروع الديمقراطي بتضحيات أمريكية.
لو أن فكرة الأقاليم جاءت من باب تقديم الأفضل للمواطنين وتنويع مستويات راحتهم لأمكن تفهم الأمر، لكن المشكلة في نفس السياسيين أو المسؤولين الذين لم يقدموا للمواطن شيئا يذكر وهم على راس المسؤولية في المحافظة، حيث انصرفوا لبناء مستعمرات مالية قابل للانشطار ، فكيف الحال عندما تكون كل واردات الاقليم بأيديهم، انها فعلا أم المصائب، خاصة اذا ما عرفنا أنهم يستغفلون شعبهم في تبرير أجنداتهم، بالقول ان المحافظة على الأمن الشخصي للمواطنين هي على أس المطالبات بتشكيل الاقاليم، وكأن العراق اصبح جمعية من جمهوريات الموز المتصارعة على نفسها ، وغير القابلة للحياة.
لا ندري لماذا يجيد بعض السياسيين تقليد الحرباء في ذكائها فقط، بعيدا عن أية فكرة أو مشروع للاستفادة من ” هذا الذكاء” لخلق تصورات مقبولة ويمكن البناء عليها، فاذا كانت المشكلة في مركزية القرار ونسب التمثيل وغيرها من التخندقات غير العراقية، فمن الأفضلرمي الحمل جانبا والمطالبة بتعديل كل بنود العملية السياسية من الدستور وحتى قانون الانتخابات والتعيينات والملاحقات القضائية، التي ولدت من رحم مصاب بكل الأمراض، ومع ذلك هناك من ينتظر الفرج على التل، متناسيا أن نكبة العراق وأهله تكمن في تفاصيل دستور وقوانين ومحاصصات وشراكة سياسية غير موجودة أصلا، لأن الاحتلال ارادها من الأصل لعبة ” شقاوات” يوجه خيوطها من بعيد حتى بعد رحيله.
ليس من المنطقي وضع رجل في العربة وأخرى ضدها، كما أنه من المعيب حد شيب الرأس، أن يضع بعضهم الفوارق بين العراقيين باجتهادات ” سياسيي الصدفة”، الذين تتغير بوصلة اتجاهاتهم بطرق مختلفة لا علاقة لها بحسابات الفلك، بقدر تأثرها بعوامل تعرية من نوع خاص، تتمثل في حلب العراق على عجل، وكأن نفس السياسيين يشعرون أنهم في مقاولة مفتوحة لبعض الوقت يجب أن يحققوا الأعلى من ايراداتها.
وفي مواجهة حقائق خطيرة من هذا القبيل ، تنطبق على غالبية السياسيين، نجد أن على الشعب العراقي واجب التصدي بعقلانية لكل هذه المخططات التي تستهدف مستقبله و وحدة مصيره، وأن ينزع العراقيون عن أنفسهم ثوب محاصصات وتوافقات وطائفيات لبسوه بالتوقيت الخاطيء، لأن السياسيين سيرحلون وليس هناك من غاية أسمى من حماية وحدة العراق ونسيج شعبه المتجانس بالفطرة ، فينا شيعي وسني و مسيحي وصابئي ويزيدي، لكننا جميعا نتكأ على ذراع قوية هي الأخوة العراقية، التي اختبرت ونجحت في كل الظروف، لذا فمن العيب ذبحها خدمة لهذا أو ذاك ممن لا يعرفونا الا في أزماتهم.
شاكر الجبوري
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”